نشرت مجلة "ناشونال إنترست" مقالا للكاتب بول بيلار، يقول فيه إن الفكرة البسيطة القائلة بأن أي عدو لعدوي هو صديقي هي تجاوز للحسابات لكيفية تصرف السعودية أو عدم دعمها لمصالح الولايات المتحدة.
ويبدأ الكاتب مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بالقول إن "الكليشيه التي وصفت سياسات الرئيس دونالد ترامب بـ(التعاقدية) تم تطبيقها قبل ذلك على العلاقات الأمريكية السعودية، وقد جمعت الشراكة بين أهم ديمقراطية في العالم واستبدادية تحكمها عائلة قروسيطية في قيمها، ومتحالفة داخليا مع أصوليين دينيين متعصبين، ولم تكن هناك قيم وأهداف مشتركة فيما ظلت المناظير ضعيفة".
ويؤكد بيلار أن "النفط هو العامل الذي لين العلاقة، وهو الذي كان في عقول القادة عندما بدأت العلاقة على بارجة حربية أمريكية قرب قناة السويس، حيث التقى فرانكلين روزفلت العائد في شباط/ فبراير 1945 من مؤتمر يالطة، مع الملك عبد العزيز بن سعود، مؤسس المملكة الحديثة، فمع نهاية الحرب العالمية الثانية كان المخططون العسكريون يفكرون في الحصول على منفذ إلى شبه الجزيرة العربية لنقل المصادر من المسرح الأطلسي إلى الباسيفيك عندما تتم هزيمة ألمانيا النازية، وفي مرحلة تالية وأثناء الحرب الباردة كان منع تقدم الاتحاد السوفييتي من التقدم نحو الشرق الأوسط هو العنصر الرئيسي في العلاقات مع السعودية".
ويستدرك الكاتب بأنه رغم غياب العلاقة المشتركة بين السعودية والغرب، إلا أن الشيوعية الملحدة شكلت العنصر الرئيسي الذي جمع الطرفين، ورغم تباين القيم والطبيعة التعاقدية بين الولايات المتحدة والسعودية، إلا أن الانفعالات بالإضافة إلى الاعتبارات الاستراتيجية كانت جزءا مهما في العلاقات منذ البداية، وبعدما عبر الملك، الذي كان يتحرك بصعوبة بسبب جرح قديم في رجله، عن إعجابه بكرسي روزفلت المتحرك، فإن الرئيس الأمريكي قام بمنحه واحدا من كرسيين أحضرهما معه في الرحلة، وانحرفت العلاقات بين البلدين على مدار العقود من الحسابات الاستراتيجية العنيدة إلى العلاقات الشخصية، ومع مرور الزمن أدت إلى تأصيل عادة التفكير في السعودية على أنها صديق وحليف، رغم غياب المعاهدة الأمنية بين البلدين، وعززت التحالف المعارضة المشتركة للأعداء، سواء الاتحاد السوفييتي الملحد أو إيران".
ويقول بيلار إن "تاكيد ترامب على تهديد إيران كان واحدا من الأولويات التي دفعته لمعاملة السعودية على أنها حليف، فالعدوانية التي أبرزتها واشنطن ضد طهران كانت واحدة من الموضوعات في السياسة الخارجية المليئة بالعيوب تجاه الشرق الأوسط، وكانت العلاقة أولوية في تشكيل سياسات الإدارة باتجاه الشرق الأوسط، وتبدو السعودية بارزة في الحملة العدوانية والإثارة؛ لأن إيران تعد العدو اللدود لدول الخليج".
ويجد الكاتب أنه "من هنا فقد هيمنت فكرة (عدو عدوي صديقي) على كل حساب هادئ بشأن السلوك السعودي وما تفعله وعدم دعمها للمصالح الأمريكية، ويأمل البيت الأبيض على ما يبدو أن يميل على النظام السعودي ليضغط على الفلسطينيين للقبول بخطة سلام تجردهم من دولة ذات سيادة تستحق الاسم".
ويشير بيلار إلى أن "هناك أساسا للأمل بأن مصالح الفلسطينيين لا تقع في رأس اهتمامات الحاكم الفعلي للسعودية، ولي العهد محمد بن سلمان، مع أن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وحق تقرير المصير لا يزالان يحدثان صداهما بين إخوان الفلسطينيين العرب في السعودية، وكان الموضوع واحدا من القضايا التي تدخل فيها الملك سلمان، رغم تدهور صحته بوضع ثقله ضد ابنه، وأكد الخط الرسمي السعودي، وهو دعم المبادرة العربية التي تقدم بها سلفه الملك عبدالله، التي تدعو إلى حل الدولتين على أساس حدود عام 1967".
ويلفت الكاتب إلى أن موقف إسرائيل من السعودية قد تغير على مدى السنوات؛ نظرا للدور الذي تؤديه الحكومة الإسرائيلية في السياسة الأمريكية، فقد نظرت إسرائيل للسعودية على أنها واحدة من أعدائها العرب، وعارض ابن سعود في لقائه مع روزفلت أي دولة يهودية على الأراضي المأهولة بالعرب، مشيرا إلى الجدل في عام 1981 عندما أرادت السعودية شراء نظام "أواكس"، الذي كان يعد أكبر صفقة في التاريخ الأمريكي، وعارضت حكومة مناحيم بيغن في إسرائيل هذه الصفقة، واقتضت المصادقة على الصفقة في الكونغرس دفعة من إدارة ريغان، حيث قال الرئيس: "ليس من شغل الدول الأخرى التدخل في السياسة الخارجية الأمريكية".
ويرصد بيلار ثلاثة تغيرات في العلاقة بين الأمس واليوم:
الأمر الأول: هو الإطاحة بصدام حسين في العراق، حيث أصبحت إيران العدو الرئيس لإسرائيل، وفي هذه الحالة انطبقت قاعدة عدو عدوي صديقي على إسرائيل والسعودية، كما انطبقت في مكان آخر.
الأمر الثاني: زيادة التعاون الأمني بين السعودية وإسرائيل في السنوات الأخيرة، خاصة بعد وصول محمد بن سلمان للسلطة في الرياض، وهذا كله رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والسعودية، وهذا مهم لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يناسب حماسه في العداء لإيران، بل أيضا أن حل القضية الفلسطينية لا يعد معوقا لبناء علاقات مثمرة مع الدول العربية.
الأمر الثالث: الجهد الذي تمارسه إدارة ترامب لإجبار الفلسطينيين على القبول بتسوية وترتيبات تترك إسرائيل مسيطرة على الأرض الواقعة بين النهر والبحر.
ويرى الكاتب أن البعد الإسرائيلي يؤدي دورا في تشكيل العلاقة الأمريكية السعودية، إلا أن العلاقات الشخصية أدت دورا في بناء العلاقات، لافتا إلى أن السعوديين استخدموا ماركتهم الخاصة في التودد الغالي الثمن مع عدد من القادة الأجانب، لكنهم ندموا على هذا في فترة ترامب، وكان هذا واضحا بشكل كامل في أثناء زيارته العام الماضي، وهناك تعاملات ترامب المالية، التي حاول التقليل من أهميتها، إلا أن السعوديين أدوا دورا فيها، فكانوا مثلا من أكبر المنفقين للمال كجزء من شركات اللوبي في واشنطن، وحجز غرف في فندقه في بنسلفانيا أفينو.
وينوه بيلار إلى أن "العلاقة الشخصية بين (أم بي أس) وجارد كوشنر، صهر الرئيس، لها أهمية خاصة، ومع أن ابن سعود ورزوفلت كانا كبيرين في العمر، تشاركا في مشكلات عدم القدرة على المشي، أما ابن سلمان وكوشنر فهما في الثلاثينيات من العمر، ويتميزان بعدم الخبرة، وورثا السلطة، وبفضل رب العائلة وعلاقة صداقة حقيقية، وكان كوشنر شخصية رئيسية أثرت على قرار ترامب جعل السعودية محطته الأولى في أول جولة خارجية له، ولا يبدو أن كوشنر سيفقد دعم الرئيس وموقعه بصفته ضامنا لابن سلمان وتأثره بالسياسة الأمريكية وتغيراتها".
ويقول الكاتب إن "مقتل الصحافي السعودي في القنصلية السعودية في اسطنبول والناقد للنظام جمال خاشقجي أدى إلى تعقيد الخطط ونوايا كل من الرياض وواشنطن، وكانت الجريمة صادمة، وقادت عددا من المراقبين النظر عن قرب للكشف عن الأمور التي تم تجاوزها وهو سلوك النظام، ونظروا إلى مقتل خاشقجي، رغم بشاعته، على أنه جزء من أشكال عدة للنظام، وتضم عدم التسامح مع المعارضة، والاضطهاد للمعارضين، وفي الخارج تشمل تصرفات النظام تهورا مدمرا مثل حرب (أم بي أس) في اليمن، وقد تدمرت صورة ولي العهد التي تم نشرها في الغرب على أنه مصلح".
ويفيد بيلار بأن "العملية ضد خاشقجي كشفت اعتقاد النظام بأنه سيفلت من العقاب، فعلاقات المملكة مع الولايات المتحدة أعطتها حسا بأنها تستطيع الإفلات من العقاب في أمور عدة، فالرد على الدور السعودي في نشر التطرف، الذي قاد 19 شخصا، منهم 15 سعوديا، للمشاركة في هجمات أيلول/ سبتبمر 2001، ظل مرتبطا بأهمية الحفاظ على العلاقة دون أي توتر".
ويقول الكاتب إن "السعوديين رغم ما حدث من جدل يعتقدون أنه يمكنهم الإفلات من الكثير، فالتغير المستمر في الرواية حول ما حدث لخاشقجي لم يكن يهدف لخداع الناس بقدر ما كان محاولة لحماية ولي العهد من المسؤولية، ووجد النظام راحة من الطريقة التي بدت فيها إدارة ترامب تمضي مع هذه الرواية، بدءا من اقتراح الرئيس ترامب أنها من تنفيذ مجموعات مارقة، ولو بدأت الإدارة تظهر ترددا فإن السعودية لديها قوة ضغط تستخدمها لدفع الإدارة تغيير موقفها، وهناك 28 شركة علاقات عامة مسجلة تحت القانون الأمريكي ممثلة للمصالح السعودية، بالإضافة إلى العلاقات المالية مع عدد من مراكز البحث والصناعة بشكل يكبر من تأثير السعودية في واشنطن، ويحظى النظام السعودي بدعم من اللوبي الإسرائيلي في أمريكا والذي يدعم في قضايا السعودية، ويعمل كلوبي مؤيد لها".
ويعتقد بيلار أن "الإدارة لن تغير من موقفها؛ لأنها جعلت من معاداة إيران مركزا لسياساتها في الشرق الأوسط، بل هي مكرسة أكثر من أي إدارة سابقة، وتريد تجنب أي ضرر للعلاقات الأمريكية السعودية، وستظل الإدارة تتحدث عن صفقات السلاح والنفط ومكافحة الإرهاب ومواجهة إيران بصفتها مبررا لهذه السياسة".
ويرى الكاتب أن "هذا الكلام يخفي وراءه حقيقة من يحتاج للآخر، واعتماد السعودية في امنها واقتصادها على الولايات المتحدة أكثر من اعتماد الأخيرة على السعوديين، ويعتمد برنامج ولي العهد الاقتصادي على الخبرات والإدارة الأمريكية، وحمى الجيش الأمريكي السعودية وأراضيها، خاصة عندما اجتاح صدام الكويت في الفترة ما بين 1990 – 1991، فيما لم تقدم السعودية حماية للأراضي الأمريكية، وسيجد الجيش السعودي صعوبة في التدريب بعيدا عن التزامات أمريكا للرياض- العقيدة القتالية والتدريب وخطوط الإمداد".
ويجد بيلار أن "تكرار ترامب الحديث عن صفقات سلاح بـ110 مليارات دولار مضللا من ناحية الحقيقة، وحديثه عن فرص العمل التي ستوفرها للأمريكيين لا يعكس الواقع الحقيقي، وكل ما يتحدث عنه ترامب ليس الصفقات الحقيقية، بل اتفاقيات نوايا، وعبر السعوديون عنها في أثناء فترة باراك أوباما، ولو حدثت الصفقات فإن عملية التجميع للسلاح ستتم في الخارج، ومعظم فرص العمل تذهب إلى السعوديين لا الأمريكيين".
ويرى الكاتب أن "معظم البيانات المشتركة عن صفقات السلاح حدثت كلها في عهد أوباما بصفة ذلك تنازلا من إدارته لطمأنة السعوديين بأن الاتفاقية النووية مع إيران لن تؤثر عليهم، وما لا يتم الحديث عنه هو ما سيفعله السعوديون بعيدا عن المعاملة الأمريكية الخاصة".
ويشير بيلار إلى أن "أهمية السعودية بصفتها مصدرا للنفط ليست مهمة، كما في الماضي للولايات المتحدة مع تراجع الاستيراد بسبب ثورة النفط الصخري، وبالنسبة لمكافحة الإرهاب فلم تتحرك السعودية ضده إلا عندما ضرب الإسلاميون الرياض عام 2003، واستهدفوا المتعهدين الأمريكيين، حيث أصبحت المملكة جزءا من الحل لا المشكلة، وحتى اليوم فإن أي إرهابي تريد الولايات المتحدة من السعودية ملاحقته هو في النهاية ما يريد السعوديون سحقه، أما بالنسبة لإيران فإن السعودية لا الولايات المتحدة التي تواجه منافسا محليا في الخليج العربي، وقد حدث تقارب بين طهران والرياض في العقود التي أعقبت الثورة الإسلامية في إيران، وكانت هذه في صالح جميع الأطراف والسلام والاستقرار في المنطقة، إلا أن تقاربا جديدا لن يحدث، وليس عندما شبه (أم بي أس) المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله خامنئي بهتلر، وحديثه عن نقل المعركة إلى داخل إيران، ولم تجر حكومتا السعودية وإسرائيل لمعركة مع إيران، بل هما من تقومان بجر الآخرين".
ويعتقد الكاتب أن "علاقة منطقية مع السعودية ستكون تعاقدية لو تم تجريدها من العلاقات الشخصية، والحزمة التاريخية، والعادات القديمة لتقسيم المنطقة لأخيار وأشرار، وهذه العلاقة ستسهم في معركة الولايات المتحدة بأن التدخل في خلافات المنطقة المحلية لا يخدم المصلحة الأمريكية، وهي علاقة سترى في العلاقة الامريكية- السعودية مهمة، لكنها لا تتعامى على العدوان والتجاوزات، ويجب أن تكون علاقة دبلوماسية طبيعية بكل ما تحمله من ملامح، مثل منصب السفير في الرياض، والمنطق الامريكي لمواجهة إيران مفهوم بسبب أن دولة تؤدي دورا خبيثا في المنطقة، لكن السعودية تقربت من الجماعات الإرهابية في سوريا، وأرسلت دباباتها عبر الجسر البحري مع البحرين لقمع انتفاضة سلمية، وفي ظل (أم بي أس) شنت حربا مدمرة في اليمن، واختطفت رئيس وزراء لبنان، وقامت باختطافات واغتيالات سياسية، وتكون السياسة الأمريكية غير صحيحة عندما تقوم باسم مواجهة سلوك يؤثر على الاستقرار تقوم بالتعامي عن تصرفات طرف سلوكه مؤثر على الاستقرار مثل الدولة التي تواجهها".
ويرى بيلار أن "مقتل خاشقجي يجب أن يكون مناسبة لاتخاذ خطوات كان يجب اتخاذها في السابق؛ ردا على الحرب الكارثية في اليمن، وقطع الدعم كله للحرب فيه، وقد تكون خطوة وإن كانت متأخرة بأن أي تصرف مقارنة مع مقتل خاشقجي لا يمكن التسامح معه، ولن تقوم إدارة ترامب للأسباب أعلاه باتخاذ خطوات لتصحيح سياستها، فالخط السياسي الحالي ربما منح السعوديين الضوء الأخضر للقيام بمزيد من السلوكيات السيئة، والتسبب بمواجهة أمريكية إيرانية لحرف النظر عما تبقى من قضية خاشقجي، وتعطي أمريكا رسائل للمتفجرين في العالم أنه يمكنهم عمل ما يريدون، وتقدم المصالح العسكرية وصفقات السلاح على حقوق الإنسان في السعودية وغيرها".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "الولايات المتحدة وضعت الكثير من البيض في سلة ابن سلمان بحيث تنكسر، فالأمير الجريء المتهور في لعبة السلطة، الذي تخلى عن نصف قرن من الإجماع داخل العائلة المالكة قد يهز المملكة بتداعيات خطيرة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)