لا تزال المملكة العربية السعودية تجد فسحة مريحة في التعاطي مع الوضع المضطرب في محافظة المهرة، الواقعة إلى الشرق من اليمن، والمتاخمة لسلطنة عمان.
فالرياض مطمئنة على ما يبدو بأن السلطة الشرعية التي تقيم لديها لن تذهب إلى الأمم المتحدة بشكوى تتعلق بانتهاك السيادة في المحافظة الثانية في البلاد من حيث المساحة، إذ تصل إلى نحو 70 ألف كيلومتر مربع، كما فعلت أوائل العام الماضي على خلفية الإنزال العسكري الإماراتي في كبرى جزر أرخبيل سقطرى؛ رداً على زيارة رئيس الوزراء اليمني السابق للأرخبيل.
لكن الاطمئنان إلى التغطية التي توفرها السلطة الشرعية لمجمل الممارسات المستفزة التي تقوم بها القوات السعودية في المهرة، لن يستمر في تقديري.
السعودية دشنت عهداً جديداً من التعاطي مع الجغرافيا اليمنية على قاعدة الاستحواذ؛ استناداً إلى القوة العسكرية واستغلالاً لهشاشة الدولة وضعفها
فثمة متغيرات تُرشح أكثر محافظات البلاد هدوءا لأن تتحول إلى جبهة مفتوحة للصراع مع الجارة السعودية، التي دشنت عهداً جديداً من التعاطي مع الجغرافيا اليمنية على
قاعدة الاستحواذ؛ استناداً إلى القوة العسكرية واستغلالاً لهشاشة الدولة وضعفها.
لقد أطلق وكيل محافظة المهرة السابق، علي سالم الحريزي، وهو ضابط كبير في الجيش اليمني وقائد سياسي محنك، تحذيراً، على السعودية أن تأخذه على محمل الجد، حيث دعا أبناء المهرة إلى الاستعداد لخيار العمل المسلح إذا لم تتجاوب الرياض مع مطالب أبناء المحافظة؛ التي تقضي بانسحاب القوات السعودية من محافظتهم.
فالرجل لا يمارس سياسات شعبوية، ولا ينفذ أجندات، بل يَصدرُ عن هموم محافظته المقهورة التي وجد أبناؤها أنفسهم مرة واحدة فاقدين للحرية في حركتهم وسكناتهم، وفي التعبير عن مواقفهم، وفي إبقاء المحافظة خارج دائرة العنف والاحتراب التي تعصف بالبلاد.
عمد تحالف الرياض- أبو ظبي إلى تحييد الوظيفة اللوجستية للمحافظة، والتي كان يفترض أن تتحول إلى بوابة حقيقية لليمنيين مع العالم الخارجي، ونافذة تجارية نشطة يمكن أن تخفف من أعباء الحصار المفروض على البلد، حيث بقي مطار الغيضة الدولي مغلقا حتى الآن، وبقي ميناء نشطون أقل الموانئ اليمنية نشاطاً.
كان يفترض أن تتحول إلى بوابة حقيقية لليمنيين مع العالم الخارجي، ونافذة تجارية نشطة يمكن أن تخفف من أعباء الحصار المفروض على البلد
حاولت الإمارات منذ بداية الحرب، إنشاء حزام أمني في المهرة، على منوال الأحزمة والنخب المناطقية التي أنشأتها في بقية المحافظات الجنوبية للبلاد، ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً. وبالمثل، حاولت السعودية إنشاء مركز للنشاط السلفي في مدينة قشن، وقوبلت الخطوة برفض من الأهالي، وفشلت الفكرة.
عكس موقف أبناء المهرة من المخططات المشبوهة للإمارات والسعودية نضجاً ووعياً سياسياً استثنائياً، فلقد أبقوا المحافظة جزءا من الأجندة اليمنية بما تعنيه من دولة اتحادية متعددة الأقاليم، وانتظموا بكل إخلاص تحت مظلة الشرعية، وعملوا ما بوسعهم لإجهاض المخططات التي تريد أن تُخرج المحافظة من سياقها الوطني.
لم يغلق أبناء المهرة باب الحوار مع السعودية، ولم تكن القطيعة مع السعودية من بين أهداف حراك المهرة الواسع والمستمر منذ أكثر من عام، بل دعا أبناء المحافظة مراراً وتكراراً إلى شراكة جوار حقيقية مع السعودية؛ تقوم على احترام السيادة والخيارات الوطنية لليمنيين.
موقف أبناء المهرة يتسق مع مواقف اليمنيين جميعاً، والذين يتطلعون إلى علاقة شراكة حقيقية مع السعودية، تأخذ بالحسبان المصالح المشتركة، واحترام السيادة.
السعودية يبدو أنها ماضية في طريق الاستحواذ على المهرة وتنفيذ مشروع قديم لتصدير النفط عبر موانئها على بحر العرب، لتجنب التحديات التي تعترضها في مضيق هرمز
لكن السعودية يبدو أنها ماضية في طريق الاستحواذ على المهرة وتنفيذ مشروع قديم لتصدير النفط عبر موانئها على بحر العرب، لتجنب التحديات التي تعترضها في مضيق هرمز، وهو مشروع كان يمكن أن ينجز على قاعدة الفوائد المتبادلة وليس عبر الاستحواذ.
إن أخطر ما تسعى السعودية إلى تحقيقه عبر الاستحواذ العلني على المهرة؛ هو قطع التواصل الجغرافي بين اليمن وسلطنة عمان، وهو أمر إن تحقق فسوف يشكل خطراً جيوسياسياً على كل من اليمن وسلطنة عمان؛ لأنه يهدف إلى تطويق البلدين من جهة الحدود البرية بجيران متربصين ويضمرون النوايا السيئة، وهو ما نراه يتجلى في الانتشار السعودي المبالغ فيه بمحافظة المهرة.