يستطيع المبعوث الأممي إلى
اليمن، البريطاني مارتن غريفثيث، أن يشعر بالارتياح أخيراً، بعد صدور
قرار مجلس الأمن رقم (2451)، وهو القرار العاشر من نوعه الذي يصدر عن المجلس بشأن اليمن، في إغراق قل نظيره للأزمة والحرب في هذا البلد؛ بهذا الكم من القرارات التي لم تحقق أي تأثيرٍ على الأرض يمكن أن يقرب الناس من السلام والاستقرار والدولة التي أُخذت منهم عنوة بتأثير المال النفطي.
هذا الزخم الذي تعكسه قرارات مجلس الأمن بشأن اليمن؛ كان يعبر قبل سبع سنوات عن مستوى قل نظيره من الاهتمام باليمن من قبل المجتمع الدولي والدول الإقليمية، وكل له دوافعه. لكن في الوقت الذي كانت فيه
السعودية تهندس لاحتواء الثورة الناشئة في اليمن، كان الغرب يتعاطف بالفعل مع اليمنيين الذين خرجوا للمطالبة بالتغيير؛ لأنه كان يدرك أن اليمن يحتاج إلى مخرج من مأزقه الخانق الذي أوصله إليه الرئيس المخلوع، قبل أن تنجح الثورة المضادة في تعميم فكرة أن الثورات العربية ليست أكثر من حصان طروادة للإسلاميين للوصول إلى السلطة.
في الوقع، لم يكن اليمنيون بحاجة إلى القرار الجديد، طالما قد انحسر تأثيره ليتمحور حول قضية التهدئة في مدينة الحديدة وموانئها، والانسحاب العسكري لطرفي الصراع منها.
فقد وافق الطرفان بموجب اتفاق استكهولم على القبول
ببعثة المراقبين الأممين برئاسة الجنرال الهولندي باتريك كامييرت، وعلى إرادتهم يتوقف نجاح وقف إطلاق النار، وليس على القرار الدولي الذي سيجري تحييده كما جرى تحييد القرار رقم (2216)، والذي صدر تحت الفصل السابع ليمثل إجراء أممياً مفصلياً في مسيرة الأزمة والحرب في اليمن، بالنظر إلى نصه الصريح على إنهاء مظاهر الانقلاب.
لم يكن اليمنيون بحاجة إلى القرار الجديد، طالما قد انحسر تأثيره ليتمحور حول قضية التهدئة في مدينة الحديدة وموانئها، والانسحاب العسكري لطرفي الصراع منها
لكن لا يمكن تجاهل حقيقة أن هذا القرار، كما هو اتفاق استكهولم، يجران الشرعية والتحالف شيئاً فشيئاً إلى مربع مختلف من المواجهة العسكرية والسياسية؛ فتحول الحوثيون من طرف متمرد إلى طرف ند ومكافئ للسلطة الشرعية، من حيث المركز القانوني على أرضية الصراع.
واللافت، أن جميع الأطراف رحبت بهذا القرار، الذي جاء بلا مخالب ، بعد انتزعت منه أهم الفقرات التي كان من شأنها أن تحوله بالفعل إلى قرار تأسيسي ومفتتح لمسيرة جديدة للحل في اليمن، بغض النظر عن مآلات ذلك المسار الذي لن يشتمل بالتأكيد، على الفرص ذاتها التي أتاحها القرار الذي سبقه.
فقد تحرر التحالف العسكري السعودي الإماراتي من الفقرات التي كانت تدعو إلى إجراء تحقيق نزيه ومحايد وشفاف حول قضايا الانتهاكات التي تسببت بها أطراف الحرب. ونصٌ كهذا لم يكن يعني سوى هذا التحالف، على الرغم من كون مليشيا الحوثي طرفا رئيسا في جملة هذه الانتهكات الخطيرة التي ارتكبت في حق اليمنين، كما لم يدع القرار إلى وقف لإطلاق النار في اليمن.
جميع الأطراف رحبت بهذا القرار، الذي جاء بلا مخالب ، بعد انتزعت منه أهم الفقرات التي كان من شأنها أن تحوله بالفعل إلى قرار تأسيسي
ومعلوم أن هذه الفقرات أزيلت من بنود القرار بناء على اعتراض أمريكي، في الوقت الذي اعترضت فيه روسيا على تضمين اسم إيران بشكل صريح في هذا القرار باعتبارها الممول الأهم للحوثيين بالأسلحة، استناداً إلى أدلة وقرائن عديدة.
لقد حظي القرار (2451) بإجماع أعضاء مجلس الأمن، وأصبح نافذاً الآن، لكن ما قيمته، سوى أنه يضاف إلى تسعة قرارات أخرى، على الرغم من أهميتها إلا أنها لم تجد سبيلاً إلى التنفيذ، عدا في حالات نادرة، تتمثل في الأداء الذي يقوم به فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن، وإيقاع العقوبات في نحو أربعة من الانقلابيين، يتقدمهم عبد الملك الحوثي، وعلي عبد الله صالح الذي لقيه مصرعه على يد حلفائه
الحوثيين السابقين؟
لقد
وصل رئيس بعثة المراقبة الدولية وفريقه إلى عدن أمس السبت، ومنها إلى صنعاء، ومنها براً إلى الحديدة لمباشرة مهامه التي لن تكون سهلة بالتأكيد.
لم يتمكن اتفاق استكهولم بشأن الحديدة - على ما يبدو - من تقديم تصور واضح بشأن السلطة المحلية التي ستقوم بالإدارة المدنية والأمنية لمدينة الحديدة وموانئها
فالحكومة تحتفظ بتصورها الخاص لوضع الحديدة بعد الانسحاب العسكري، وكذلك الحوثيون، أما
السعودية فترى في القرار (2451) انتصاراً لدبلوماسيتها، ولمدى تأثيرها على القرارات التي يتخذها المجتمع الدولي.
لم يتمكن اتفاق استكهولم بشأن الحديدة - على ما يبدو - من تقديم تصور واضح بشأن السلطة المحلية التي ستقوم بالإدارة المدنية والأمنية لمدينة الحديدة وموانئها؛ لأنه إن كان يقصد تلك التي كانت تدير الحديدة عام 2014، فإنها لم تعد موجودة، فقد طرأ تحول جوهري جعل من السلطة الحالية في المدينة؛ تعبيرا واضحا عن النفوذ الكبير والهيمنة المطلقة للحوثيين، الذين يتحملون مسؤولية الخروقات الخطيرة لقرار وقف إطلاق النار في الحديدة منذ دخوله حيز التنفيذ فجر الثامن عشر من هذا الشهر، فيما تصر
الأمم المتحدة على اعتباره متماسكاً.
قالت الحكومة إنها لن تذهب إلى جولة المشاورات المقبلة إذا لم ينسحب الحوثيون بشكل كامل من الحديدة، ويتخلون عن فكرة أنهم من يدير الحديدة، ما يعني أن المحاولة الأممية للحسم، في ما يمكن اعتباره منطقة صراع منفصلة في غرب البلاد، وبمرجعية يمثلها اتفاق استكهولم المدعوم بأحدث قرارات مجلس الأمن، قد تواجه صعوبة تنتهي بها إلى الفشل.