مقالات مختارة

سورية أمام مقاربات عربية ودولية جديدة

1300x600

تبدو عجلة عودة سورية إلى الحلبة الدولية والعربية في تسارع واضح، ومفهوم أيضا، في ظل استعادة الحكومة السورية بدعم من حلفائها سيطرتها على أغلب أراضي البلاد وتغير موازين القوى على الأرض، وأيضا في ظل ارتفاع عبء الأزمة السورية على الإقليم وأوروبا والعالم، من أكثر من ناحية.

وفيما يبدو الجدل والاستقطاب متواصلا تجاه الأزمة السورية على المستوى العربي، شعبيا ورسميا، فإن خطوات سياسية وتصريحات رسمية عربية تتبلور على الأرض وتؤشر إلى أن العلاقة مع سورية مقبلة على تطورات بارزة، باتجاه استعادة موقعها ضمن المنظومة العربية الرسمية وفي الجامعة العربية وعلى صعيد عودة العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية مع محيطها العربي، وبما يتجاوز شروط ومحددات عربية رسمية سابقة.

الصراع مع إيران لا يغيب عن خلفية مشهد العودة العربية الرسمية إلى محاولات إنعاش العلاقات مع سورية، في محاولة لإبعاد هذا البلد عن التحالف مع إيران، أو على الأقل خفض مستوى هذا التحالف، إضافة إلى سد الطريق على تركيا كذلك، حيث التلويح هنا بـ”جزرة” دعم إعادة الإعمار في سورية، التي تقدر كلفتها بنحو مائتي مليار دولار، مقابل خفض مستوى التحالف مع إيران، وثمة معادلة يمكن للحكومة السورية الوصول إليها في هذا السياق، بحسب بعض التحليلات.


أما أوروبا والمجتمع الدولي فقد باتوا معنيين بمقاربات جديدة مع سورية بعد السنوات السبع من الأزمة، التي تمخضت اليوم عن حسم عسكري على الأرض لصالح الحكومة السورية، وتراجع فرص إزالة النظام السوري، فيما يدعم القناعة بالمقاربة الجديدة تواصل آثار أزمة تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا وما خلقه ذلك من تحديات داخلية حساسة، إضافة إلى تحدي انتشار الإرهاب والتطرف، الذي تم رعايته بالمرحلة الأولى من الأزمة السورية، إلى الحضن الأوروبي ومختلف أصقاع الأرض.


"الجزرة" الأوروبية هي هنا أيضا لن ستتمحور حول دعم عمليات إعادة إعمار ما دمرته الحرب في سورية وتغيير اللعبة السياسة من اشتراط زوال النظام السوري إلى القبول به دوليا، مقابل تسهيل وتشجيع عودة جزء كبير من اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ورفع العبء الكبير لهذه المشكلة عن الدول الاوروبية أساسا، وأيضا عن دول الإقليم الأكثر تضررا كأولوية ثانية.


صحيح أن التوقعات بأن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم لن تكون سريعة بأعداد كبيرة، بل وقد تحتاج سنوات نظرا لظروف أمنية وسياسية واقتصادية، لكن الثابت هنا أن ضخ الأموال ودعم عمليات إعادة البناء ستشجع بلا شك أعدادا أوسع من السوريين للعودة لبيوتهم ومناطقهم في النهاية.


بعد آخر يدفع لترجيح التسريع بعودة سورية للمجتمع الدولي بعد المقاطعة الطويلة والانشغال بالحرب الأهلية هو المتعلق بطمع دول وشركات عديدة بالعودة إلى سورية للاستفادة من عمليات إعادة الإعمار والعلاقات التجارية والاقتصادية مع هذا البلد.


وباستثناء بعض الملفات العالقة، تحديدا مع تركيا اليوم فيما يخص الشمال الشرقي السوري، والبعد الكردي فيها، وهي ملفات لا يستبعد حسمها وحلها بترتيبات وتوافقات سورية روسية تركية، فإن عجلة عودة سورية إلى الحلبة العربية والدولية تبدو ممهدة اليوم، وفي الطريق إلى ذلك، من المتوقع أن تلفظ العمليات العسكرية آخر أنفاسها قريبا.


ضمن هذا السيناريو التحليلي المرجح بقوة اليوم، ورغم تواصل صراخ الواجهات السورية المعارضة في الخارج التي تبكي تضحيات الشعب السوري في محاولتها لوقف الاندفاع الدولي والإقليمي لإسدال الستارة على هذه الأزمة، فلا شك أن دفن هذه الأزمة وعودة الاستقرار لسورية وتسهيل عودة اللاجئين، سيصب، أول ما يصب، في صالح الشعب السوري وملايينه اللاجئة والنازحة والذي دفع بكل أطيافه وتوجهاته، ثمنا غاليا من المعاناة والتشرد والدمار.

 

عن جريدة الغد الأردنية