لتجنب مسألة إعادتهم إلى موطنهم التي تثير جدلا كبيرا واستحالة محاكمتهم في سوريا، تعرب عائلات المقاتلين الأجانب ومدافعون عن حقوق الإنسان عن قلق كبير إزاء إمكانية أن تجرى محاكمة هؤلاء في العراق.
وسبق لهذا البلد المجاور الذي حاكم مئات الأجانب من مقاتلي تنظيم الدولة، أن استقبل جهاديين اعتقلوا على الأراضي السورية.
ففي آب/أغسطس الماضي، حضرت وكالة فرانس برس محاكمة الفرنسي لحسن قبوج (58 عاما)، الذي أكد للقضاة العراقيين أنه اعتقل من قبل الجيش السوري الحر، قبل أن ينقله جنود أمريكيون إلى العراق.
اقرأ أيضا: قوات سوريا الديمقراطية تبدأ المعركة الأخيرة ضد تنظيم الدولة
وفي حال تكرر هذا السيناريو على أكثر من ستين فرنسيا بالغا من سجناء الأكراد في سوريا، وفقا لمصادر فرنسية، فإن هذا الأمر "سيكون مأساويا"، بحسب ما تقول فيرونيك روي العضو في "مجموعة العائلات المتحدة" التي تضم 70 عائلة فرنسية التحق قريب لها بمناطق يسيطر عليها تنظيم الدولة.
"خطر التعذيب"
تؤكد بلقيس ويلي من هيومن رايتس ووتش، أنه بمجرد وصولهم إلى العراق فإن "هناك خطر أن يتعرضوا للتعذيب وأن يخضعوا لمحاكمات غير عادلة".
وتضيف أن القوات الأمريكية سبق أن قامت "في خمس حالات على الأقل (...) بتسليم معتقلين أجانب إلى قوات مكافحة الإرهاب العراقية".
وفي العراق، قوات مكافحة الإرهاب هي المسؤولة عن عمليات التحقيق والاستجواب قبل المحاكمة، لتستقي ما أمكن من معلومات عن تنظيم الدولة الذي كان يحتل نحو ثلث مساحة البلاد.
فإلى جانب قبوج، نقل الأمريكيون من المناطق الكردية السورية إلى العراق أستراليّا لبنانيّا تمت محاكمته وحكم عليه بالإعدام، بحسب المنظمة الحقوقية.
وأمام المحاكم في بلدانهم، يمكن لمحامي المقاتلين أن يزعموا أن موكليهم اختطفوا في سوريا.
وبالتالي، فإن محاكمتهم في العراق تضمن للبلدان الأصلية عدم إثارة هذه النقطة، بحسب ما يؤكد مراقبون، مستندين إلى حالات قبوج وآخرين.
وتشير مصادر عدة إلى أن إجراء محاكمات في بغداد، سيضمن لدول المقاتلين المفترضين الأصلية، أحكاما أشد بكثير من المحاكم الغربية.
وبحسب مصادر قضائية عراقية، فقد حكمت محاكم بغداد على أكثر من 300 من الجهاديين (بينهم مئة أجنبي) بالإعدام أو السجن مدى الحياة، بتهمة الانتماء إلى تنظيم الدولة.
ومسألة محاكمة هؤلاء في سوريا ليست بالسهلة، خصوصا على الصعيد القانوني، إذ إن أكراد سوريا ليسوا دولة والعلاقات الدبلوماسية بين باريس ودمشق مجمدة.
وتدفع الولايات المتحدة التي قررت الانسحاب من سوريا، حاليا البلدان الأصلية باتجاه إعادة مواطنيهم السجناء لدى حلفائهم الأكراد.
أما باريس التي شهدت في السنوات الأخيرة هجمات تم التخطيط لها أحيانا من سوريا، فكانت تعارض حتى الماضي القريب عودتهم.
اقرأ أيضا: "عربي21" تحاور قياديا سابقا بـ"النصرة" حول تجربته بسوريا
"اختصاص المحاكم العراقية؟"
لكن مع قرار الأمريكيين الرحيل عن سوريا، تقول باريس الآن إنها تدرس "كل الخيارات"، بما في ذلك إعادتهم إلى الوطن.
وأعلنت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي من بغداد، الجمعة، أنه يجب "تجنب هروب عدد من الجهاديين".
وفيما لا يزال الصمت عنوان السلطات السياسية والقضائية العراقية، يؤكد الخبير في "الحركات الجهادية" هشام الهاشمي، أن كل شيء تم التفاوض عليه "على أعلى مستوى من السرية"، لافتا إلى اتفاق مرض للطرفين.
فمن جهة، لا يتعين على البلدان الأصلية التعامل مع عمليات عودة صعبة أو إجراء محاكمات علنية تثير ضجة لدى الرأي العام.
من جهة أخرى، ستزود تلك البلاد العراق "بأسلحة متطورة ومعدات عسكرية ثقيلة"، بحسب الهاشمي، المطلع على تفاصيل السياسة الأمنية العراقية.
ولكن "كيف يمكن تبرير اختصاص المحاكم العراقية؟" لمحاكمة أشخاص "صادرة بحقهم مذكرات اعتقال في فرنسا" على خلفية أفعال ارتكبت على الأراضي السورية، يتساءل المحامي فنسان برنغارث، المسؤول عن ملفات عدد من الفرنسيين الموجودين في سوريا، وبينهم مارغو دوبروي.
"تعاقد"
يسمح قانون مكافحة الإرهاب العراقي بتوجيه الاتهام إلى أشخاص غير متورطين بأعمال عنف، لكن يشتبه في تقديمهم مساعدة للجهاديين. وينص على عقوبة الإعدام بتهمة الانتماء إلى الجماعات الجهادية حتى لغير المشاركين في أعمال قتالية.
اقرأ أيضا: الجيش الأمريكي يستعد لسحب كل قواته من سوريا نهاية إبريل
وفي هذا الإطار، يقول الهاشمي إن القضاة العراقيين يمكنهم الاستناد إلى تلك النقطة، إذ إن "العراق يحاكم كل من مر بأراضيه، حتى وإن لم يقاتل في البلاد بل إنها كانت معبرا له للدخول إلى سوريا".
ويمكن لذلك أن يثير قلق مئات الأجانب، إذ إن دولة "الخلافة" كانت يوما تمتد على مساحات شاسعة من العراق إلى سوريا، بحسب قوله.
وحكم على العديد من الأجانب المدانين بالإعدام في العراق. لكن الفرنسيين الثلاثة قبوج وميلينا بوغدير (28 عاما) وجميلة بوطوطعو (29 عاما)، حكم عليهم بالسجن المؤبد، وهو ما يعادل 20 عاما في العراق.
لكن روي تعتبر أنه "لإلقاء الضوء على هذا النزاع، فيجب أن تتم العدالة في فرنسا أيضا، ولا يتعين على فرنسا التعاقد" مع دولة أخرى.
"قسد" تعلن محاصرة تنظيم الدولة قرب الحدود مع العراق