يعاني الكثير من
المصريين من استمرار بطش نظام الانقلاب بهم عبر ملاحقتهم في وظائفهم وأعمالهم
والاستيلاء على ممتلكاتهم، الأمر الذي اضطرهم للاختباء ليلا بأماكن مهجورة ومزارع
نائية خوفا من الملاحقة الأمنية.
"
عربي21"،
تحدثت إلى بعضهم، وقال المدرس الأربعيني (م): "كم هو قاس علينا ذلك الليل الذي
لا نعرف فيه مصيرنا إلا بعد أن ينتهي وتمر الليلة دون مداهمة أمنية أو اعتقال
صديق".
وأوضح أنه ينام ممسكا
بهاتفه المحمول، ومع أول رنة تحذير من زملائه بأن قوات أمن الانقلاب بالقرية يهب
واقفا متجها نحو الباب ليركب دراجته البخارية ويهرب بها من أي طريق فرعي خارج
القرية لإحدى مزارع الدواجن أو بيوت أحد أصدقائه.
وتابع: "أصعب ليلة
عشتها منذ الانقلاب عندما أُغلقت بوجهي سبل الهروب واختطف الأمن 4 من رافضي
الانقلاب من خيرة شباب القرية الساعة الثانية فجرا فاضطررت للاختباء بالمقابر حتى
أحاطت بي الكلاب تنبح، فخفت أن ألفت الانتباه فهربت من المقابر ثم عدت إليها متسلسلا"،
مشيرا إلى أنها كانت "أصعب تجربة بحياتي".
وعن مطارد آخر، يقول
أحد أصدقاء المهندس الخمسيني "ع"، إنه بعد ما لا يقل عن 10 مداهمات
أمنية لمنزل عائلته أسفرت عن اعتقال أخيه الطبيب لمرتين، واختطاف ابنه واثنين من
أبناء أخيه الأكبر، قرر مغادرة مكتبه وبيته وسيارته وزوجته، بل إنه لا يستطيع رؤية
ابنه المعتقل، ولا ابنه الأكبر الذي هرب للخارج طالبا اللجوء بإحدى دول
أوروبا".
وأضاف: "ليت الأمر لهذا الحد بل إن الأقسى على هذا الرجل أنه مريض
بالكبد والسكر والضغط؛ وعندما توفي شقيقه الأكبر إثر أزمة صحية بمقر عمله، لم
يستطع أن يودعه ولا أن يواريه التراب ولا أن يقف وسط الناس كي يتقبل فيه
العزاء".
وأكد أنه لا يعرف أحد مكان المهندس الذي يعد أحد قيادات جماعة الإخوان
المسلمين ولا كيف يعيش ويتكسب رزقه، مشيرا لمعاناة أخرى حيث أنه "ترك أما
مكلومة بجميع أبنائها وأحفادها؛ فمنهم الشهيد بفض رابعة، والمعتقلون، والمطارد،
الهارب للخارج، والذي وافته المنية".
ويحكي مطارد ثالث خوفا
من المداهمات الأمنية، الرجل الخمسيني"ط"، قائلا: "على مدار 5
سنوات، لم يهنأ لي نوم ليلا، ومع اعتقال 5 من أبناء عمومتي وأبنائهم صرت مسؤولا عن
عدة أسر غاب عنها عائلها، إلا أن الوضع الأمني ازداد سوءا فقررت مغادرة
بيتي".
وأضاف، "قمت باستئجار شقة بمنطقة شعبية وتركت زوجتي وأبنائي
وأحفادي لا أعرف من منهم مريض ولا من يحتاج لي، وتعرضت زوجتي لحالة نفسية سيئة،
وعشت حياة شاب أعزب وأنا مقبل على عقد الستينيات".
ويقول مطارد رابع وهو
التاجر "ف": "داهمت بيتي قوة أمنية كبيرة إثر وشاية قريب لي بعد
قيامي على بناء مسجد وضمه للأوقاف وافتتاحه رسميا الصيف الماضي، ولولا عناية الله
لكنت من المعتقلين الآن".
وأضاف: "جاءني اتصال بوجود مداهمة أمنية من زوار الفجر، فقررت
الخروج بسرعة وبعد حوالي 50 مترا من بيتي رأيتهم يتسلقون الباب الحديدي وآخرون
صعدوا لبلكونة الدور الثاني حيث توجد زوجتي وأبنائي الصغار".
وتابع: "أرعبوا
أبنائي وأهانوا زوجتي وحطموا المنزل وسرقوا ما سرقوا وغادروا لبيوت أخرى خطفوا
منها 3 أشخاص، فقررت منذ ذلك اليوم ألا أبيت ببيتي وأهرب طوال هذا الشتاء رغم أني
مريض كلى لأماكن لا يتخيلها أحد"، مؤكدا أن تجارته تقلصت ونشاطه أصبح محدودا
ولم يعد يتنقل بسيارته ولا يجلب بضائع بنفس الكميات.
وقال الصحفي
"م"، "أعاني منذ الانقلاب من ضغوط أمنية
وتهديد من مؤيدي الانقلاب بالإبلاغ عني والوشاية بي، حتى أن بعض البلطجية قاموا
بتحطيم واجهة بيتي واقتحموا أسواره لولا تدخل الجيران، كما أن ابني نجا من محاولة
اعتقال قبض فيها على 2 من زملائه".
وأضاف، "أرغمت
على مغادرة عملي الصحفي، ورفضت عروضا للعمل خوفا من أن يتم اعتقالي، وغادرت سكني
بالقاهرة وعدت إلى قريتي لتتزايد المخاوف الأمنية من الاقتحامات التي لا تنتهي
وأنام الليل وجهازي اللوحي بجاني حتى ألقيه من الشباك مع أي مداهمة".
وحكى عن إحدى ليالي
المطاردة الأمنية قائلا: "اتصل بي أحد الأصدقاء معلنا عن وجود قوة أمنية
بالقرية، خرجت مسرعا حاملا اللاب توب، وكل ما أملك من مال حتى لا يسرقونه، نزلت
الشارع ولا اعرف أين أذهب ولا إلى أين أفر وبقيت لمدة ساعتين هاربا في
الحقول".
وحول قصة مطارد لمعلم
متقاعد يدعى "أ"، يقول صديق له إنه تعرض لمداهمات عديدة بالمدرسة التي
كان يعمل بها، واعتقل 3 مرات منذ الانقلاب حتى قرر تسوية معاشه بعد إخلاء سبيله
مؤخرا، وترك وأبناؤه شقته بإحدى المدن الصناعية وعاد لقريته إلا أن المداهمات التي
هرب منها لاحقته من جديد.
ويعيش الشابان أبناء العمومة المهندس "ر"، والمحاسب
"م"، مطاردين منذ الانقلاب العسكري واعتُقل الأول بعد زواجه بأيام ليتم
إخلاء سبيله قبل 6 أشهر، لم يبت فيها ليلة واحدة مع زوجته حيث يهرب كل ليلة إلى
المزارع والحقول، وبينما نجح الثاني في الهروب من الاعتقال، إلا أنه يعيش مطاردا
يترك بيته وزوجته كل ليلة أيضا.
ويقول "ر":
"أسير بالشارع نهارا وأتلفت حولي وأتفحص وجوه من يقابلوني خوفا من أن يكون
أحدهم يتلصص علي".