في نهاية كل عام، يتسابق الجميع في تجميع حصاد العام المنصرم ورفع شعارات تحمل أحلام العام المطل علينا، ولكن أحيانا يفوتنا تحليل ما حصدنا من ذلك العام حتى نرسم أحلامنا بناء على دروس مستفادة منه.
وقد امتلأ عام
2018 بالأحداث التي إذا بدأنا نحللها تحليلا منهجيا ستنتهي
2019، قبل أن ننتهي من تحليل تلك الأحداث. ولكن حتى لا تتوه الأحداث، وحتى تعم الفائدة، علينا على الأقل أن نحدد علامات ذلك العام المؤثرة في واقعنا العربي، وأن نربط تلك العلامات ببعضها لتضيء طريقنا لعام قادم.
فقد اتسم عام 2018 بعدة علامات مؤثرة إقليمية ودولية، وسنقصر حديثنا هنا على التطورات الإقليمية، فبينما يستمر الهجوم الهمجي على شعب اليمن منذ أكثر من ثلاثة سنوات، استيقظ العالم فجأة وكأن المأساة بدأت بالأمس، وبدأ يتحدث عن مأساة شعب تفوقت مأساته على مأساة الروهينجيا التي تجمدت عند الإيواء والاستهجان، ومثلها ستتجمد مأساة اليمن عند استقدام قوات دولية للفصل بين المتحاربين وإنقاذ ما بقي من الأطفال.
وفي الشمال من الجزيرة، تستعد القوات التركية لجولة جديدة ضد أكراد سوريا الذين تم تسليحهم وتدريبهم على أيدي القوات الأمريكية التي تستعد للانسحاب وترك الساحة السورية لتديرها تركيا وإيران وروسيا، ويتم ذلك بينما الإمارات والسعودية تستعدان لعودة علاقتهما بنظام الأسد؛ الذي مولوا الحرب ضده، وسيمولون إعادة بناء دولته، كما أمر الكفيل السياسي.
وما سعي أبناء زايد وأبناء سعود للامتثال لأوامر سيدهم بسداد فواتير بناء دولة الأسد؛ إلا ظنا منهم أن الجميع سيتناسى جريمة قتل خاشقجي التي زلزلت العالم وأظهرت الوجه الحقيقي لآل سعود. وعلى التوازي مع ذلك، يستمر ابن زايد وابن سلمان في مهزلة حصار قطر وتجويع السودان.
وإن كانت قطر قد نجحت في تحجيم أضرار ذلك الحصار ورفع قدراتها الذاتية وتوسيع علاقتها بدول أكثر عقلانية، مثل تركيا وإيران، فإن الفساد والحصار تشاركا في إفقار وإضاعة ثروات السودان التي تعد مخزون طعام العرب، مما أدى بالشعب أن يعاود الانتفاض على طريق
الربيع العربي الذي طالما حاكته طوال السنوات الثماني السابقة، ورجاؤه اليوم أن يتمكن أن ينهي عام 2018 كما أنهى شعب تونس عام 2010.
وما مرت به تونس في هذا العام هو ملخص لما عاشته منذ خلع ابن على، فوزير الداخلية الهارب، عميل الإمارات والدولة العميقة، شاهد حي على توازن القوى المختل الذي تعيشه تونس، وتعبير صادق عن التجهيز الشيطاني للانقضاض على مهد الربيع العربي وإفساد التجربة الديمقراطية.
وإن كانت قوى الشر قد فشلت حتى الأن في الانقلاب على الثورة في تونس، فإنها نجحت بتفوق في تثبيت أركان انقلابها الغاشم على أرض مصر، وقد تمكنت تلك القوى من الإطاحة بكل الدولة وتمليكها لمندوب الفساد "السيسي". وقد تجلى هذا الفساد ذلك العام في ثلاث وقائع واضحة، أولها التخلص من كل قوى المعارضة الناعمة التي تصورت أن السيسي جاء بمنظومة يمكن معارضتها، وأن التغيير ممكن أن يتحقق من داخل ذلك النظام.
وإن كان السيسي ليس في حاجه لتعديل دستوره الذي فرضه على مصر، فقد بدأت حملة لتعديل ذلك الدستور، للتخلص من المادة المحددة لفترة الرئاسة القصوى بدورتين، أو لتنصيبه وصيا على مصر مدى الحياة، لتصوير ذلك على أنها إرادة الشعب الذي يريد أن يستمر جلاده في الحكم ليُتم مشروعه الذي بدأه لإفقار الشعب وإهدار الثروات!
وكانت واقعة ظهور المخلوع مبارك خير ما أنهى السيسي به 2018، بعودة المخلوع وكأنه يدلي بشهادته عن ثورة 25 يناير 2011 لينهي حياته كما بدأها؛ بأكاذيب لا حصر لها، وما كان ظهوره إلا فقرة من فقرات تزييف التاريخ الذي تمارسه العصابة في كل مكان من المحيط إلى الخليج.
ولم يختلف الحال في ليبيا التي يديرها دحلان، المعروف بمندوب الموساد في قصر زايد، ولا في دول يبدو عليها الهدوء وشعوبها تغلي من الفساد الذي يعشش ربوعها، في العراق ولبنان والجزائر والمغرب، والتي ولا شك ستلحق بانتفاضة الأردن الذي شهد لأول مرة هتافات ضد الملك الذي ظل محصناً من غضب الشارع لعقود طويله، فكانت انتفاضة تمثل تغيرا كبيرا في حراك الشارع العربي.
ومع سعي سلطان عُمان للحصول على صكوك الغفران من ولي النعم نتنياهو، تبقى شعلة الأمل تزداد إضاءة وسط كل هذه الغيوم بالصمود المستمر والمتميز للشعب العربي الفلسطيني؛ الذي كلما تآمر عليه خونة العرب زاده ذلك صلابة في وجه ضربات الكيان الصهيوني، فيرد رعونته بالفشل على أرض غزة، وفي أروقة الأمم المتحدة بفشل مشروع شيطنة حماس، فيُسقط الائتلاف الحاكم للكيان ويضطر لانتخابات مبكرة.
وبينما إسرائيل تتحرك لانتخابات مبكرة احتراما لديمقراطيتها المبنية على الفصل العنصري، وهي ديمقراطية لا تسمح لها بالتحجج بما تسميه إرهابا لتعطيلها، بينما النظام العميل لها الكائن على الجبهة الجنوبية يمارس الإرهاب ويفرض الطوارئ، وكلاهما يحارب الشعب العربي أينما كان.
فإن كان ذلك هو حصاد 2018 الذي زُرع منذ عشرات السنين، فقد جاء وقت استبدال ذلك المحصول، ولكي ننجح في ذلك، فعلينا حرث الأرض واستبدال النبتات الفاسدة ببذور طيبة. ولقد حاولنا في السنوات الماضية أن نسلك العديد من الطرق - التي وبلا شك - ساعدتنا على الصمود، ولكن علينا الآن أن ننتقل لمرحلة أكثر تقدما لإسقاط تلك المنظومة، وهذه المرحلة تحتاج لأسلوب آخر.
هذه المرحلة تحتاج لكل الأيدي وكل الجهود، ولذا علينا أن نتكاتف، وأن ندرك ضرورة وحدة كل القوى الرافضة لتلك المنظومة والمؤمنة بضرورة إسقاطها، والمؤمنة بأن التغيير لن يأتي من داخلها.. وحدة كل القوى الرافضة لفكرة الانقلاب على الديمقراطية.
ولعلنا نستطلع 2019 بتلك الخطوة التي قد تنقلنا إلى الأمام وتحقق حلم استكمال الربيع العربي؛ الذي لن يتحقق إلا باتحاد قوى الثورة العربية وقوى الرفض العربية آخذين في الاعتبار أن المصير العربي واحد والطريق واحد.
نعم، الهدف واحد والطريق واحد والمصير واحد، فبلا شك جميعنا يهدف إلى دولة تحفظ كرامة الإنسان وتحقق له حرية الرأي والعدل والمساواة، وتحقق النهضة المرجوة والمستقبل المنشود.. قد يكون منا الليبرالي والإسلامي واليميني واليساري، ولكننا جميعا أصحاب ذلك الوطن ومسؤولون عن تدهور وضعه، ونتشارك حاضره، وسيتشارك أبناؤنا في مستقبله.