أثارت مشاركة خالد ثروت، نائب وزير الخارجية المصري للشؤون الآسيوية، ضمن وفد دبلوماسي، باحتفالات مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة بالذكرى الأربعين للثورة الإيرانية، الكثير من الاستفهامات، باعتبارها المرة الأولى التي يشارك فيها شخصية على هذا المستوى في الاحتفالات الإيرانية.
الخبراء الذين تحدثوا لـ "عربي21" أكدوا أن جديد الاحتفال، لم يكن فقط في حضور المسؤولين رفيعي المستوى، وإنما في التصريحات التي خرجت عن رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية ناصر كنعاني عن حرص بلاده على أمن واستقرار مصر.
وكان كنعاني أكد في كلمته كذلك أن القاهرة وطهران سوف يطوران علاقاتهما "التاريخية" عاجلا أم آجلا، معلنا استعداد بلاده لسلك هذا المسار، حال وجود إرادة سياسية لدى القاهرة.
الحكومة المصرية من جانبها لم تعلق، على تناول الإعلام العالمي، لمشاركة الوفد المصري بالاحتفال، كما لم يصدر عنها أية تعليقات حول تصريحات السفير الإيراني عن تطور علاقة بلاده بالقاهرة.
وربط الخبراء ما جرى في الاحتفال، بالتطورات الدولية المتعلقة بإيران، حيث تتزامن الاحتفالات الإيرانية مع عقد مؤتمر وارسو، والذي يعد الملف الإيراني الأول بجدول أعماله.
منتصف العصا
من جانبه يؤكد مساعد وزير الخارجية المصري السابق عبد الله الأشعل لـ "عربي21" أن العلاقات المصرية الإيرانية، تحدده عدة معايير، أهمها أن النظام المصري يتعامل مع هذه العلاقات بسياسة شعرة معاوية، ففي الوقت الذي يتعامل فيه مع إيران بشكل غير مباشر بعدة ملفات، يخرج بتصريحات ضدها في ملفات أخرى.
اقرأ أيضا: هكذا احتفلت القاهرة بذكرة الثورة الإيرانية
ويضيف الأشعل أن النظام الإيراني هو الأكثر حاجة لمصر، حتى لو كان البعض يرى أن توجهات النظام المصري لا تتماشى مع التوجهات الإيرانية، بينما يؤكد الواقع أن توجهات كلا النظامين متطابقة لحد كبير، على خلاف الأنظمة السابقة بمصر وتعاملت مع ملف العلاقات الإيرانية بدءا من نظام أنور السادات، ثم نظام حسني مبارك، وانتهاء بنظام الدكتور محمد مرسي رغم أنه لم يستمر إلا عاما واحدا.
ويشير الأشعل إلى أن "نظام عبد الفتاح السيسي يمسك عصا العلاقات مع إيران من المنتصف، فهو يتعاون مع إيران في سوريا، بأشكال مختلفة تشمل الدعم المخابراتي، والمشاركة العسكرية مع نظام بشار لمواجهة قوات المعارضة، وعلى الجانب الآخر يعلن السيسي دعمه للسعودية ضد أي خطر يهددها أيا كان مصدر هذا الخطر"، على حد قوله
وحسب مساعد وزير الخارجية السابق، فإن نظام السيسي يتعامل في الملف الإيراني وفق المصلحة، والعائد الذي يمكن أن يحققه من وراء شكل هذه العلاقة، فهو عمليا ليس مع أو ضد إيران، ولكن يرهن تحركه لإحدى الجهتين بما يمكن أن يقدمه له أعداء إيران من أموال أو مميزات تدعم نظامه.
ويرى الأشعل أن تصريحات السيسي السابقة عن حماية أمن الخليج وعبارته الشهيرة "مسافة السكة" كانت للاستهلاك الإعلامي فقط، في ظل قناعة دول الخليج بأن أمنها مرتبط بالولايات المتحدة وليس بمصر، كما أن إيران إذا قررت خوض حرب في الخليج فهي تعلم أيضا أن المعركة ستكون ضد واشنطن وتل أبيب وليس ضد الرياض أو أبو ظبي أو حتى القاهرة.
سياسة المصالح
ويتفق الباحث السياسي المختص بالشؤون الإيرانية إبراهيم المهدي، مع رأي الأشعل بأن نظام السيسي ليس لديه مانع من اتخاذ موقف إيجابي أو سلبي ضد إيران طالما حصل على المقابل من وراء ذلك، مبررا عدم تعاطي القاهرة الإيجابي مع الدعوات الأمريكية بتشكيل ناتو عربي، بأنه يأتي ضمن حسابات المكاسب والخسائر التي يمكن أن يحققها السيسي من هذا الموضوع.
اقرأ أيضا: مصر تخاطب إيران للإفراج عن صياديها المحتجزين
ويضيف المهدي لـ "عربي21" أن حضور نائب وزير الخارجية المصري في احتفالات الذكرى الأربعين للثورة الإيرانية، له الكثير من الدلالات الهامة حول تطور التعاطي المصري مع مفهوم الثورة الإيرانية، وبالتالي لا يجب قراءة حضور المسؤول المصري، من باب الدبلوماسية والمجاملات المعتادة في مثل هذه المناسبات، لأن هذه المناسبة على وجه التحديد لها دلالة مختلفة، كما أنه لا يمكن اعتبار ذلك أيضا بأنه إعلان لعودة العلاقات السياسية أو تطورها بشكل ملموس.
وعن العلاقة بين تصريحات السفير الإيراني عن استعداد بلاده لتطوير العلاقات مع مصر وحرص طهران على أمن واستقرار القاهرة، يؤكد المهدي أن هذه التصريحات يجب قراءتها في ظل الموقف المصري المتردد من نتائج مؤتمر وارسو الذي تحاول أمريكا من خلاله وضع إيران بين طرفي كماشة دول المنطقة بما فيها مصر وإسرائيل.
ووفقا للباحث بالشؤون الإيرانية، فإن طهران تعلم جيدا أن مصر ليست مثل السعودية، فيما يتعلق بترتيبات الأمن في المنطقة، كما أنها تعلم أن القاهرة لن تنضم لأي تحالف إقليمي سواء كان عسكريا أو سياسيا ضد إيران، طالما كان تحت قيادة إسرائيل، أو إذا لم تتلق طلبا مباشرا ومحددا من أمريكا مصحوبا بعدة تهديدات صريحة من واشنطن لدفع السيسي للمشاركة في مثل هذه التحالفات، وهو ما لم يحدث حتى الآن، وفي ذات الوقت يحظى بمتابعة دقيقة من طهران.