نشر موقع "ديلي بيست" تقريرا للصحافي فلوريان العبدي من جمهورية أفريقيا الوسطى، يصف فيه وصول الدبلوماسي الروسي فاليري زاخاروف إلى الصحراء، على متن طائرة صغيرة ليجتمع بالثوار، حيث دعاه أحد أمراء الحرب لجولة في الحديقة الوطنية ليستمتع بمناظر الصخور بعد أن قتل اللصوص من الثوار الفيلة.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن زاخاروف دبلوماسي مخضرم في الخمسينيات من عمره، وله خبرة جيدة في حل النزاعات خلال الحروب الروسية المتوحشة في الشيشان، لافتا إلى أنه يحاول الآن إقناع الثوار بالتفاوض لأجل إحلال السلام فيما سيعد إنجازا مهما يرمز إلى سيطرة الروس دبلوماسيا على هذه المستعمرة الفرنسية السابقة.
ويستدرك العبدي بأن "فاليري زاخاروف أكثر من مجرد مبعوث من وزارة الخارجية الروسية، فقد تم تعيينه مستشارا للأمن القومي لدى رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، ويبدو كأنه حاكم لبلد في وسط قارة تعاني من صراعات كثيرة وذات ثروة معدنية غير مستغلة، وحيث سياسة أمريكا حائرة ومتناقضة".
ويلفت الموقع إلى أن من التهم الموجهة لموسكو الصفقات الفاسدة لتجارة الماس إلى نشر المرتزقة الروس لقتل الصحافيين الذين يذهبون هناك لإجراء التحقيقات الصحافية فيما يفعلون، مشيرا إلى قول زاخاروف إن تلك مجرد شائعات، ويضيف أن استراتيجية الكرملين حميدة.
ويؤكد التقرير أنها علاقة معقدة يؤدي فيها زاخاروف دورا أساسيا، وتحاول روسيا من خلالها نشر نفوذها بحسب الخطوط القديمة للاتحاد السوفييتي، مشيرا إلى أن موسكو أرسلت منذ العام الماضي السلاح ومئات الجنود والمستشارين والمرتزقة، حيث يزعم أن ذلك مقابل عقود مربحة لاستغلال المصادر الطبيعية.
ويذكر الكاتب أن الغرب تنبه مؤخرا إلى ما تقوم به روسيا، وأعرب عن قلقه من ذلك، وقامت فرنسا بزيادة دعمها لجمهورية أفريقيا الوسطى مؤخرا كرد فعل مباشر لتحركات موسكو، لافتا إلى أن الصفقات المشبوهة التي يقوم بها الكرملين في إحدى أفقر دول العالم أثارت الاستياء عندما أعلن بنك الدولة الروسي VTB بأنه أقرض جمهورية أفريقيا الوسطى 12 مليار دولار، لكنه عاد بعد ذلك وسحب التصريح قائلا إن هناك خطأ في الرقم.
وأنكر زاخاروف في مقابلة مع "ديلي بيست" أن يكون هناك احتلال روسي، إلا أنه قال إن "روسيا تعيد بناء علاقات مع أصدقاء قدماء".
ويفيد التقرير بأن الحرب الكلامية بين روسيا ودولة الاحتلال السابقة فرنسا تستمر، بالإضافة إلى أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون قال إن "روسيا تسعى لبسط نفوذها في المنطقة من خلال صفقات اقتصادية فاسدة.. دون إعارة اهتمام لحكم القانون أو الحكم الشفاف المسؤول، وتستمر في بيع الأسلحة والطاقة مقابل الأصوات في الأمم المتحدة – أصوات تبقي الرجال الأقوياء في السلطة، وتقوض السلام والأمن، وتسير بعكس المصالح الأفضل للشعوب الأفريقية، بالإضافة إلى أن روسيا تستمر في استخراج ثروة المنطقة الطبيعية لصالحها".
ويقول العبدي إنه "من الصعب ألا يلاحظ الشخص وجود الروس على شوارع بانغي المكتظة، ففي المطار كان هناك ثلاثة رجال روس يصطفون على الجوازات، ويحملون حقائب عسكرية على أكتافهم، وسيارة الأجرة الخارجة تحمل أعلاما روسية، ويقول سائق سيارة الأجرة أشين: (الروس في كل مكان في بانغي، إننا نحب روسيا، إنهم يدربون FACA (الجيش الوطني) ويساعدوننا على استعادة بلدنا)".
ويذكر الموقع أن حربا أهلية طاحنة تدور في البلد منذ عام 2013، حيث قام الثوار المسلمون، الذين يطلق عليهم اسم "سيليكا/ يعني التحالف"، بالهجوم على العاصمة بانغي، وأطاحوا بالرئيس فرانسوا بوزيزي، وردا على ثوار "سيليكا" قام المسيحيون بتشكيل ما يسمى "أنتي –بالاكا"، وبدأوا عملية تطهير عرقي للأقلية المسلمة، وحل السيليكا تنظيمهم، وسلموا العاصمة لحكومة معترف بها دوليا.
ويشير التقرير إلى أنه لا يزال 80% من البلد تحكمه 14 مليشيا مختلفة تابعة لـ"أنتي بالاكا" ومقاتلين سابقين مع "سيليكا" يتحاربون للسيطرة على الموارد.
ويفيد الكاتب بأن رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى فوستين توديرا، أعرب عن خيبة أمله من قلة التزام فرنسا بمساعدة حكومته منذ أن سحبت جيشها من البلد عام 2016، مستدركا بأن الكثير من المراقبين استغربوا عندما قام توديرا العام الماضي بزيارة سوتشي لمقابلة وزير الخارجية الروسي سرجي لافروف، وكان توديرا يريد إعادة بناء جيشه، ورفع المنع عن بيع الأسلحة ليتفوق على مجموعات الثوار، فيما ذكر بيان صحافي من الكرملين أنه مقابل المساعدة فإن روسيا ستقوم "ببحث إمكانيات تطوير الموارد الطبيعية في وسط أفريقيا لتحقق المنفعة المشتركة".
ويلفت الموقع إلى أنه منذ ذلك الحين استقر زاخاروف، وأرسلت موسكو ما لا يقل عن 9 شحنات أسلحة إلى بانغي، وزادت حديثا عدد مستشاريها المدنيين إلى 255، بحسب زاخاروف، فيما هناك عدد غير معلن عن المدربين العسكريين، غير الخمسة المعترف بوجودهم أصلا، إلا أن هذا ليس كل شيء.
ويكشف التقرير عن أن هناك مجموعة "واغنر" المثيرة للجدل، وهي شركة تعاقد عسكرية خاصة، أدت دورا في أوكرانيا وفي سوريا، وهي نشيطة في جمهورية أفريقيا الوسطى، ويقف وراءها ييفيغني بريغوزين، وهو أحد أصدقاء بوتين، مشيرا إلى أن ثلاثة صحافيين روس ذهبوا إلى جمهورية أفريقيا الوسطى للتحقيق في دور المجموعة في الحرب، قتلوا هناك في ظروف غامضة.
وأنكر زاخاروف تماما في مقابلته مع "ديلي بيست" وجود متعاقدين عسكريين خاصين روس في جمهورية أفريقيا الوسطى، ووصف تلك الأخبار بأنها "مجرد إشاعات"، وقال عندما قابله الكاتب في Hotel Ledger Plaza في بانغي، الذي بناه الرئيس الليبي السابق معمر القذافي: "إن البعض يقول إن هناك 5000 سبتسانز (قوات روسية خاصة).. لكن لماذا تفعل روسيا ذلك؟ فهي هنا باتفاق مع مجلس الأمن، ليس إلا".
وينوه العبدي إلى أن زاخاروف حرص على أن يوضح أن دخول روسيا إلى أفريقيا ليس سوى استمرار لجهود الاتحاد السوفييتي السياسية في القارة، التي ماتت مع انهيار الدولة الشيوعية، فقال: "كانت روسيا في جمهورية أفريقيا الوسطى منذ عام 1964، لقد ساعدنا على بناء البنية التحتية لهذا البلد، فكان هناك مدرسون روس في المدارس، وأطباء روس في المستشفيات"، وصمت قليلا ثم قال مبتسما: "وقد عدنا الآن".
ويفيد الموقع بأن اتفاقيات كثيرة بين موسكو وبانغي تبقى سرية، ولذلك فإن عددا قليلا من الناس لديهم اطلاع على ما تحصل عليه روسيا مقابل الدعم السياسي والعسكري، بحسب لويسا لومبارد، مؤلفة كتاب: State of Rebellion: Violence and Intervention in the Central African Republic.، لكن الدعم الدبلوماسي علني.
وينقل التقرير عن لومبارد، قولها: "الدعم ضروري، خاصة أن حكومة جمهورية أفريقيا الوسطى تخسر الأصدقاء في المنطقة وخارجها".
ويذكر الكاتب أن زاخاروف يرفض الخوض في تفاصيل التسهيلات التي حصلت عليها روسيا في قطاع التنجيم، قائلا إنه لا يوجد اتفاقيات ثابتة حول التعامل مع الموارد، وأضاف زاخاروف: "لدينا خطط للاستثمار، لكن لا نستطيع القول، (نأخذ 30% من الكعكة إن ساعدناكم)، فالأمور لا تعمل بهذا الشكل".
وبحسب الموقع، فإنه بالنسبة للصحافيين المقتولين، فإن زاخاروف يصر على موقف الحكومة الروسية، بأن أولئك الصحافيين ماتوا في جريمة سطو عندما ضلوا الطريق، "ولم ينسقوا تحركاتهم مع أحد، لا السفارة ولا أي شخص آخر".
ويشير التقرير إلى أن العديد من المحققين المستقلين يعتقدون بأنه تم استدراجهم إلى كمين، بحسب تقرير سابق لـ"ديلي بيست"، وبحسب زعم المنفي الروسي الذي مول رحلتهم.
ويلفت العبدي إلى أن الحرب الكلامية تفاقمت بين روسيا وفرنسا، فقالت وزيرة القوات المسلحة الفرنسية فلورنس بارلي: "فرضت روسيا وجودها في جمهورية أفريقيا الوسطى في الأشهر الأخيرة، إنها حقيقة، لكني لست متأكدة من أن هذا الوجود والأفعال التي تقوم بها موسكو، مثل الاتفاقيات التي تم التفاوض عليها في الخرطوم، في نهاية آب/ أغسطس، سيساعدان على استقرار البلد"، وردت وزارة الدفاع الروسية بالقول إن هناك "شيئا من الغيرة" بين القوى الأجنبية حول دور موسكو في جمهورية أفريقيا الوسطى.
ويذكر الموقع أن الاتحاد الأوروبي أعلن في تشرين الأول/ أكتوبر عن أنه سيزيد من الدعم المقدم لجمهورية افريقيا الوسطى، فيما نظر إليه على أنه رد مباشر على الوجود المتزايد لروسيا، وأعلنت فرنسا الشهر الماضي عن شحنة من الأسلحة و24 مليون يورو مساعدات ثنائية.
ويورد التقرير نقلا عن دبلوماسي غربي في بانغي، قوله: "الروس أذكياء.. فمع انسحاب فرنسا في السنوات الأخيرة، رأى الروس فرصة لتحقيق مكاسب مادية واستغلوها، وموقع جمهورية أفريقيا الوسطى في قلب القارة يجعلها بوابة للشمال والجنوب والشرق والغرب على بقية القارة.. بالإضافة إلى أنهم يحبون إغضاب الفرنسيين".
ويؤكد الكاتب أن روسيا تعود للقارة الأفريقية بعد غياب عقود، فقد أطلق الكرملين حقبة جديدة من سياسة القوة في أفريقيا في وقت يتراجع فيه الدور الأمريكي فيها، فهذا العام فقط وقعت روسيا اتفاقيات بيع أسلحة لكل من جمهورية الكونغو الديمقراطية وأثيوبيا وغينيا وموزمبيق، ووقعت منذ عام 2015 اتفاقيات تعاون عسكري مع 19 دولة أفريقية، فيما تتفاوض روسيا حاليا مع إرتيريا حول إنشاء "مركز لوجستي" لتثبيت قدمها في القرن الأفريقي وعلى البحر الأحمر.
ويختم "ديلي بيست" تقريره بالإشارة إلى قول زاخاروف: "خلال زمن الاتحاد السوفييتي كنا موجودين في دول أفريقية مختلفة، والآن نحن فقط عدنا، ونحن نعيد بناء علاقاتنا مع أصدقاء قدماء، نحن لا نقوم بغزو أفريقيا".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
التايمز: 600 ألف جنيه مخصصات قديروف لقصره الجديد
واشنطن بوست: هل حيّا بوتين الزعماء بحماسه لابن سلمان؟
هؤلاء المثقفون يؤيدون حراك "السترات الصفراء" بفرنسا