مستعد "إذا اقتضت الضرورة" للموافقة على تدخل عسكري أمريكي في بلاده، للإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو، وتسلم السلطة بدلا منه.
وبدت جملته: "في ممارستنا لسيادتنا ولسلطاتنا، سنفعل ما هو ضروري"، وكأنها صدى لجمل إنشائية تردد سماعها سابقا في أفغانستان، عندما تسلم حامد كرزاي (قرضاي) السلطة، بمساعدة من الأمريكيين بعد إسقاط "طالبان"، واحتفى به الغرب باعتباره نموذجا للزعماء الحداثيين.
وسبق أن تردد كلام مشابه في العراق بعد سقوط بغداد تحت الغزو الأمريكي، عبر أكثر من شخصية عراقية من بينهم، أحمد الجلبي، وبعض من تسلم السلطة بعدها.
لا يمتلك خوان خيراردو غوايدو ماركيز المولود في عام 1983 في مدينة غوايرا، سيرة ذاتية عميقة، وتبدو تجربته السياسية القصيرة ضحلة وغير مكتنزة.
ولم يكن خوان غوايدو، معروفا سابقا، فقد تم انتخابه رئيسا للجمعية الوطنية في فنزويلا قبل ثلاثة أسابيع فقط من إعلان نفسه رئيسا للبلاد.
اقرأ أيضا: غوايدو يعلن دخول المساعدات وأتباعه يقتحمون مطارا (شاهد)
وعندما كان غوايدو في فترة المراهقة، اجتاحت الأمطار الغزيرة مدينته، وتسببت بفيضانات مفاجئة دمرت مساحات شاسعة من المدينة، وقتلت عشرات الآلاف من الناس.
وكان غوايدو واحدا من بين سبع إخوة وأخوات، نجوا معا من تلك الكارثة، ودفعته لاحقا إلى معارضة الحكومة، بسبب "عدم استجابتها بشكل فعال لتلك المأساة"، على حد تعبير المقربين منه.
درس غوايدو الهندسة الصناعية في فنزويلا، وأنهى الدراسات العليا في جامعة "جورج واشنطن" في العاصمة الأمريكية، ثم التحق بمدرسة إدارة العمال الخاصة في فنزويلا.
عمله السياسي
بدأ العمل السياسي في عام 2007 مع جيل الطلاب الذين نزلوا إلى الشوارع ضد الرئيس الراحل هوغو تشافيز، ما بين عامي 1999 و2013.
وكان من الأعضاء المؤسسين لحزب "الإرادة الشعبية" في عام 2009، وأصبح أحد قادته في غياب زعيمه الذي أمضى السنوات الأخيرة في السجن أو في الإقامة الجبرية بتهمة التحريض على العنف خلال موجة تظاهرات للمعارضة.
وفي 2010، انتخب غوايدو رئيسا للحزب، وأصبح نائبا ثم رئيسا للبرلمان.
ليكون هذا الرجل طويل القامة ذو الصوت الجهوري، أصغر رئيس للبرلمان، المؤسسة الوحيدة التي تسيطر عليها المعارضة في فنزويلا، بعد أن كان مغمورا.
وقال عنه مادورو: "إنه فتى يتسلى بالسياسة".
ومنذ أن تولى قيادة المعارضة، انتقل من الظل إلى دائرة الضوء، وبات يحظى بمكانة سياسية خارجية فاجأت الجميع.
علاقته بأمريكا
وهناك من دون شك سر عميق وراء حصول هذا المهندس الصناعي المجهول على دعم الولايات المتحدة ومنظمة الدول الأمريكية والبرازيل والبيرو وكندا واليابان ودول أوروبية، وكذلك "إسرائيل"، في حين عارضته دول مثل تركيا وروسيا والصين.
وكانت لقطات توقيفه من الاستخبارات الفنزويلية في بداية العام الجاري، خلال عملية على الطريق السريع، عندما كان في طريقه إلى اجتماع سياسي، قد انتشرت على نطاق واسع، وما لبثت السلطات أن أفرجت عنه خلال ساعة تحت ضغوط الإعلام.
بعد يومين، اتصل به نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، ليشيد بـ"قيادته الشجاعة"، ويعبر عن "دعم حازم" من الولايات المتحدة "للجمعية الوطنية" الفنزويلية، وزعم أنها "الكيان الديمقراطي الشرعي الوحيد في هذا البلد".
اقرأ أيضا: غوايدو يتحدث عن الربيع العربي.. ويناقض نفسه حول إسرائيل
وبدعم خفي من أطراف خارجية، قام غوايدو بمبادرات عدة ضد السلطة التي أسسها الرئيس الراحل هوغو تشافيز، من بينها اقتراح تشكيل حكومة انتقالية.
عداوته لمادورو
ووصف غوايدو غريمه وعدوه اللدود مادورو بأنه "مغتصب للسلطة" ووعد بإصدار "عفو" عن العسكريين الذين يقبلون الانضمام إلى المعارضة.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومنذ اليوم الأول لحركة غوايدو اعتبره الرئيس "الشرعي" للبلاد، ووجه قبل أيام دعوة للجيش الفنزويلي إلى قبول عرض العفو الذي قدمه غوايدو، وإلا "خسارة كل شيء".
ترامب أمام مناصريه البيض والمتعصبين له في ميامي قال: "لدي رسالة لكل مسؤول يساعد في إبقاء مادورو في منصبه. أنظار العالم بأسره مسلطة عليكم اليوم، وكل يوم، وفي الأيام المقبلة".
وتابع: "لا يمكنكم الاختباء من الخيار الذي يواجهكم، يمكنكم أن تختاروا قبول عرض العفو السخي الذي قدمه الرئيس غوايدو والعيش بسلام مع عائلاتكم ومواطنيكم. أو يمكنكم اختيار المسار الثاني: مواصلة دعم مادورو. إذا اخترتم هذا المسار لن تجدوا ملاذا آمنا، لن تجدوا مخرجا سهلا، لن يكون هناك سبيل للخروج. ستخسرون كل شيء".
واعتبر ترامب أن حكم الاشتراكيين في فنزويلا أدى إلى "نتائج كارثية ودمر اقتصاد البلاد، حيث وصلت نسبة التضخم إلى مليون بالمئة، ما أدى لمغادرة 3 ملايين شخص البلاد".
وبشر بأن "نهاية الاشتراكية" وصلت إلى دول نصف الكرة الأرضية الغربية، وباتت أيامها معدودة في كل من فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا وغيرها من الدول.
لكن تهديد ووعيد ووعد ترامب لم يبق دون رد من الجيش الفنزويلي، الذي سارع إلى إعلان "حالة تأهب" استعدادا لمواجهة أي خرق لحدود البلاد، وكرر تأكيد ولائه "الذي لا يتزعزع" للرئيس مادورو.
ولا يمكن لأي تحرك لإسقاط مادورو أن ينجح دون مساعدة الجيش الذي يبدو متماسكا ومساندا لشرعية الرئيس المنتخب لولاية جديدة.
الأزمة الإنسانية
وبعد أن فشلت محاولة واشنطن تنحية مادورو بإثارة الشغب في الشوارع، وضغط العقوبات، والمضايقات الدولية، وإغراء المؤسسة العسكرية، جاء الحديث عن سيناريو جديد متوقع وهو "الأزمة الإنسانية"، حتى لا يجري الحديث عن أي عدوان عسكري مباشر، إنما، على العكس من ذلك، إجراء لضمان إيصال "المساعدات الإنسانية". وربما يكون بتفويض من مجلس الأمن أيضا.
ونظرا لسياسة ترامب التي توصف بالتهور على لسان سياسيين أمريكين، وميله للقرارت المتسرعة، فمن المرجح جدا أن يتم غزو فنزويلا من جهة كولومبيا والبرازيل المجاورتين، من قوات أمريكية وكولومبية وبرازيلية، بعد أن يتم إيصال "المساعدات الإنسانية" الأمريكية "المزعومة" -على حد تعبير مادورو- إلى مدينة كوكوتا الكولومبية، وإلى ولاية رورايما البرازيلية المتاخمتين لفنزويلا.
ويخشى على نطاق واسع اختيار أمريكا الخيار العسكري ضد مادورو، بعد يأسها من قدرة قوى المعارضة الداخلية على الإطاحة بالأخير. إلا أن البيت الأبيض، غير متأكد من نتيجة العملية، لأن الجيش الفنزويلي وقيادته إلى جانب مادورو، وهو مسلح ومدرب بشكل جيد.
ربما يكون هذا هو العامل الأهم الذي أوقف الأمريكيين حتى الآن.
ولا تجد الولايات المتحدة حرجا كبيرا في التدخل في شؤون جاراتها في أمريكا اللاتينية.
وبدأ التدخل الأمريكي في شؤون دول أمريكا الجنوبية منذ القرن التاسع عشر، حين غزت في عام 1846 المكسيك، وسيطرت على نصف أراضيها، ما يشكل الآن معظم الولايات الغربية.
وفي عام 1903، دبرت استقلال بنما عن كولومبيا، لتسيطر على قناة بنما الاستراتيجية. كما أنها دعمت في عام 1954 انقلابا أطاح برئيس غواتيمالا جاكوبو أربينز.
وكان التدخل الأكثر صخبا في عام 1961، حين غزت خليج الخنازير للإطاحة بالزعيم الكوبي فيدل كاسترو، وبعدها بعامين تدعم انقلابا أطاح بالرئيس البرازيلي خواو غوالارت.
ثم في عام 1989، قامت بغزو بنما، للإطاحة برئيسها مانويل نوريغا. وفي 2002، دعمت محاولة انقلاب أطاحت بالرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز لمدة يومين، قبل أن يستعيد السلطة مرة أخرى.
ومن بينها أيضا دعمها في عام 2009 الانقلاب في هندوراس، الذي أطاح بالرئيس مانويل زيلايا.
وبلغ إجمالي الخسائر الناجمة عن القيود الأمريكية ضد فنزويلا منذ 2013 بنحو 345 مليار دولار.
وهذه القيود غير القانونية تهدف إلى خنق الاقتصاد الفنزويلي، وزيادة معاناة المواطنين العاديين في البلاد، كما أن حظر واشنطن حسابات الشركات المملوكة للدولة الفنزويلية في البنوك الأمريكية فاقم المشكلة الاقتصادية.
وفي تحلليها لاستفزاز واشنطن بـ"قصة المساعدات"، ترى موسكو بأن الولايات المتحدة تسعى "لإحداث اختراق"، من أجل استفزاز حرس الحدود والعسكريين الفنزويليين لاستخدام القوة، وتراهن نتيجة لذلك على الانقسام في الأوساط العسكرية، ما يستدعي اللجوء إلى "خيار عمل عسكري خارجي".
ويتوجه الآلاف من أنصار المعارضة الفنزويلية إلى الحدود لتسلم "المساعدة الإنسانية" التي أرسلتها الولايات المتحدة والبرازيل. لكن الجيش الفنزويلي الداعم لمادورو أكد عزمه على منع ذلك.
ويعتبر مادورو أن هذه المساعدة تشكل تمهيدا لتدخل عسكري أمريكي. لكن منافسه غوايدو لا يمانع في ذلك، وهو مستعد لقبول هذا الخيار إذا كان قد يوصله للسلطة.
"المرأة الخارقة" بمواجهة ألغاز محيّرة بمقتل خاشقجي (بورتريه)