تبحث هذه الورقة عدة محاور متعلقة بملف هجرة القرن إذا صحّ التعبير، التي أصبحت الشغل الشاغل لجُلّ روّاد السياسة في الاتحاد الأوروبي، بل إنّ ملف الهجرة إلى القارة الأوروبية أصبح من أهم أوراق العمل ضمن تشكيل الحكومات الأوروبية، لا سيما بعد تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين إلى أوروبا، قادمين من سوريا والعراق وبلدان أخرى..
وأبرز الملفات التي تبحثها هذه الورقة هي:
1- تعريف موجز للاجئ حسب القانون الدولي، وأبرز العوامل التي ساهمت في مغادرة اللاجئين لأوطانهم.
2- أبرز ما ظهر للعلن مِنْ جوانب مشرقة في صفوف اللاجئين في أوروبا.
3- أبرز ما ظهر للعلن من جوانب سلبية في صفوف اللاجئين في أوروبا.
4- النقاط الإيجابية في القانون الأوروبي، والتي تأقلم معها معظم اللاجئين هناك.
5- المآخذ التي سلّط اللاجئون عليها الأضواء في القانون الأوروبي، والتي لم يتمكنوا من التأقلم معها.
6- احتمالات العودة في حال تحسنت الأوضاع في بلدانهم الأم.
7- عيّنة من آراء اللاجئين خاصة بهذه الورقة.
تعريف اللاجئ
اللاجئ بحسب القانون الدولي الذي نصت عليه المعاهدة الدولية لحقوق الإنسان منذ عام 1948، هو الشخص الذي يضطر إلى مغادرة وطنه، والوصول إلى بلدٍ آخر بطريقةٍ ما، وتقديم طلب اللجوء في الدولة الجديدة تحت سقف الأنظمة والقوانين في البلد المُضيف..
وهناك عدة عوامل تعترف بها معظم الدول، بعد أنْ رأتها أسباباً تؤهل صاحبها للحصول على حق اللجوء، وهذه العوامل هي:
- الحرب وما ينجم عنها من اضطهاد وعمليات قتل ممنهج، وخطر الاعتقال أو الخطف، وكل ما يهدد الحياة..
- الاضطهاد بسبب الديانة: وهذا الأمر يحصل عندما تتعرض أقليّة دينية في مجتمع ما، إلى الاضطهاد والاستبداد، مِن طرف الأكثرية الدينية الحاكمة، وبالتالي من حق هذه الأقلية الحصول على حق اللجوء في البلدان الأخرى..
- الاضطهاد بسبب العِرق: حيث تتعرض طائفة من الطوائف إلى خطرٍ محدق نتيجة ولائها العِرقي، وتصبح أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا الموت والاضطهاد والإذعان، وإمّا الرحيل واللجوء إلى بلدٍ آمنٍ بعيداً عن التحزبات العرقية..
- الاضطهاد بسبب الموقف السياسي: فقد تتعرض حياة السياسي إلى الخطر بسبب موقفه من إحدى القضايا السياسية، وبالتالي تتوسع دائرة الخطر لتشمل أفراد أسرته، ويصبح الشخص ملاحقاً من طرف الأجهزة الأمنية التي تهدد حياته من خلال الاعتقال والتعذيب والتنكيل، فيجد الشخص نفسه مضطراً إلى مغادرة البلد، واللجوء إلى بلدٍ آخر يكفل له الحرية السياسية بعيداً عن أي خطر..
- الاضطهاد بسبب الميول الجنسيّة: فبعض المجتمعات وخاصةً الشرقية منها، ترفض رفضاً قاطعاً وجود أشخاص مثليين جنسياً، بل وتنبذهم أيضاً، وفي بعض الحالات يصل الأمر إلى الضرب المبرح والقتل.
كذلك يمكن القول أنّ القانون في بلدان عديدة يُجرّم المثلية الجنسية ويعتبرها شذوذاً يُحاسَب صاحبُه عليه، الأمر الذي يدفع بالمثليين إلى البحث عن بلدان تعترف بحقوقهم من أجل تقديم طلب اللجوء فيها، وذلك للتخلص من الأعباء التي تترتب على صاحبها بسبب مثليته الجنسية..
إذن يمكن القول بأنّ العوامل آنفة الذكر تشكل أسباباً مقنعة لتقديم طلب اللجوء، وعلى هذا الأساس قصد اللاجئون القارة الأوروبية باعتبارها توفّر جميع المؤهّلات التي تدحض العوامل السابقة، وتكفل للّاجئ حق الحرية في ممارسة الطقوس السياسية أو الدينية أو الاجتماعية تحت سقف القانون، وبالتالي كان لأوروبا حصة الأسد من اللاجئين، حيث تمّ منح 406 آلاف لاجئاً حق الحماية في أوروبا أواخر عام 2016 على سبيل المثال.
و بحسب إحصائيات رسمية، تحتل ألمانيا المرتبة الأولى في أعداد اللاجئين الذين تم استقبالهم على أراضيها، حيث تم منح حق الحماية فيها لحوالي 300 ألف لاجئ في كل عام قبل العام الحالي، وطالبت في أكثر من مرة بتأسيس نظام توزيع الحصص من اللاجئين على 28 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي..
وتأتي السويد في المرتبة الثانية بعد ألمانيا في استقبال اللاجئين، حيث استوعبت مع ألمانيا ما يقارب 69 في المئة من أعداد المهاجرين الواصلين إلى أوروبا.
وقد ذكر موقع (هولندا الآن) أنه في صيف عام 2015 جازف أكثر من 200 ألف لاجئ سوري برحلة القوارب المطاطية من السواحل التركية باتجاه الجُزر اليونانية، رغم خطورة الغرق والموت، وظهور ذلك على وسائل الإعلام التي اهتمت كثيراً بهذا الحدث، لا سيما بعدما طفت جثة الطفل الغريق إيلان ليستا على الشواطئ، وقد لاقى هذا المنظر ضجةً إنسانية حول العالم..
وقد أورد الموقع "هولندا الآن| قولاً للطبيب العضو في مؤسسة "لاجئو القوارب" التي كانت تقدم المساعدات الإنسانية للّاجئين الذين يصلون إلى جزيرة لسبوس اليونانية، حيث قال هذا الطبيب بأنّ طبيبة سورية عبّرت عن امتنانها الوفير للجهود التي تبذلها المؤسسة للعناية بالواصلين حديثاً إلى اليونان عبر البحار والمحيطات التي لم تشكل حاجزاً أمام خوض اللاجئين لهذه المغامرة..
أبرز ما ظهر للعلن مِن جوانب مُشرقة في صفوف اللاجئين في أوروبا:
ما إنْ حطّ اللاجئون حقائب هجرتهم، حتى بدأت تتكشّف خبايا النجاح التي لم تكن ظاهرة للعيان في وطنهم الأم، أو ربما ظهرت على وجه الاختصار، ولكنْ ومع وصولهم إلى قلب القارة العجوز، تمكنوا من لفت أنظار المجتمع الأوروبي من خلال ومضةِ نجاحٍ هنا، وومضةِ نجاحٍ أخرى هناك، لِيَعُمّ النجاح كافة أصقاع القارة الأوروبية التي يتواجد فوقها اللاجئون..
وأبرز جوانب النجاح التي يمكن الإشارة إليها هي:
1- إتقان اللغة الجديدة خلال وقت قصير، فبعض اللاجئين حققوا أرقاماً قياسية في سرعة إتقانهم للغة، واندماجهم في المجتمع الأوروبي، وهذا ما جعل الأوروبيين يذكرون ذلك بالفم الملآن، بعدما اعترتهم الدهشة بفعل ذلك الأمر..
ففي ألمانيا على سبيل المثال تمكن أحد اللاجئين السوريين من إنهاء المرحلة الثالثة من اللغة الألمانية بعد وصوله إلى ألمانيا بخمسة أشهر فقط، حيث خاطب المحقق بشكل مباشر وبدون مترجم، أثناء جلسة التحقيق للحصول على حق الإقامة، في سابقة هي الأولى من نوعها.
وفي هولندا كذلك، تمكنت إحدى اللاجئات الفلسطينيات من إنهاء المرحلة الثالثة من اللغة الهولندية، مع دورتين تدريبيتين في المحادثة باللغة الإنكليزية، وذلك خلال سنة واحدة فقط، وهذا ما يدعم القول الذي يشير أنّ بعض اللاجئين طوّعوا اللغة الجديدة خلال وقت قصير لفت أنظار المجتمع الأوروبي..
2- تمكن اللاجئون في أوروبا ورغم أعباء الحروب المشتعلة في بلدانهم من تثبيت أسمائهم في سجل الاختراعات والتفوق العلمي أيضاً، فالطبيب السوري محمود فرزات نال المرتبة الأولى في الجراحة الربوتية في ألمانيا، حيث تمّ تكريمه من قبل الجامعة الأوروبية وذلك بعد وصوله إلى ألمانيا بأربعة أعوام فقط.
كذلك حصل اللاجئ السوري عبد الرحمن الأشرف، ابن مدينة دمشق، والمقيم في النمسا، على جائزة الشباب الأوروبي الرقمي لعام 2016 م في مدينة غراس النمساوية، تكريماً لمشروعه الناجح الذي يهدف إلى الوصول لطريقة تتم من خلالها عمليات التواصل الاجتماعي دون الحاجة إلى وجود الإنترنت والأقمار الصناعية، كي يتمكن الأشخاص الموجودون في مناطق النزاعات والحروب من التواصل مع العالم الخارجي في حال تعطلت شبكات الإنترنت في مناطقهم..
وحقق الفلسطيني السوري، خالد النوفل وهو ابن مخيم اليرموك جنوب دمشق، جائزة مهرجان هالمستاد للأفلام في السويد، عن طريق فيلمه "قصة مخيم"..
هذه الدلائل وغيرها تَشِي بأنّ ملامح التفوق ظاهرة للعيان في حياة اللاجئين الذين تموضعوا في أنحاء القارة الأوروبية..
3- أمّا نقطة النجاح الثالثة التي دوّنها لاجئو أوروبا في سجلّهم، فهي النقطة القائلة بأنهم تقلّدوا بعض المناصب في الدوائر الحكومية، على مستوى مجالس المدن، وعلى مستوى البرلمانات، وهذا الأمر ينطبق على اللاجئين الجُدُد كما ينطبق على الوافدين الذين وصلوا إلى أوروبا منذ عقود، والذين لم يعودوا محسوبين على قائمة اللاجئين طالما أنهم حصلوا قديماً على حق المواطنة في أوروبا، ونذكر مثالاً على كل حالة..
أحمد أبو طالب رئيس بلدية مدينة روتردام الهولندية هو من أصول عربية مغربية، يشغل منصب رئيس مجلس المدينة وله علاقات مباشرة مع رؤساء الأحزاب الكبرى في هولندا..
أيضاً ترشح الفلسطيني أميل صرصور للانتخابات البرلمانية السويدية لعام 2018 عن قائمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في السويد، وهو يشغل رئاسة اتحاد جمعيات المهاجرين في مدينة أوبسالا، وكذلك هو عضو الهيئات الإدارية لجمعيات السويد، وبالتالي يمكننا القول بأنّ السطور تكاد تغصّ إذا أردنا تعداد كل المناصب التي تقلّدها اللاجئون في أوروبا..
أبرز ما ظهر للعلن مِن جوانب سلبيّة في حياة اللاجئين في أوروبا:
لسنا مُنصفين إذا ما قلنا أنّ النجاح هو الشيء الوحيد الذي تبيّن في صفوف اللاجئين في أوروبا، فعلى الطرف المقابل لا بد من الإقرار بأنّ هناك أموراً سلبية ظهرت للعلن وبشكل ملحوظ في حياة اللاجئين، ولا يمكن نكرانها لسبب واحد فقط، هو أنّ أصحابها لم يترددوا أبداً في إظهارها للعلن، إمّا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو من خلال بعض المقابلات التي أجرتها معهم الصحف والمجلات، وبالرغم من علانية الأسماء، إلا أنني أتحفظ على ذِكرها في هذا البحث تجنّباً للشخصنة، وأبرز العوامل السلبية التي ظهرت في حياة لاجئي أوروبا هي:
1- تفشّي الطلاق في الأسر العربية التي وصلت إلى أوروبا، وهذا الأمر أقلق الأوروبيين قبل المهاجرين، وذلك بعد الوصول حالات الطلاق إلى أرقام لا يُستسهَل بها، والتي لفتت أنظار المحاكم الأوروبية.
وفي هذا الصدد يؤكد أمين العاسمي الذي يعمل مرشداً اجتماعياً وتربوياً في فرنسا، على أنّ ظاهرة الطلاق بين اللاجئين السوريين تحتل الرقم الأول في المشاكل الملحوظة بمراكز الإيواء والمساعدة الاجتماعية في أوروبا، وعبّر أيضاً عن عدم القدرة على إحصائها لكثرتها، وأشار العاسمي إلى أن الكثير من حالات الطلاق تتم فور وصول اللاجئين إلى مراكز الاستقبال، وغالبية الحالات يتم فيها الطلب من النساء دون الرجال، لافتاً إلى أن الكثير من الحالات أثرت على الأطفال، إذ فرض عليهم العيش ضمن أوضاع نفسية معقدة، نتيجة بعد الوالدين، بينما عزا آخرون المسؤولية في ذلك إلى الرجال الذين لم يتمكنوا من التعامل الجديد مع زوجاتهم في أوروبا..
2- ارتفاع مستوى الجريمة بين اللاجئين بعضهم بعضاً، أو ضد المواطنين الأوروبيين، وانحدار المستوى الأخلاقي نتيجة اصطدامهم مع المجتمع الأوروبي الذي يبيح المحظورات التي كانت محرّمة في بلدانهم الأم، كتناول المخدّرات والمارغوانا وما شابه، وهذا الأمر جعل من اللاجئين مصدر قلق في بعض الدول الأوروبية، لا سيما في ألمانيا التي يشكو لاجئوها من التمييز العنصري في بعض المقاطعات، في حين يرى ربع سكان هولندا أنّ اللاجئين يشكلون مصدر تهديد كبير لأمن البلاد، بعكس 77 في المئة من المواطنين الهولنديين الذين يرون أنّ اللاجئين لا يشكلون ذلك، بل ويطالبون الحكومة والبرلمان بتحمل المسؤولية تجاه اللاجئين الذين تركوا بلادهم بفعل الحروب المستعرة هناك..
3- إعلان المثلية الجنسية على منصات التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال بث الفيديوهات المباشرة على الفيسبوك، والتي يتم من خلالها الاعتراف بالميول الجنسية المثلية، التي بسببها تعرّضَ صاحبُها للضرب المبرح في بلده الأصلي، وتمّ نبذه والاعتداء عليه.
وفي بعض الحالات تَحفّظَ اللاجئ المثلي في بلده على هذا الأمر، كي لا يتعرض لما تعرض له سابقوه، ولكنه سرعان ما أعلن عنه فور وصوله إلى أوروبا التي تعترف بحقوق المثليين، وتُجِيز زواج الذكور بعضهم بعضاً، والإناث كذلك، بل وتُجرّم بالقانون الشديد أيّ نوع من أنواع المضايقات إذا ما تعرض لها مثليو الجنس الذين تعتبرهم جزءاً لا يتجزأ من المجتمع، وتقدم لهم الدعم الكامل، وتمنحهم حق الإقامة الدائمة على الفور، دون الحاجة إلى إرجاعهم إلى أوطانهم في حال تحسنت الأوضاع هناك.
الجوانب الإيجابية في القانون الأوروبي، والتي تأقلم معها لاجئو أوروبا:
ضِمن خطط الاندماج في المجتمع الجديد، تمكّن اللاجئون في أوروبا من التأقلم السريع مع بعض نواحي القانون الأوروبي التي لاقت ارتياحاً كبيراً لدى اللاجئين هناك، فسرعان ما انخرطوا فيها، والتزموا ببنودها وحذافيرها، وتجنّبوا المخالفة أو الخروج عن القانون في هذا السياق، وأبرز هذه القوانين والأنظمة هي:
1- قانون التجنيس والحصول على حق المواطنة في بعض الدول الأوروبية التي تقدم تسهيلات أمام اللاجئين للحصول على هذا الحق، في حين تُصعّب دول أوروبية أخرى كألمانيا والنمسا مِن شروطها للحصول على حق التجنيس..
وتأتي هولندا في المرتبة الأولى، إذ يُمنَح اللاجئ الفلسطيني المقيم فيها حق التجنيس بعد إقامته في البلد مدة ثلاث سنوات فقط، في حين تشترط على اللاجئ الحامل لجنسية أخرى مدة خمس سنوات، بشرط اجتيازه امتحان الاندماج بنجاح، وعدم تكبده غرامات مالية باهظة أو جرم قانوني، ويَعتبِر اللاجئون هذه الشروط مِنَ السهولةِ بمكان، إذ أنّ امتحان الاندماج يتألف من خمس مواد شاملة للمرحلتين الأولى والثانية للغة، وهذه المواد هي: مبادئ القراءة، الاستماع، الكتابة، مبادئ المحادثة، معرفة المجتمع الهولندي، بالإضافة إلى شرط جديد تمت إضافته بعد عام 2015، وهو اجتياز اللاجئ لاختبار العمل.
أما السويد فتمنح اللاجئ حق التجنيس بعد إقامته في البلد أربع سنوات إذا كان فلسطينياً، وخمس سنوات إذا كان حاملاً لجنسية أخرى، دون الحاجة إلى اجتياز اختبارات اللغة.
2- قانون التعليم الذي تقيد به اللاجئون وحفظوه عن ظهر قلب، وانخرطوا في المدارس والجامعات انخراطاً مُرضياً، بعدما حصلوا على كمّ هائل من المعلومات المتعلقة بالأنظمة والضوابط الخاصة بالتعليم في أوروبا، وتختلف هذه الأنظمة من بلد أوروبي لآخر، لكنّ اللاجئين تمكنوا من تطويع كل الضوابط الخاصة في التعليم، سواء التعليم الابتدائي، أم الثانوي أم المهني، أم الجامعات، بالإضافة إلى احترام حق الزمالة في هذا المجال، فلا تُفرّق المواطن عن اللاجئ إذا ما امتطى حقيبته وتوجّه إلى مدرسته أو جامعته، ليشارك الطلاب الأوروبيين مستقبلهم خطوةً بخطوة.
3- قانون السير:
رغم صعوبته في طليعة الأمر، إلّا أن اللاجئين في أوروبا تمكنوا من التأقلم معه بسرعة، وخوضه والنجاح به على أعلى مستويات، فمعظم اللاجئين حصلوا على رخص القيادة في البلدان الأوروبية، وذلك ضمن تأقلمهم مع المجتمع الجديد الذي يتطلب الحصول على رخصة القيادة للتغلب على مقتضيات الحياة الجديدة..
أضف إلى ذلك أنّ قسطاً كبيراً من اللاجئين خاضوا هذه الاختبارات باللغة الجديدة أو باللغة الإنكليزية، في حين يوجد هناك بعض الدول الأوروبية كهولندا مثلاً، تتيح للّاجئين خوض هذا الاختبار باللغة العربية أو اللغة الأم، بشرط دفع تكاليف الترجمة، وبالتالي يمكن القول أن قانون السير يمكن ضمّه إلى جملة القوانين التي تأقلم معها اللاجئون، وتمكنوا من اجتيازها، حالهم في ذلك هو حال المواطنين الأوروبيين أنفسهم..
المآخذ على القانون الأوروبي، التي شكا منها اللاجئون هناك:
لم يكن القانون الأوروبي بالنسبة للّاجئين مُنزّهاً عن العيوب والنواقص، فهناك جملة من الملاحظات على هذا القانون والتي شكا منها اللاجئون، وما يزالون، ولم يتأقلموا معها بعدما أصبحت مصدر قلقٍ بالنسبة لهم، ومن جُملة هذه القوانين:
1- قانون سحب الأطفال من الوالدين وحرمانهم من أهلية الرعاية، وذلك عندما يكون الوالدان مُهمِلَين بحق الأطفال، أو في حال تمّ التعرض للأطفال بالضرب، فيتمّ حينها نزع الأهلية عن الأب والأم، وتقوم السلطات بسحب الأطفال من الوالدين، وتسليمهم لعائلة أخرى قادرة على القيام بشؤونهم، وهذا الأمر يعتبره اللاجئون أمراً مزعجاً للغاية، يتناقض مع العادات والتقاليد العربية، ويشكل تهديداً لمستقبل الأطفال، إذا ما تمت تنشئتهم بعيداً عن الأب والأم.
والشواهد على ذلك كثيرة، فقد ذكرت جريدة الكومبس السويدية، أن ّ السلطات سحبت 4 أطفال من اللاجئ جمال عقيل، بذريعة أنه لا يجيد وزوجته تربية الأطفال، حيث قال جمال لجريدة الكومبس إنه فوجئ في أحد الأيام أثناء جلبه لأطفاله من المدرسة، أن سلطات السوسيال قد أخذت أولاده، وعند سؤاله عن السبب الذي دفع بالسوسيال للإقدام على ذلك، أجاب: "كانت لدي ديون متراكمة، لكني تمكنت من دفعها، ولم يكن لدي مشكلة في ذلك، بعدها تحجّج السوسيال بأنني وزوجتي لا نعرف كيف نربي أطفالنا، وبأننا نضربهم، ثم قالوا بأن الأولاد مرضى وإنهم بحاجة إلى رعاية، رغم أنّ تقارير المحكمة أثبتت غير ذلك"..
وأمثال جمال عقيل في أوروبا كثيرون، إذ أصبح اللاجئون يتخوفون من خسارة أولادهم إذا ما قاموا بضربهم أو التقصير بحقهم..
2- قانون الضرائب والمخالفات: وهذا القانون يختلف من بلد أوروبي لآخر، وهو من القوانين التي يلاقي اللاجئون صعوبات كبيرة في التأقلم معها، لا سيما فيما يتعلق بالعمل.
على سبيل المثال، يلاحق فرع الضرائب العامل في كل شاردة وواردة تخص مرتبه الشهري، ففي يومَي عطلة نهاية الأسبوع في أوروبا (السبت والأحد) يزيد أجر ساعة العمل إذا ما أراد العامل أن يعمل فيها، لكنّه يتردد كثيرا لأن فرع الضرائب سيرفع من قيمة الضريبة باعتبار أنّ الأجر زاد خلال هذين اليومين، وبالتالي فإنّ الزيادة تصبح ضئيلة جداً لا تشجّع على خوض مغامرتها، هذا وتلاحق سلطات السوسيال اللاجئين الذين يتقاضون رواتب المساعدة، في حال تلقّوا أو أرسلوا أموالاً إضافية، حتى لو كانت هذا الأموال قليلة، مما جعل اللاجئين يشكون من هذا الأمر..
أضف إلى ذلك المخالفات المالية العالية التي تهدد اللاجئ إذا ما خالف عن غير قصد، أو اضطر مثلاً لتجاوز القانون، لا سيما المخالفات المرورية منها التي تصل أحياناً إلى ما فوق 400 يورو إذا ما أخطأ السائق وأركن سيارته في غير المكان المخصص على سبيل المثال..
3- قانون العمل: إذ يشكو اللاجئون من بعض النقاط المتعلقة في هذا القانون، مثل ساعات العمل الطويلة التي تتراوح بين 8 و10 ساعات يومياً، في حين لم تتجاوز في بلدانهم الأصلية 6 ساعات تقريباً.
هذا الأمر يتطلب جهداً كبيراً لدى اللاجئ للتأقلم معه، إضافةً إلى الجدّيّة المبالغ فيها خلال العمل، إذ لا يُسمح للعامل في كثير من الأحيان التلاعب بما يسمونه قدسية العمل، من خلال التراخي أو الانشغال ولو لوقت قصير خلال الوقت المخصص للعمل، إذ إنّ هناك وقتاً مخصصاً للاستراحة، ومن غير المسموح تنفيذ أي قسط من الراحة خارج هذا الوقت..
كما يشكو اللاجئون في بعض الأحيان من التمييز العنصري خلال البحث عن عمل، أو خلال العمل ذاته أيضاً، إذ تعمد بعض الشركات إلى تفضيل المواطن على اللاجئ في الفرص الشاغرة، كما تقوم بإسداء المهمات الصعبة خلال العمل إلى اللاجئين، في حين ينعم المواطن الأوروبي بالمهمات الممكنة. وقد شدد القانون الأوروبي في بعض البلدان على ضرورة إنهاء هذه الظاهرة بعدما هدد الشركات بفرض غرامات مالية باهظة في حال ثبتَ ارتكابها لجرم التمييز العنصري أثناء انتقاء العمال لملء الشواغر لديها..
احتمالات عودة لاجئي أوروبا إلى بلدانهم في حال تحسّنت الأوضاع هناك:
مع تمخّض الحياة الجديدة لدى لاجئي أوروبا، تباينت الآراء فيما بينهم وبشكل ملحوظ، حول الرغبة في العودة الطوعية في حال تحسّنت الأوضاع هناك..
وبين وجهتَي النظر المتعارضتين كالليل والنهار، شارك في هذا البحث لاجئان أدليا بدلويهما، وكلٌّ منهما يمثل نقيضاً واحداً من النقيضَين في هذه المسألة.
الرأي الأول وهو الذي يتبنّى ضرورة البقاء هنا ورفض العودة تحت أي شكل من الأشكال، يمثله الطبيب العراقي (ف / ط) ذو الأربعين عاماً والقادم إلى النمسا منذ حوالي أربع سنوات ونيّف، إذ يقول في حديث خاص لهذه الدراسة:
في بلدٍ مثل العراق، الذي اشتعلت فيه حرب الطوائف المقيتة، كيف يمكن لمن وصل أوروبا أن يعود لِيَقتات الخوف والتهديد المستمر بحجة الوطن والشعارات الفارغة، باختصار أقول: وطني حيث كرامتي، وطني حيث أمني ووقاري، حيث أغلق الباب ليلاً دون توجّسٍ قاتل بأني لن أدرك الصباح إلا قتيلاً أو مخطوفاً أو طريداً، أو مُفاوَضاً علي بالفدية.
وطني حيث لقمة العيش السائغة، والكرامة المحفوظة، والمستقبل المنتظر، لا بين مفخخات الموت، وأزيز الرصاص، فأي مصيرٍ ينتظر الأطفال في بلدٍ متآكلٍ بفعل الطائفية التي حرقت نارُها الجميع، وأجبرتنا على الخروج، نعم هذه قناعتي وهذا رأيي وهذا ما أدلي به إلى هذه الدراسة الأكاديمية التي أشكر مُنظّمَها لإتاحة الفرصة وإيصال صوت اللاجئين..
أمّا الرأي الثاني الذي يتبنّى ضرورة العودة بالسرعة الممكنة، فيمثّله الأستاذ السوري (ب / د) الذي يرى في الهجرة نحو أوروبا مؤامرة واسعة النطاق، تهدف إلى إفراغ المنطقة العربية من كفاءاتها العلمية والمهنية، وشبابها الذين فروا من بلادهم واستقرت بهم السبل في القارة العجوز، وتحطيم الأواصر الأسرية العربية، ليحل مكانها حق الولد في محاسبة والده إذا ما أنّبه أو ضربه أو حاول التدخل في شؤونه الخاصة، وحق الزوجة في الانفصال عن زوجها وحرمانه من رؤية الأطفال إذا ما شكّل مصدر إزعاج لها
ويرى هذا المعلم أن جُل اللاجئين خسروا أبناءهم في أوروبا، ودينهم الذي هو عصمة أمرهم، حيث تم الإيعاز حسب قوله إلى الدول العربية بضرورة إغلاق أبوابها في وجه اللاجئين الذين سيجدون أنفسهم مضطرين إلى اللجوء للقارة الأوروبية التي ابتلعت أبناءنا دونما حقٍّ يُذكر..
وهكذا يُمضي اللاجئون حياتهم في أوروبا نحو مستقبلٍ غامض لم تنكشف خباياه بعد، ووقعوا بين فكّي كمّاشة، إمّا العودة تحت مطرقة الخوف، أو البقاء تحت سطوة القانون الأوروبي الذي فرض نفسه عليهم بالقوة، شاؤوا أم أبوا..
__________
المصادر:
1- عربي21.
2- موقع هولندا الآن.
3-مؤسسة "لاجئو القوارب".
4- مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا.
5- جريدة الكومبرس.
6- موقع الجالية العربية في أوروبا.
7- الجزيرة نت.