انتظم بباريس يوم الخميس 24 يناير مؤتمر دولي بعنوان "فوضى ما بعد الربيع العربي: أيّ دور للمرتزقة والمقاتلين الأجانب؟" تحت إشراف مركز الدراسات العربية والتطوير بباريس وذلك في العاصمة الفرنسية وبحضور عدد من الخبراء والأكاديميين والصحفيين والحقوقيين العرب والأجانب.
بحث المؤتمر ظاهرة المرتزقة ودورها في انتقال الربيع العربي من مرحلته الأولى ذات الطابع السلمي إلى المرحلة الثانية منه والتي اتسمت بالفوضى وتوظيف المقاتلين الأجانب من طرف الأنظمة الدكتاتورية لقمع تحركات الشعوب. ناقش الحاضرون طبيعة هذه الجماعات المسلحة ودورها في خدمة الثورات المضادة وأنظمة القمع والاستبداد العربية التي تستثمر فيها، إضافة إلى الموقف القانوني الواجب اتخاذه تجاهها.
إقرأ أيضا: المقاتلون الأجانب وتدوير الفوضى
قدم المؤتمرون مداخلاتهم في ثلاث جلسات، كانت الأولى بعنوان "المرتزقة، القانون الدولي والثورات"، حيث بحث رئيس منظمة "إيفدي" الدولية القانوني عبد المجيد المراري ظاهرة المرتزقة في نظر القانون الدولي وخاصة دور محكمة الجنايات الدولية في التعامل مع ظاهرة المرتزقة والمقاتلين الأجانب، من جانب آخر وضح الأستاذ بجامعة السوربون الفرنسية محمد هنيد دور المرتزقة في خدمة قوى الثورات المضادة، وخاصة الدول التي اعتمدت على هذه الجماعات لإجهاض مطالب الشعوب في الحرية والكرامة. وأنهى الباحث في القانون الدولي ورئيس التحالف الدولي للدفاع عن الحقوق والحريات محمد الشامي هذه الجلسة بتوضيح عملية توظيف دول الخليج للمرتزقة وخاصة دور المرتزقة الذين وظفتهم الإمارات في اليمن في إطار عمليات التعذيب الممنهجة في السجون السرية والاغتيالات والاختفاء القسري ومختلف الانتهاكات الجسيمة المادية والمعنوية المرتكبة هناك.
وفي الجلسة الثانية بعنوان "دراسة حالة: سوريا، ليبيا، اليمن والسودان"، قدم السياسي والمعارض التاريخي للنظام في سوريا جورج صبرا مداخلة حول الشركات الأمنية في سورية ودور شركة "فاغنر"، خاصة في المشاركة في قمع الثورة وفي حماية النظام والتغطية على عمليات الجيش الروسي.
وعرض الصحفي السوداني وعضو نادي الصحفيين السودانيين بفرنسا فتح الرحمن يوسف سيد أحمد إلى الموقف الشعبي السوداني حول التدخل في اليمن وخاصة القوات السودانية المقاتلة في اليمن.
إقرأ أيضا: نيويورك تايمز: أطفال سودانيون يقاتلون لصالح السعودية باليمن
وفي الجلسة الثالثة، بحث المتدخلون العلاقة بين المرتزقة والفوضى والإرهاب، وهم رئيس مركز الاستشراف والأمن في أوروبا والأستاذ المشارك بجامعة باريس الجنوبية إيمانويل ديبوي، الذي بحث في مداخلته المقاربة الأنجع من أجل مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الافريقي. أما المستشارة والباحثة المختصة في الشأن الليبي ماري فيستسجيرالد فقد تحدثت عن دور المقاتلين غير النظاميين في ليبيا سنة 2011 وما بعدها، وقد وضحت كيف استعمل النظام الليبي منذ الثورة مع العقيد القذافي المقاتلين الأجانب من تشاد ومن غيرها من الدول من أجل وقف المدّ الثوري في ليبيا كما أوضحت دور المداخلة في شحن المقاتلين عقديا من أجل التشريع لسلطة الجنرال الانقلابي حفتر في ليبيا. كما ذكّرت بالدور الخطير الذي لعبته هذه الجماعات في الانتهاكات الكبيرة التي وقعت في ليبيا خلال الثورة وبعدها خاصة في المنطقة الشرقية.
إقرأ أيضا: يا أعداء الثورات: انتظروا القادم!
وحضر المؤتمر، الذي غطت أشغاله وسائل إعلام عربية ودولية عدد من الباحثين والطلبة والمهتمين بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث طرحوا أسئلتهم على المتدخلين فيما يتعلق بموضوع المرتزقة والمقاتلين الأجانب في المنطقة.
كان المؤتمر فرصة لتناول موضوع مسكوت عنه عربيا ودوليا رغم أهميته الكبيرة ومسؤوليته المباشرة في زعزعة الأمن والاستقرار عربيا وإقليميا. فقد ركّز الإعلام العربي والدولي على ظاهرة الجهاديين وشبكات التسفير إلى بؤر التوتر لكنه يغض الطرف عن ظاهرة المرتزقة والمقاتلين الأجانب التي صارت تؤرق المجتمعات العربية وتهدد مجتمعات بأسرها مثلما هو الحال في اليمن وفي سوريا والعراق وليبيا خاصة كما أكد ذلك أغلب المتدخلين خلال المؤتمر.
من جهة أخرى أجمع الحاضرون على تهاون المجتمع الدولي وآلياته القانونية في تعقب الظاهرة وفي فرض أدوات قانونية قادرة على ردع الشبكات الدولية التي تعتمد على استقطاب المرتزقة ونشرهم في مناطق النزاع. كما نص المتدخلون على الآثار النفسية والاجتماعية المترتبة عن عودة المرتزقة إلى بلدانهم وما يخلقه ذلك من بذور للفوضى والاقتتال الذي لا ينتهي.
في الختام نبه المشاركون إلى ضرورة الوعي بخطورة "خصخصة النزاعات والحروب" التي تعتمد عليها الدول الغنية في تجاوز واضح للقانون الدولي والأعراف الأممية. وهو توجّه يؤشر على مرحلة جديدة من النزاعات التي لا تترك آثارا تسمح بتتبع الجرائم المرتكبة نظرا لطبيعة الهويات المزورة التي يعتمدها المرتزقة ومشغلوهم خاصة شركة "بلاك ووتر" سيئة السمعة وشركة "فاغنر" الروسية.
وأكدوا أن استعمال المرتزقة الأوغنديين والكلومبيين والنيباليين والأفارقة من قبل الدول الخليجية في مناطق النزاع العربية من شأنه أن يترك آثارا سلبية عميقة على الدول والمجتمعات التي عملوا بها كما سيترك آثارا نفسية خطيرة على المرتزقة أنفسهم عند العودة إلى بلدانهم.