الكتاب: "الإسلاميون ما بعد الربيع العربي: نهاية مشروع أم إرهاصات موجة جديدة؟"
المؤلف: بلال التليدي
الطبعة الأولى 2019
ص: 256
يواصل الكاتب والباحث المغربي بلال التليدي، في كتابه الجديد "الإسلاميون ما بعد الربيع العربي: نهاية مشروع أم إرهاصات موجة جديدة؟" رصد تحولات النظر إلى الإسلام السياسي، من خلال تفكيك أهم المقاربات النظرية التي تصدت لدراسة تجارب الإسلاميين من المعارضة إلى الحكم.
وإذا كان الجزء الأول من العرض لكتاب التليدي، قد ألقى الضوء على نقده لأطروحة "فشل الإسلام السياسي"، فإن الجزء الثاني سيعرض لأطروحات "استئصال الإسلام السياسي"، و"تحولات الإسلام السياسي"، ثم أخيرا لـ"ما بعد الإسلام السياسي".
في نقد أطروحة الاستئصال:
ويتناول التليدي ضمن تجربة الاستئصال مخرجات مركزين أساسيين من مراكز البحث الأمريكية، "راند" و"معهد واشنطن"، الذي خصهما بكتابين مستقلين، ويستعرض مضمون ورقة "الإسلام المدني الديمقراطي"، التي تعكس وجهة نظر أمنية تركز على إحداث تعديلات على فهم الإسلام، والبحث عن تحالفات قوية لتقوية التفسيرات المعتدلة والحداثية للإسلام، وما يقتضيه ذلك من تحديد الحلفاء ونوع التحالفات التي من الممكن الرهان عليها لمحاصرة الأصوليين والمتطرفين، كما أنه يستعرض أطروحة "معهد واشنطن" التي تنطلق من تصور خاص للمصلحة الأمريكية في المنطقة العربية، تقوم على قاعدة أن المدخل لتحصين هذه المصالح الأمريكية لم يعد هو دعم الأنظمة الاستبدادية، وإنما يقوم على قاعدة دعم التغيير والدمقرطة في العالم العربي، واعتبار ذلك المفتاح الأساسي لتحقيق الاستقرار والحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة.
إقرأ أيضا: باحث فرنسي يدافع عن أطروحة "الإسلام السياسي صوت الجنوب"
وحيث إن هذه المفاهيم الجديدة التي تقوم على فكرة دعم التحول السياسي في المنطقة، يعترضها تحد كبير يتمثل في عدم التحكم في نتائج الديمقراطية، وإمكان بروز الإسلاميين كفاعل أساسي في العملية السياسية، وربما صعودهم إلى السلطة، فإن معهد واشنطن ـ حسب التليدي ـ يقدم جوابه إزاء هذا التحدي ببيان نظرته للإسلاميين وشكل تعاطيه البحثي معهم.
يتلخص هذا الجواب في التنظير لديمقراطية الاستثناء أو ديمقراطية التمييز، التي تعني المضي في مسارين متوازيين: الدمقرطة ومحاربة الإسلاميين، الذين يمثلون خطرا على الديمقراطية، ويشكلون أكبر تحد يواجه الولايات المتحدة الأمريكية، وينتقد التليدي أطروحة الاستئصال في نموذجيها، ويكشف تناقضاتها، وتحيزاتها الإيديولوجية، ويخلص إلى أنها لا تقدم إسهاما معرفيا في فهم الظاهرة والاقتراب منها، وإنما تتجاوز هدف الفهم، وتسعى إلى أن تحقق أهداف في السياسة، إذ تبحث عن كل الحجج التي تؤكد أن الإسلاميين يمثلون تهديدا للاستقرار والديمقراطية والمصالح الغربية، وأن هذه الطبيعة التي تميزهم تجعل من الضروري أن تتحول وظيفة الفهم إلى أداة بيد السياسة، لفرز المكونات الثقافية والسياسية، وتحديد الحلفاء الذين يمكن التعاون مهم وتنشئة الحلفاء الذين يمكنهم الاضطلاع بهذه المهمة، والرهان على الفاعلين المحليين حتى لا ينسب إلى أمريكا التدخل في شؤون الإسلام.
في نقد أطروحة التحولات
ويمثل لها التليدي بمعهد "كارنيغي" و"بروكينغز" والمراكز التي تحذو حذوهم في الإقرار بالدور الذي يمكن أن يلعبه الإسلاميون في تحقيق التحولات السياسية، ويعتبر أن أطروحة التحولات تقوم على افتراض دور للإسلاميين في السياسة وقبول أمريكي بهذا الدور مشروط بضرورة انخراطهم في تحولات فكرية وسياسية، تجتهد هذه المراكز في حصر لائحتها، وأحيانا تمطط عناصر هذه اللائحة، فتتعدى القضايا الفكرية إلى القضايا الحساسة التي تشمل الموقف من السلام ومن العدو الإسرائيلي.
إقرأ أيضا: قراءة في كتاب جزائري عن "الإسلام السري" وأسئلة الراهن
وتقوم هذه الأطروحة على أن الإسلاميين المعتدلين يمكن أن يحدثوا تحولات مهمة في سلوكهم السياسي، وأن ذلك رهين باندماجهم السياسي، ورسوخ مشاركتهم في العملية السياسية. ومع إقرار التليدي بوجه الاستفادة التي أفادها الإسلاميون من أطروحة التحولات في محاصرة الأنظمة الاستبدادية وتفنيد التهم التي كانت تشرع استئصال الإسلاميين وإقصائهم، إلا أنه في المقابل، ينتقد بشدة هذه الأطروحة، ويعتبر أنها تفترض نموذجا معيارا للاعتدال، مثلها مثل المراكز البحثية التي أسست لفكرة الاستئصال، وتدفع الإسلاميين للتماهي مع هذا المقاس أو النموذج المعياري، ويسجل التليدي في تتبعه لمسار هذه الأطروحة، أنها تكثفت بشكل كبير ما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 و2010، إذ تكثف اهتمامها بتتبع سلوك مختلف أطياف الإسلاميين ودراسة تحولاتهم، لكن ما إن جاء الربيع العربي، حتى سقطت هذه الأطروحة بالكامل، وتم الانتقال بعدها إلى أطروحة ما بعد الإسلاميين لما تباطأ الإسلاميون عن اتخاذ موقف داعم للثورات، وبرز دور الحركات الاجتماعية، ثم استكملت مسار سقوطها مع صعود الإسلاميين إلى مربع الحكم، لاسيما في مصر، وارتفاع الإشكال الاستراتيجي في المنطقة، إذ بدأ الانعطاف الكلي لأولوية الأمن، وبدأ التأصيل من جديد لأطروحة دعم الأنظمة الاستبدادية وعدم الحاجة لبناء سياسة شرق أوسطية عامة، بل التعاطي مع المشكلات في سياقها اللحظي والقطري، واحدة بواحدة، مع إعطاء أولوية للأمن على قضية ترقية الديمقراطية.
أطروحة ما بعد الإسلاميين
ويمثل لها بإسهامات آصف بيات، وأيضا أوليفه روا الذي انتقل من أطروحة "فشل الإسلام السياسي" إلى أطروحة ما بعد الإسلاميين، ويستعرض مفهومها، والمنطق التجاوزي الذي انحازت إليه، واستمساكها بالحركات الاجتماعية ومميزاتها الإيديولوجية وتوجهاتها الديمقراطية لتفسير تجاوز الإسلاميين، وبروز جيل جديد يتسم من جهة بالتدين والنزوع نحو الديمقراطية والعلمنة، وارتكازها من حيث الحقل المفاهيمي والسوسيولوجي على تحليل طبيعة هذه الحركات والجيل الذي يمثلها، والمضمون الذي يحمله، وغياب دور الإسلاميين لحظة الربيع العربي.
ويرى التليدي أن أطروحة ما بعد الإسلاميين، رغم الجاذبية التي أحدثتها مع تباطؤ موقف الإسلاميين في دعم الثورات، ومع الدور الذي قامت به في سد خلل أطروحة فشل الإسلام السياسي، إلا أنها لم تعمر طويلا، إذ تحدد عمرها الأكاديمي، بتغير موقف الإسلاميين من الربيع العربي، وتراجع دور الحركات الاجتماعية والجيل الذي يمثلها في ديناميات ترتيب الانتقال الديمقراطي، والدور الحيوي الذي قام به الإسلاميون في صياغة الوثيقة الدستورية المؤسسة لرقعة السياسة ما بعد الربيع العربي، فضلا عن فوزهم في الانتخابات وصعودهم إلى مربع الحكم في أكثر من تجربة.
ويأخذ التليدي على هذه الأطروحة تغييبها للعامل الأجنبي، وسكوتها على الدور المشبوه الذي قام به الفاعل ألأجنبي، لاسيما ما يتعلق بإعاقة الديمقراطية وعرقلة خطوات الانتقال الديمقراطي، وتوسيع الشكوك حول التهديد الذي يشكله الإسلاميون على الاستقرار وديمومة المصالح في المنطقة، إذ تركز اهتماها حسب التليدي على إظهار تراجع دور الإسلاميين وانتهاء مهمتهم، وإبراز دور القوى البديلة، مع التركيز على المضمون العلماني الذي يحملونه، وخفة الشعارات الدينية، في تناغم كلي مع الرؤية الأمريكية للاعتدال، والتي تدفع في اتجاه دعم القوى التي تقدم تفسيرا ديمقراطيا للإسلام..
هذا ويتضمن الكتاب خمسة فصول أساسية، تضمن في الأول، نقد أطروحة فشل الإسلام السياسي، وتناول في الثاني، نقد أطروحة الاستئصال، وعرض في الثالث لنقد أطروحة التحولات، لينتهي في الفصل الرابع بنقد أطروحة ما بعد الإسلام السياسي.
وقد خصص الفصل الخامس لتحولات الإسلاميين مركزا على تجاربهم الثلاث، المصرية والتونسية والمغربية، فيما خصص الفصل السادس لتحولات العدالة والتنمية في سياق الأزمة، وختم كتابه بفصل سابع حاول فيه أن يتتبع تحولات السلفيين في المغرب.
إقرأ أيضا: الاستثنائية الإسلامية ودور الإسلام في صوغ المجال العام
الهند.. اغتيال غاندي وجدلية الديني والقومي والسياسي
الهندوس والمسلمون وغاندي في مواجهة احتلال بريطانيا للهند
غاندي كان مسؤولا عن تديين السياسة وتسييس الدين في الهند