هما صدمتان، لا صدمة واحدة – إن شئنا الدقة – صدمة "الفعل" وهو إطلاق جماعة الإخوان لمبادرة للتوافق، بعنوان خطوة للأمام، وإذ بها تسحبنا خطوات للخلف، وتأخذنا لأبعد نقطة عن ذلك التوافق المنشود.
الصدمة الثانية، هي صدمة "رد الفعل" الذي بدا عصبيا في خطاب طويل وجهه لشخصي، الأستاذ إبراهيم منير، نائب المرشد العام للإخوان عبر صحيفة "عربي21"!!، وذلك ردا على تصريح مقتضب، أطلب فيه مراجعة الإخوان لتلك المبادرة ومدى قدرتها على تحقيق الغرض منها.
فرغم أني لم ألتق الأستاذ إبراهيم منير، سوى مرتين، وفي إطار لقاءات عامة، إلا أن انطباعي الأول، والمستمر، من خلال متابعتي للكثير من تصريحاته السابقة، أنه رجل رصين، وحصيف، ومتوازن، ومتصالح مع الآخر، لذا كنت دائما – ولا زلت – رغم صدمتي من خطابه أعتقد أنه مؤهل، بحكم هذه الخصال الحميدة أن يلعب دورا في تفكيك أزمات داخلية، وبينية بين الإخوان، وقوى سياسية ومجتمعية أخرى.. "وليس العكس"!!
ومع كامل الاحترام لشخصه العزيز، أحسب أن نقل الحوار، أو حتى الخلاف، في الرأي، والتقدير، من دائرة العام، إلى الشخصي، ومن نطاق إثبات موقف سياسي، على مبادرة معلنة، إلى توجيه رسائل "شخصية" - عبر الصحافة والإعلام – وتتجاوز حدود الموضوع المطروح "المبادرة" لغيرها لم يكن هو ما أتوقعه من الأستاذ منير.
لم أكن أميل للرد على رسالة الأستاذ منير، لولا أن سيادته طرح أسئلة محددة – علنا – وطلب إجابتي عليها وهي على الوجه التالي:
الإجابة الأولى:
سألني الأستاذ منير في البند (2) من رسالته عن حقيقة توجيهي رسالة لسيادته ولآخرين يوم 23 يناير الماضي تضمنت عبارة محددة مفادها نصا: "نحن في حاجة لجيش وقيادة يقومان بمهامهما الكبرى في حماية الدستور والحفاظ على مؤسسات الدولة وحماية كرامة المواطنين"، وقد أشار الأستاذ إبراهيم لخطورة صدور مثل هذه العبارة في بيان وقع عليه مئات وتأكد بنفسه –أي الأستاذ إبراهيم– من إذاعته بهذه الصيغة في أحد المؤتمرات التي عُقدت يوم 25 يناير في إسطنبول (!!)
وحقيقة الواقعة التي يبدو أنها لم تنقل للأستاذ منير هي الآتي:
1- تشرفت يوم 23 يناير، بزيارة كريمة من عضو قيادي بالمجلس العام لشورى جماعة الإخوان المسلمين، في مكتبي. وأبلغني أن لديه مشروعا لبيان يقترح أن أعرضه للنقاش، والتوقيع على جروب التنسيقية، الذي أسسته في سبتمبر 2018، والذي يضم عددا كبيرا من القيادات المدنية والإسلامية في الداخل والخارج من مختلف الأقطار.
2- قمت فورا بوضع البيان على الجروب طالبا من أعضاء الجروب التفاعل معه.
3- وصلتني عدد من الرسائل تبدى "تحفظا" على الفقرة التي أشار إليها خطاب الأستاذ إبراهيم منير متصورا اتصالي بها.
4- على الفور أبلغت الصديق الذي تشرفت بزيارته برغبة عدد من الموقعين في حذف هذه الفقرة، وقال نصا: طبعا لا مانع من حذفها وبالفعل قمت بحذفها وطرح البيان للتصويت والتوقيع، وصدر دون هذه الفقرة التي يحاسبني الأستاذ منير عليها، بدلا من أن يشكرني على حذفها!!
5- وبناء على ما سبق لا أظن أن هذا البيان قبل التعديل نشر في أي جهة، أو أُذيع في أي مؤتمر، إلا إذا كان تمت إذاعته بالصيغة الأولى، في المؤتمر الذي نظمته ودعت إليه جماعة الإخوان، ولم أشرف بحضوره، وبالتالي لا أعرف مدى صحة أو عدم صحة ما نُقل للأستاذ إبراهيم منير عن إذاعته بهذه الصيغة، خاصة أنني أظن أنه لم يحضر هو الآخر هذا المؤتمر، لكن نُقل إليه الأمر نقلا غير دقيق ولا أمين ولا صادق، وهذه ليست مسئوليتي بالطبع.
ولا أعرف هل يعرف الأستاذ منير موقفي الدائم، والثابت في مضابط البرلمان (منذ عام 1995، وحتى انتخابات الرئاسة 2005، والجمعية التأسيسية 2012) من السلطات الواسعة للمؤسسة العسكرية، وموقفي الرافض في تأسيسية دستور 2012 للنص على ورود ميزانية القوات المسلحة رقما واحدا في الموازنة العامة؟
إن لم يكن الأستاذ منير يعرف هذا فعليه أن يسأل غير الذين أخفوا عنه الحقائق في الواقعة السابقة محل سؤاله الأول لي.
الإجابة الثانية:
سألني أستاذنا الفاضل عن تفسير لما ورد في تغريدتي على تويتر، التي قُلت فيها: "المظلة الواسعة يجب أن تتجاوز كل القبعات الأيديولوجية والحزبية والمزايدات السياسية، والحسابات الضيقة، ولا ينفرد فيها طرف بالدعوة أو بالفيتو"، وطالبني الأستاذ منير إما بالتفسير أو التراجع عن هذا التقدير الذي أعتبره دعوة لتنحي الإخوان عن المشهد!! وإجابتي هي:
الفارق بين ليبراليتي وآخرين يرفعون ذات اللافتة، أني أقبل بالآخر ولا أقبل أن يُمارس الإقصاء أو الاستحواذ من أي طرف، على أي طرف، وأحسب أن هذا هو السبب الرئيسي أني هنا الآن – خارج بلدي – لأني رفضت من اليوم الأول للانقلاب إقصاء أي فريق بغير صندوق الانتخابات.
وبالتالي أظن أن عبارتي لا تحتمل تأويلا غير معناها الحقيقي ولا تحتاج لتراجع أو اعتذار!! فما ذكرته هو الحد الأدنى المتعارف عليه في قواعد العمل الجبهوي الذي توافقت عليه الجماعة الوطنية المصرية، منذ عقود وعهود طويلة، وقد شرفت بحضور اجتماعات أحزاب المعارضة المصرية، منذ الثمانينيات من القرن الماضي، وكان يشارك فيها عمالقة وقامات بحجم أستاذي فؤاد سراج الدين، والأستاذ إبراهيم شكري، والأستاذ عمر التلمساني، والدكتور حلمي مراد، والدكتور وحيد رأفت، وقد تعلمت منهم هذه المبادئ، منذ نعومة أظفاري، ولم تكن هذه القواعد يوما حملا لشكٍ أو جدل أو مثارا لخلاف.
الإجابة الثالثة:
سألني أستاذنا الفاضل (تصريحا وتلميحا) عن حقيقة ما تسرب له، عن وجود مبادرة لم يتم دعوة جماعة الإخوان الرسمية لها، مما قد يدفعها لإعلان عدم تمثيلها في هذه المبادرة!! مضيفا سيادته ما نصه: "سؤالي لكم بكل احترام، هل وصلت للجماعة دعوات لمثل هذه التجمع قبل إعلان مبادرتها"؟! وأضاف سيادته في السطر التالي ما مفاده أن مبادرة الإخوان المعلنة يوم 27 يناير 2019 أفسدت وأفشلت مبادرة كان يسعى إليها بعض الرموز الوطنية لحلحلة الأزمة، وأن مبادرة الحلحلة كانت تجرى كلها من خلف ظهر جماعة الإخوان (!!)
وإجابتي على هذا السؤال، أو بالأصح الاتهام، قد تحملني مضطرا للإفصاح عن بعض التفاصيل، التي تكشف آثار خلافات داخلية لم ولن أتدخل فيها يوما، وأتمنى أن تزول في أقرب وقت.
وبعيدا عن التفاصيل والأسماء، يكفيني أن أشير لهذا الالتباس على الوجه التالي:
1. لا توجد أي مبادرة من أي نوع غير ما أعلن من جانب جماعة الإخوان يوم 27 يناير واعتذرنا عن المشاركة فيها للأسباب التي سنوضحها لاحقا.
2. تم الخلط بين ما أعلنت عنه في ندوة حوار لندن، عن أملي أن تنجح في دعوة المشاركين من مصر في مؤتمر المجلس العربي للثورات 16، 17 فبراير لحوار على هامش المؤتمر الذي تشارك فيه 17 دولة و177 مفكرا عربيا وبين لقاء تم على عشاء، حضره نفر من الفاعلين السياسيين في منزل صديق إعلامي تطرقنا فيه – بطبيعة الحال – للشأن العام وما تحتاجه مصر ما بعد سقوط الانقلاب.
3. وهنا أؤكد أن الدعوة للقاء وحوار على هامش المؤتمر لم تتم، ولن تتم، بسبب تأجيل المؤتمر نفسه، فضلا عن أنها كانت مجرد فكرة لحوار وليس لمبادرة أو خلافه ولم توجه أي دعوة لأي طرف كي نستبعد طرفا بعينه. كما أن لقاء العشاء لم يتجاوز كونه دردشة وحتى انصرافي من العشاء – لأسباب خاصة – لم أسمع كلمة مبادرة أو ما شابه لا من قريب أو بعيد!!
هذه هي إجابتي على السؤال الثالث، والتي أحسب مرة أخرى أن السبب في السؤال هو النقل غير الدقيق والأمين لبعض من يجدون أنفسهم عبر هذه الأدوار والمهام.
الأستاذ إبراهيم منير
حاولت جاهدا أن أجيب بأمانة ودقة على الأسئلة التي طلبت الإجابة عليها في رسالتك لي في محاولة منى لإجلاء الصورة لشخصكم العزيز وللرأي العام الذي اتصل بالرسالة بعد قراركم أن تصلني عبر الإعلام.
وحتى لا تقع في براثن التباس جديد، وآملا في سعة صدرك – كما أعرف عنك – أتمنى أن تجيبني على عشرة أسئلة باتت مُلحة بعد قراءة المبادرة والرسالة التي تفضلت بتوجيهها لي وهي:
السؤال الأول: لم أنكر على جماعة الإخوان، في تصريحي "المقتضب" لـ"عربي21" حقها في أن تطرح ما ترى طرحه من أفكار أو مبادرات؟! فلماذا تنكرون علينا أن يكون لنا تقدير مختلف، أبديناه بشكل مهذب، وفي حدود الموضوع، دون غيره من القضايا الخلافية.
السؤال الثاني: أليس من الخطورة بمكان – على المواقف المشتركة – طرح خلاف على تقدير أو موقف سياسي – بين سطور الرسالة – بوصفه خلافا بين الإسلاميين من جانب، والعلمانيين والليبراليين من جانب آخر!! فليس سرا أن قوى وأحزابا سياسية إسلامية كبيرة، ساندت الانقلاب وما زالت، بينما قوى وأحزاب ليبرالية (أشرُف بالانتماء إليها) كانت ولا زالت ضد هذا الانقلاب من لحظته الأولى وللآن!! فضلا عن أن قوى وأحزابا إسلامية من التي انحازت أيضا ضد الانقلاب لم تر أن مبادرة الإخوان في 27 يناير 2019، تحقق أي تقدم في المشهد السياسي، بل العكس!!
السؤال الثالث: هل تم طرح هذه المبادرة، لأي حوار مع المخاطبين بها، قبل أو حتى بعد طرحها في الإعلام؟ هل وافقنا عليها من حيث المبدأ –مثلا – ثم تراجعنا لاحقا كي يغضب البعض لتحفظنا عليها؟! أليس هذا سيراً على نهج من قال: إن لم تكن معي في كل شيء، فأنت ضدي في كل شيء!!
السؤال الرابع: لم نختلف في أمور عديدة، آخرها الموقف من الثورة في السودان، وقبلها تأخر الموقف في قضية جمال خاشقجي، وغيرها، ولم تحملنا أبدا مثل هذه الخلافات للافتئات على حق أحد في أن يكون له موقفه وتقديره ورؤيته!! ألم يقل تعالى في سورة هود -118 "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ".
السؤال الخامس: لو عُرض على جماعة الإخوان –أو غيرها– مشروع كالذي أعلنته في الصحف يوم 27 يناير 2019، هل كان لها أن تقبل به، أم كانت سترفضه كما سبق وأن رفضت مشروع الجمعية الوطنية، كونه طرح للنقاش – وليس الإعلان – قبل عرضه عليها؟!
السؤال السادس: من قال للأستاذ إبراهيم منير أن هناك مشروعا موازيا لهذه "الهيئة" أو المبادرة، وتم تجاهل الإخوان في هذه الدعوة؟! فالصحيح أن المجلس العربي للثورات الديمقراطية كان مقررا أن يعقد مؤتمرا يشارك فيه 170 مفكرا ممثلين لـ17 دولة من المفكرين والساسة وكان هناك اقتراح بجلسة تشاورية على هامش المؤتمر للحوار حول الوضع في مصر، علما بأن الدعوات لم توجه بعد!! والمؤتمر تأجل – أصلا – ولم يكن مخططا، ولا واردا طرح أي مبادرة أو مشروع أو خلافه، وما نقل في هذا الشأن محض افتراء لا علاقة له بالحقيقة. وعندما قلت إنني كنت لا أتمنى طرح مثل مشروع هذه الهيئة قبل حوار موسع حولها فلم يكن هذا إلا تعبيرا من خبرات سابقة في العمل الجبهوى تجعل التداعي بين أطراف الجماعة الوطنية هو الأفضل من انفراد طرف بالدعوة بما يراه البعض استحواذا أو استباقا لتوافق لم يتم.
السؤال السابع: هل من قواعد الشراكة الوطنية أن ينفرد طرف واحد – مهما كان حجمه – بطرح الفكرة، ووضع تفاصيلها بصورة تخل بأبسط قواعد الشراكة شكلا وموضوعا، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
أ- من حدد عدد أعضاء تلك الهيئة بـ 30 شخصا حصرا، وليس أقل أو أكثر؟
ب- من قرر أن معيار الانضمام هو الموقف يوم 30/6؟ وماذا نفعل مع من انضم إلينا في 30/7 أو 30/8
مثلا؟
جـ- من قرر أن تمثل الجمعيات الأهلية (التي تمتلك الإخوان أغلبيتها الكاسحة) بذات تمثيل الأحزاب والتيارات السياسية؟ أضف لهذا تمثيل الإخوان كجماعة وحزب الحرية والعدالة كحزب، والبرلمان، والتحالف الوطني، والمجلس الثوري – وما شابه – فضلا عن اختيار الإخوان لثلاثة من خمسة، بالإضافة لاختيارهم ثلاثة قضاة – هم بطبيعة الحال من الإخوان، ثم يختارون هم من بينهم رئيسا لتلك الهيئة؟!! فماذا تبقى إذن للقوى الأخرى، غير كونهم وردة في جاكيت الهيئة، وتمثيلا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة؟!
السؤال الثامن: ألا يثير تحديد هذه التفاصيل شكوكا مشروعة حول أن الغاية من هذه الهيئة إعادة تقديم أحد الشخصيات أو الهيئات للدفع به رئيسا لهيئة يفترض أنها تجسد حالة اصطفاف الجماعة الوطنية وهو صاحب مقولة: "ملعون أبو الاصطفاف"، والتي قالها وكررها على قناة الإخوان "وطن"؟!!
السؤال التاسع: أليس مهينا للغاية وللكافة أن يرد في البند "ثالثا" في المبادرة وتحت عنوان "التجميع" الآتي نصه: ترى الجماعة –أي الإخوان– أن الواجب لإنجاز المهمة تحقيق الآتي:
- (موافقة) السادة القضاة على المقترح.
- (مسارعة) ممثلي الأحزاب والهيئات في (اختيار) ممثلها في الهيئة.
هل لدى الأستاذ إبراهيم منير تفسير لهذه المغايرة في وضع القضاة الثلاثة، والمرجو منهم "التفضل بالموافقة على المقترح" ووضع الأحزاب والقوى والتيارات السياسية التي يفترض فيها أن تهرول و"تسارع" باختيار ممثلها – فقط – دون أن تُعطى ذات الحق في مناقشة المقترح أو إبداء الرأي بشأنه؟!!
أتمنى أن أجد لدى الأستاذ منير تفسيراً لهذه المغايرة غير تفسيري الوحيد الذي أظن بصحته، وهو أن صاحب هذه الصياغة هو أحد هؤلاء القضاة الثلاثة، والذي سيناط به رئاسة هذه الهيئة مستقبلا لتلقى ذات مصير جهات أخرى تصدى للمشهد فيها وهوى بها إلى قاع سحيق في الخطاب والأداء، وانسحاب كل من شارك فيها.
السؤال العاشر: من المستفيد من هذا التصعيد؟! ومن يسعى لمزيد من التعقيد للموقف والتوتير للعلاقات البينية بين أطياف الجماعة الوطنية؟! ولماذا كان الإصرار على نقل ساحات الخلاف في الرأي إلى ميدان الصحافة والإعلام، وهو ما لا يتفق مع ما أعرفه عن طبيعة الأستاذ إبراهيم منير، وما يعرفه عني من تقدير واحترام كامل لشخصه؟!
هذه الأسئلة العشرة أعرف الكثير من إجابتها، لكني أتمنى من الفاضل الأستاذ إبراهيم منير أن يتحقق شخصياً من إجابتها لنغلق هذا الملف.