تناول مركز بحثي إسرائيلي عملية إعادة إعمار سوريا، التي تحاول إيران استغلالها لترسيخ نفوذها، مشددا على أهمية أن تبني "إسرائيل" رؤية لتدخل غير مباشر في إعمار سوريا مع دول عربية.
وأوضح "مركز بحوث الأمن القومي" التابع لجامعة "تل أبيب" العبرية، في تقديرا استراتيجيا أعده كل من؛ عنات بن حاييم واودي ديكل، أن "عام 2018 تميز في سوريا باستكمال انتصار نظام بشار الأسد، والانتقال من التركيز على الحرب لخططٍ لتشكيل الدولة وإعادة إعمارها في اليوم التالي للحرب".
ولفت إلى أن المؤسسات الدولية، تقدر بأن حجم الأضرار التي وقعت بسبب الحرب في سوريا من 350 – 400 مليار دولار؛ وهذا يشمل أضرار البنى التحتية وانهيار الاقتصاد وفقدان المداخيل، منوها إلى أن الضرر المادي يمكن إصلاحه بوجود مساعدة خارجية حتى لو استمر لسنوات".
وأضاف: "لكن سيمر وقت أطول، قبل أن يتم إعمار مكونات الأضرار الأخرى مثل؛ المس بالإنتاجية والإنتاج المستقبلي، وهروب الطبقة العليا والوسطى والمس بتعليم الجيل الشاب"، موضحا أن هناك "تحديات اجتماعية أمام سوريا، وعلى رأسها التوترات الطائفية وعدم التكافل، والفساد وترسيخ نخبة اقتصادية مقربة من الأسد تتعامل كمافيا".
ونوه المركز، في دراسته التي تأتي ضمن نشرة استراتيجية يصدرها بشكل شبه دوري تحت عنوان: "نظرة عليا"، نوه إلى أن الأسد والقوات المساعدة له، يسيطرون اليوم على 70 في المئة من سوريا، تشمل معظم المناطق الحضرية وبها أكثر من نصف السكان، لافتا إلى أنه "رغم دروس الحرب، إلا أن الأسد لم يبدأ في إعادة إعمار شاملة تفيد السوريين".
وفي هذه المرحلة، بحسب الدراسة، "يحاول النظام تجنيد أموال واستثمارات خارجية ولا سيما من مصادر خاصة، كما أن مقاربة نظام الأسد لعودة اللاجئين تتأثر باعتبارين بينهما توتر؛ فمن جهة النظام يعرف أن عودة اللاجئين حاسمة بشأن دورهم في الإعمار وتطوير الاقتصاد، كما أن بقاء اللاجئين وخاصة النخب خارج سوريا، ستؤخر إعادة الإعمار".
وأشار المركز إلى أن الأسد في أعقاب الحرب يسعى للحفاظ على علاقة وطيدة مع حلفائه الذين أيدوه خلال الحرب، خاصة إيران وروسيا، حيث يفضل الأسد الأخيرة، لأنه يخشى من تدخل إيراني زائد في إدارة سوريا".
وأكدت الدراسة، أن "إيران التي تقود عملية إصلاح البنى التحتية لشبكة الكهرباء، معنية بربط عملية إعادة الإعمار باستمرار تمركزها في سوريا في عدة مجالات؛ العسكري والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والسياسي، أما روسيا تحاول تعزيز نفوذها بدفع مصادر اقتصادية واستراتيجية قدما، ستمكنها من التأثير على النظام مستقبلا".
وذكرت أن "النفط وضع بيد روسيا، وصناعة الفوسفات أعطيت في البداية لإيران، لكن مشاركة روسيا تزيد فيها بالتدريج، وتساعد موسكو بإعادة بناء الجيش السوري وتسليحه، وتحقيق سيطرة على الموارد الطبيعية ووسائل نقلها، وتوسيع ميناء طرطوس، ومد سكك حديدية وإنشاء خط تجاري بحري يصل ميناء "نوفوسيبيرسك" شرق روسيا".
لكن "القيد الروسي، أنها لا تملك قدرات مالية، وعلى هذه الخلفية، فإن شركات روسية تجارية تشترط مشاركتها في عملية إعمار سوريا بأن تحظى بأفضليات تنافسية ومكاسب فورية".
وأما المجتمع الدولي، فهو "مستعد للمساعدة في إعمار سوريا، شريطة أن يقود النظام إصلاحات في نظام الحكم وأخرى اقتصادية واجتماعية، وهذا لا يقبله الأسد، ولذلك لا يتوقع مساعدة كبيرة من الدول الغربية والاتحاد الأوروبي الذي صادق في حزيران 2018 على العقوبات المفروضة على المساعدات المقدمة لنظام الأسد".
وقدرت الدراسة، أن "هذه العقوبات تزيد من اعتماد الأسد على إيران وروسيا، في حين تربط الدول العربية مساعداتها الاقتصادية بتقليص النفوذ الإيراني بسوريا، لكن دول الخليج تخشى في حال رفعت يدها عن إعمار سوريا، أن تسطير طهران مثلما حدث في العراق".
اقرأ أيضا: أكاديمي إسرائيلي يطرح وسيلة لطرد إيران من سوريا.. ما هي؟
وفيما يخص "إسرائيل" في إعمار سوريا، شددت الدراسة على وجوب أن "تنتبه إسرائيل لاحتمال إعادة ترميم الجيش السوري بشكل سريع، وذلك في أعقاب مساعدات خارجية يحصل عليها الأسد من روسيا وإيران، والحاجة لترسيخ رد عسكري على الهجمات المتكررة لإسرائيل هناك".
وقدرت أن بقاء سوريا دون إعمار وتحت الأنقاض لن يمنع ذلك الأسد من ترميم جيش يحتوي على؛ نظام دفاعي جوي متطور، ونظام صواريخ أرض – أرض، وجيش بري لديه قوات كبيرة، كما ستبقى سوريا تشكل "منصة لتهديدات استراتيجية منها؛ نشر شبكة صواريخ أرض – أرض دقيقة، وأنظمة جمع معلومات إيرانية، إلى جانب وجود قوات مرسلة من إيران وحزب الله ومليشيات شيعية، على مقربة من الحدود مع إسرائيل".
ونبهت الدراسة، إلى أن "ضعف سوريا يجعلها تعتمد على دعائم خارجية معادية لإسرائيل وخاصة إيران، التي كلما زاد دورها في الإعمار رسخت بنيتها العسكرية لمدى أبعد، لكن دورها هذا سيتأثر بوضعها الاقتصادي الضعيف"، مؤكدة أن هناك "مصلحة لإسرائيل في تنفيذ إعادة الإعمار التي ستركز على بناء سوريا من جديد واستقرارها".
وقالت: "كلما كانت سوريا مستقرة أكثر، يتوقع أن تتقلص حرية عمل إيران لزيادة نفوذها وترسيخ وجودها العسكري في سوريا، كما ستتقلص احتمالية صعود جهات جهادية في سوريا"، مبينة أن "إسرائيل تفضل تشكيل نظام مركزي فعال في سوريا، ليكون المسؤول عن عملية إعادة الإعمار، وكل ما يتعلق بالنشاط العسكري في سوريا".
وكشف المركز الإسرائيلي، أن "تل أبيب يمكنها استغلال المصالح المشتركة بينها وبين الدول العربية البراغماتية، للمساعدة في تشكيل قوة عربية ودولية لإعادة إعمار سوريا"، مضيفة: "بواسطة دول الخليج تستطيع إسرائيل تقديم رزم مساعدة مميزة، شريطة أن يتم إبعاد إيران".
ونبه إلى أن ما سبق يخضع لأربعة شروط هي؛ "كبح أي مبادرة تناقش إعادة هضبة الجولان لسوريا؛ تخصيص موارد لإعادة الإعمار لجنوب سوريا وهضبة الجولان السورية، تقليص نفوذ إيران وإبعاد مبعوثيها عن حدود الجولان؛ منح أولوية لروسيا في مشاريع اقتصادية لإعادة الإعمار من خلال التعهد بعدم إشراك إيران".
ولفتت الدراسة إلى ضرورة أن "تنسق إسرائيل مع الولايات المتحدة العامل المؤثر في الأجسام المالية المهمة في العالم، بربط إعادة الإعمار بخروج القوات الإيرانية من سوريا".
اقرأ أيضا: جنرال إسرائيلي: خمسة مآخذ على تبني مهاجمة إيران داخل سوريا
وفي نهاية الدراسة، نوه المركز إلى أن "عملية إعمار سوريا تطرح معضلة بالنسبة لإسرائيل، حيث توجد لإسرائيل مصلحة في دعم جهود الإعمار التي تقودها الدول الغربية والعربية، شريطة أن يتم إبعاد إيران، وإذا لم يتحقق هذا، سيجد الأسد صعوبة في تشكيل نظام جديد وترسيخ سيطرته والبدء في عملية إعادة إعمار مالية واقتصادية واجتماعية، وهنا ستزداد احتمالية اندلاع العنف من جديد، وهذا وضع ستستغله طهران لتوسيع نفوذها".
ومن هنا، "يجب على إسرائيل أن تبني رؤية لتدخل غير مباشر في عملية إعادة إعمار سوريا مع دول عربية سنية أو مع دول غربية، حتى دون ضمان لإبعاد إيران من سوريا، بمعنى التخلي عن "لعبة المجموع الصفري" أمام إيران فيما يتعلق بنفوذها في سوريا".
خبير إسرائيلي: سوريا مقسمة بين عصابات الجريمة وفرق التشيع
هكذا قرأ كاتب إسرائيلي إقرار واشنطن "قانون قيصر" ضد الأسد
إسرائيل تسأل: ماذا يجري بين قوات روسية وإيرانية بسوريا؟