انتهت مهمة المبعوث الأممي الخاص لسوريا ستيفان دي ميستورا السبت، بعدما دخلت استقالته التي أعلنها في تشرين الأول/ أكتوبر حيز التنفيذ اليوم، ليضع حدا لمحاولاته المستمرة منذ 4 سنوات في حل الصراع السوري.
وغادر دي ميستورا منصبه بتصريحات الخميس الماضي، عبر
فيها عن "أسفه العميق لعدم إحراز تقدم ملموس" في محادثات أستانا في
كازاخستان بخصوص الأزمة السورية، مؤكدا أن "روسيا وتركيا وإيران أخفقت في
تحقيق أي تقدم ملموس في تشكيل لجنة دستورية سورية خلال اجتماع أستانا
الأخيرة".
وأضاف دي ميستورا أنه "كانت هذه المرة الأخيرة
التي يعقد فيها اجتماع في أستانا عام 2018، ومن المؤسف بالنسبة للشعب السوري أنها
كانت فرصة مهدرة للإسراع في تشكيل لجنة دستورية ذات مصداقية ومتوازنة وشاملة
يشكلها سوريون ويقودها سوريون وترعاها الأمم المتحدة"، على حد قوله.
أوهام دي ميستورا
ورأى محللون وسياسيون أن دي ميستورا حقق فشلا ذريعا
خلال مهمته في الحرب السورية؛ من خلال عجزه عن تقديم أي حلول ملموسة للشعب السوري تمكّن من وقف نزيف الدم المتواصل منذ سنوات.
وفي ضوء ذلك، لخص الكاتب السوري سلام السعدي مغادرة المبعوث الأممي الخاص لسوريا، بالقول إن "دي ميستورا يغادر محتفظا بأوهامه"، موضحا أنه "رغم أن اجتماع أستانا كان الأخير لدي ميستورا الذي استقال من منصبه، لكنه أصر على أوهامه بأهمية المسار السياسي الذي ساهم في وضعه، حين وصف الفشل بأنه فرصة ضائعة".
فشل تشكيل اللجنة الدستورية لم يأتِ بسبب الخلاف على مسائل تفصيلية
وتساءل السعدي في مقال اطلعت عليه
"عربي21": "هل كانت هنالك فرصة حقا لتحقيق أي تقدم يخص تسوية
سياسية حتى تضيع؟"، مشددا على أن "من يتابع الرجل يعرف أنه يستخدم هذه
اللغة التفاؤلية حول الحل السياسي منذ استلامه منصبه، وذلك رغم اتضاح حقيقة هذا
الحل، وكونه لا يشكل أكثر من غطاء لاستراتيجية النظام السوري وحلفائه لتحقيق حل
عسكري على الأرض".
اقرأ أيضا: الأمم المتحدة تكشف عن خليفة دي ميستورا في سوريا
وأردف السعدي: "تضاف إلى الأوهام التي نسجها دي ميستورا وآخرون حول قابلية النظام السوري للإصلاح، أوهام تتعلق برغبة روسيا وقدرتها على دفع النظام السوري إلى الحل السياسي"، مستدركا بقوله: "موسكو تواصل تخييب آمال كل من يراهن عليها لقيادة حل سياسي".
وذكر الكاتب السوري أن "جولة أستانا الأخيرة فشلت، لكن قبلها فشل المبعوث الدولي في عمله"، مبينا أن "دي ميستورا لم يفشل فقط في دفع الأطراف المتصارعة للتوصل إلى تسوية سياسية، بل بإدراك أن مهمته مستحيلة ضمن الواقع السوري".
وشدد السعدي على أن "نجاح اتفاقيات أستانا
وقبلها جنيف، لم يكن ليتوقف على نوعية أي مبعوث دولي، ولا على حنكته وخبرته السابقة، ولا على عدد اللغات التي يتكلم بها، بل كان يتوقف فقط على طبيعة الفاعلين في
الصراع السوري، خصوصا النظام السوري وحلفاءه الرافضين لأي نوع من أنواع
التسوية".
دي ميستورا يغادر منصبه بعدما فشل في إدارة الصراع
واستكمل السعدي قائلا: "لم يفهم دي ميستورا هذه
الحقيقة البسيطة، وهو يغادر منصبه اليوم محتفظا بأوهامه، أو ربما بدوره الحقيقي
المتمثل في تزييف طبيعة النزاع السوري".
من جهته، قال الكاتب السوري مصطفى زين إن "دي
ميستورا يغادر منصبه بعدما فشل في إدارة الصراع، والأصح القول بعدما أفشله من
عيّنه في منصبه، مثلما أفشل قبله كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي، عندما كان يراهن
على إسقاط النظام بالقوة خلال أيام أو أسابيع، وتشكيل نظام جديد يقطع مع الماضي، ويوقف العلاقات مع إيران، ويتصدى لنفوذها في العراق ولبنان".
وأضاف زين في مقال اطلعت عليه "عربي21"
أنه "كان ذلك قبل التدخل الروسي وقلب موازين القوى على الأرض، في لحظة تاريخية
حاسمة استغلها الكرملين لإعادة تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب، مع ما يعنيه ذلك
من صراع على النفوذ، واستغلال حروب وخلافات، وتشكيل تحالفات إقليمية ودولية للسيطرة
على موارد الطاقة، والتحكم بإمدادات النفط والغاز".
اقرأ أيضا: دي مستورا يهدد دمشق بالتخلي عن جهوده بتشكيل لجنة الدستور
وأشار زين إلى أن "روسيا استطاعت قلب المعادلات في سوريا؛ عبر دعم النظام عسكريا على الأرض وسياسيا في الأمم المتحدة، إلا أنها تواجه تحالفا قويا تقوده الولايات المتحدة التي تتدخل عسكريا وسياسيا، بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا، لإيجاد صيغة تتيح لها التأثير في مستقبل سوريا".
ورأى الكاتب السوري أن "تكليف دي ميستورا جاء
للإشراف على تشكيل لجنة دستورية متوازنة ذات صدقية تمتلكها وتقودها سوريا، وتيسر
عملها الأمم المتحدة"، لافتا إلى أسف المبعوث الأممي لعدم إحراز أي تقدم
ملموس في التغلب على المأزق المستمر منذ عشرة أشهر.
وفي تقييم لمرحلة دي ميستورا، قال المحلل السياسي أحمد أبو علي إنه "لم يحقق شيء، فلم يوقف حربا ولم يجلب سلاما عادلا أو وقف لإطلاق النار، ودوره لم يخرج عن التصريحات، وهكذا كان دور جميع المبعوثين الأمميين، الذي يشعرون العالم والمجتمع الدولي أن هناك تعادل بين الجلاد والضحية"، على حد قوله.
وأشار أبو علي في حديث لـ"عربي21" إلى أن
"الوضع في سوريا أكبر من دي ميستورا"، لافتا إلى أن "سوريا تعرضت لعدة
هجمات كيميائية من النظام في عهده، إلى جانب التعقيدات الأخرى على الأرض
السورية".
وبحسب رأي أبو علي، فإن منظمة الأمم المتحدة ليست
قوية وهي شكلية، لأنها مكونة من مندوبين عن الدول، ولا يمكننا القول إنها منظمة
مستقلة، مضيفا أن "من يتحكم فيها هم القوى الكبرى، من خلال المؤسسات الفرعية
التابعة لهذه المنظمة".
حرف المسار السياسي
ويتفق في ذلك الناشط والمحلل السياسي محمد الجمال، قائلا إن "دي ميستورا جاء لتنفيذ أجندة دولية، وقد أنجز مهمته بشكل مرضٍ تماما للعالم الغربي"، مؤكدا أنه "لا يتصرف لوحد، بل له مرجعية عند المجتمع الدولي والإرادة الدولية".
ورأى الجمال في حديث خاص لـ"عربي21" أن
"دي ميستورا استطاع أن يدير ما يسميه الأزمة السورية ببراعة، ساهمت في
استمرار اللانظام المجرم في التحكم بالشعب السوري وقتل الأطفال والنساء، ما يمكن
أن يعد دي ميستورا مع شريكا للجمع الدولي والنظام المجرم"، وفق وصفه.
وحول نجاحات المبعوث الأممي ، قال الجمال ساخرا إن
"دي ميستورا نجح في حرف المسار السياسي عن طبيعته التي تكون في حال الثورة
بين شعب ثائر وحكومة متغطرسة ديكتاتورية؛ إلى حوار بين فرقاء سياسيين لاقتسام البلد"،
مضيفا أنه "نال الرضا الدولي عن مسار العملية السياسية، وهذا يثبت أنه خدم
المشروع الدولي، ولم يقدم شيئا للثورة السورية".
وأكد أن "هذه المحاولات من دي ميستورا نجحت
بسبب تعاون بعض أطراف المنتسبين إلى المعارضة معه"، معتبرا أنه "نجح في
جعل النظام يفاوض نفسه، من خلال معارضة شكلية اختارها هو والنظام وروسيا مع إقصاء
كبير للمعارضة الفاعلة وجعل حصتها محدودة جدا وغير مؤثرة"، وفق رأيه.
النظام السوري يبدأ إزالة أحياء بأكملها شرق حلب ويمهل سكانها
فصيل وراء الاقتتال العنيف بين المعارضة بعفرين.. وهذه قصته
انقسام نيابي بالأردن بعد لقاء وفد برلماني الأسد في دمشق