أدى الدعم الأمريكي لـ "وحدات حماية الشعب" الكردي في سورية إلى نشوء فائض في القوة العسكرية سرعان ما أدى إلى فائض في الوعي القومي لدى حزب "الاتحاد الديمقراطي" وأجنحته العسكرية.
أخطاء كردية
وكان من نتيجة فائض الوعي هذا نشوء حالة من العمى السياسي، فلم تدرك القوى الكردية حقائق التاريخ والجغرافيا، ونسوا أو تناسوا أن الجغرافيا السياسية تفرض سطوتها في نهاية المطاف، وأن المصالح الأمريكية العليا ستتحطم ـ مهما طال الزمن ـ على الصخرة التركية بحكم الموقع الجغرافي الهام لها.
كما محت القوى الكردية من ذاكرتها، التاريخ القريب والبعيد، مرة مع الموقف الأمريكي من معركة عفرين مطلع العام الماضي، مرة مع الموقف الأمريكي المتخاذل من الهجوم العسكري العراقي ـ الإيراني على إقليم كردستان قبل عامين، ومرة عندما أدارت الولايات المتحدة عام 1975 ظهرها لمطالب الملا مصطفى البرزاني في حماية أكراد العراق عقب الاتفاقية الموقعة بين العراق وإيران التي عرفت باسم اتفاقية الجزائر.
اقرأ أيضا: نشطاء لـ"عربي21" الوحدات الكردية سلمت سجناء عفرين للنظام
لم يعِ الأكراد أن قضيتهم محكومة بالجغرافيا الميؤوس منها، وأن الدول الإقليمية الأربع التي يتوزعون فيها (تركيا، سورية، العراق، إيران) لا تسمح بقيام دولة كردية أو حكم ذاتي أقرب إلى الدولة، وما جرى في العراق لا يتكرر في مكان آخر لخصوصية التجربة العراقية.
أخطأ "حزب الاتحاد الديمقراطي" الذي يشكل القوة السياسية الكبرى للأكراد السوريين مرات عديدة: أولا حين رفض الانضواء تحت الثورة السورية ونيل حقوقه ضمن حقوق المواطنة الجامعة، وأخطأ ثانيا حين مارس عملية تغيير ديمغرافي بالقوة في مناطق ذات إرث عربي عميق، وثالثا حين أصر على إقامة فدرالية في بيئة محلية وإقليمية لا تسمحان بإقامتها.
لم تفهم القوى الكردية حقيقة المواقف الدولية من المشروع الكردي في سورية، وطبيعة التحالفات الإقليمية ـ الدولية القائمة وتداخلاتها، فلم يدركوا أن الروس سيتنازلون لتركيا عن عفرين، ولم يدركوا أيضا أن الولايات المتحدة لن تخوض معركة عسكرية وإن كانت جانبية مع تركيا لأجلهم.
اقرأ أيضا: بعد عفرين.. هل تلاشى حُلم أكراد سوريا بالحكم الذاتي؟
لقد ضربوا عرض الحائط الأبعاد الإقليمية ـ الدولية للصراع السوري بأشكاله المتنوعة، لدرجة أنهم لم يفهموا أن دورهم خاضع للحسابات الدولية، وأن الولايات المتحدة لن تسمح لهم بتحقيق مكاسب على الأرض تهدد المصالح الإقليمية.
شكل قرار ترامب سحب القوات الأمريكية من سورية صفعة قوية للأكراد، وكان القرار كافيا لدفعهم عنوة للانتقال من ميتافيزيقا السياسة إلى إمبريقيا السياسة.
مرحلة القوة الكردية قد دخلت في نهايتها وإن احتفظوا بأسلحتهم
اقرأ أيضا: هل أجّلت تركيا عمليتها العسكرية شرق الفرات؟
وفي جميع السيناريوهات المطروحة، سواء وصل النظام إلى الحدود مع تركيا أو قامت تركيا بشن عملية عسكرية، فإن الأكراد أمام مرحلة جديدة: خسارة في الأرض وخسارة في السياسة، وخسارة في الأيديولوجيا.
الانسحاب الأمريكي من سوريا.. محاولة للفهم