أجمع مختصون على خطورة "استراتيجية السلام الاقتصادي" الإسرائيلية التي تتبنى تسويقها الإدارة الأمريكية في المنطقة العربية، مؤكدين أنها تصب في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي على حساب ضياع الحقوق الفلسطينية وهدر المصالح العربية.
وأوضح الخبير في الشأن الإسرائيلي إبراهيم أبو جابر،
أن "مشروع السلام الاقتصادي قديم جديد، منذ أيام غولدا مائير (رئيس حكومة
الاحتلال منذ 1969 حتى 1974) وموشيه ديان وشمعون بيرس، يتم طرحه من أجل إشغال
الفلسطينيين بلقمة العيش وجمع المال ونسيان الحقوق السياسية والوطنية".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "الشعب
والمنظمات الفلسطينية أفشلت هذا المشروع، ولكن الاحتلال لا يزال يعول على هذه
الاستراتيجية بالتعاون مع بعض أذنابهم في الدول العربية وخاصة الخليجية، عبر إحداث
تنمية اقتصادية وتحسين أوضاع الفلسطينيين، بهدف نسيان قضيتهم عبر إشغالهم بالمال
والتجارة".
ونوه أبو جابر إلى أن ما سبق ذكره "يندرج ضمن
مشروع السلام الإقليمي الذي يطرحه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ويصب في
صالح صفقة القرن"، موضحا أن "هناك العديد من المناطق والمشاريع الصناعية
التي يجري التجهيز لها في جنين والأغوار، إضافة لمشاريع اقتصادية ضخمة تبنى جهة
رام الله وخاصة مشروع الإسرائيلي رامي ليفي، وعلى مستوى غزة يفكرون في بعض الأمور
مثل؛ مناطق صناعية في البحر وغيرها".
اقرأ أيضا: تحقيق أممي يكشف عن جرائم حرب إسرائيلية بغزة العام الماضي
وحذر من "الخطورة الكبيرة المترتبة على السلام
الاقتصادي، لأنه يؤدي إلى وأد المشروع الوطني الفلسطيني وتمييع القضية واستيلاء
إسرائيل على المزيد من الأرض، إضافة للتطبيع العربي الرسمي مع الاحتلال على حساب
القضية الفلسطينية".
وحول تقديره لمستقبل هذا المشروع، استبعد الخبير
"نجاح مشروع السلام الاقتصادي رغم الجهود الكبيرة التي تبذل من قبل جهات
مختلفة، ورغم حالة البؤس والفقر والحصار التي يعيشها الشعب الفلسطيني وانسداد
الأفق السياسي"، مضيفا أن "هذا المشروع سيفشل طالما لم يحصل الشعب
الفلسطيني على حقوقه الوطنية كاملة، ولن يحصل استقرار أمني ولا سياسي ولا حتى
اقتصادي في المنطقة".
من جانبه، نوه أستاذ العلوم السياسية هاني البسوس
إلى أن "السلام الاقتصادي تم طرحه كحل بديل عن الحل السياسي، وهي فكرة
إسرائيلية بدعم أمريكي".
انعاش اقتصادي
وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "هذه
الفكرة، تبنتها أمريكا لأنها تؤدي إلى الهدوء في المنطقة حيث يتم فتح مناطق صناعية
واستثمارات أجنبية، وفي المقابل لا حديث عن القدس أو عودة اللاجئين ولا حدود 1967".
وقدر البسوس، أنه "بموجب هذه الاستراتيجية،
سيتم سحب البساط من تحت أقدام القيادة الفلسطينية، بعد تعويم المنطقة بالمال
والعمل والتشغيل على حساب القضايا السياسية والحقوق الوطنية"، مضيفا أنه "هكذا قد يتم التوصل لحل جزئي للقضية الفلسطينية يتعلق بمعالجة القضايا
الاقتصادية والحياتية فقط".
أما الباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
منصور أبو كريم، فقد بين أن "كل الجهود الأمريكية في عملية السلام قامت في
الأساس على فكرة السلام الاقتصادي وتطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية، ومنذ
انطلاق مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 فقد تفرع عنه مساران للمفاوضات"..
وأأوضح في حديثه لـ"عربي21" أنهما "مسار
ثنائي بين إسرائيل وكل دولة عربية؛ وهو ما أنتج اتفاق أوسلو ووادي عربة، ومسار
جماعي كان يضم الأطراف الإقليمية بما فيها إسرائيل، وهدف إلى تنمية العلاقات
المشتركة وإقامة سوق شرق أوسطية للتبادل التجاري والثقافي".
اقرأ أيضا: المساعدات الخارجية للفلسطينيين تصطدم بشروط الممولين
وذكر أبو كريم أن "اعتماد استراتيجية السلام الاقتصادي
كأساس لحل القضية الفلسطينية من قبل إدارة ترامب ليس بالأمر الجديد، لأنه جاء
استكمالا لجهود إدارة باراك أوباما السابقة التي طرحت في 2015 نفس الفكرة ولكن في
سياق دولة فلسطينية على أساس حل الدولتين، وطرحت إدارة أوباما تلك خطة إنعاش
اقتصادي تعتمد على ضخ استثمارات تقدر بـ 4 مليارات دولار في السوق الفلسطينية".
ولفت إلى أن "المختلف في استراتيجية ترامب في
إطار ما بات يعرف "بصفقة القرن" هو تبنيها لوجهة نظر اليمين الإسرائيلي
بالكامل، والتي تقوم على الحل الاقتصادي من جانب والحكم الذاتي من جانب آخر"،
مؤكدا أن "الخطورة في ارتكاز صفقة القرن والرؤية الأمريكية على أساس اقتصادي،
أنها ستؤدي إلى تحويل مسار القضية الفلسطينية، من قضية حقوق سياسية لشعب تحت
احتلال إلى قضية إنسانية إغاثية".
تذويب الثوابت
ورأى الباحث أن "الهدف الرئيسي لإسرائيل من جعل
الطرح الأمريكي أساسه الحل الاقتصادي، هو طمس الحقوق الوطنية في الحرية والاستقلال
وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، إلى الحديث عن مساعدات وتحسين
الوضع الاقتصادي والمعيشي في إطار حكم ذاتي".
وتابع: "وهذا هو جوهر الصفقة الأمريكية التي
تسعى لتصفية القضية بهدف إعادة ترتيب المنطقة من جديد، على أساس جعل إسرائيل دولة
محورية في المنطقة، في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد".
من جهته، أكد رئيس معهد فلسطين للدراسات
الاستراتيجية إياد الشوربجي، أن "فكرة السلام الاقتصادي هي إحدى الأدوات
المطروحة لتمرير المشروع الأمريكي لتصفية القضية الفلسطينية، عبر تذويب ثوابت
ومكونات القضية وتجاوز حلها ومد الجسور الإسرائيلية نحو العالم العربي، وكذلك خلق
شراكات اقتصادية بين الاحتلال والدول العربية".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "هذا
يعني تضييع الحقوق الفلسطينية، وإنهاء حلم الشعب الفلسطيني في التحرر والعودة
والانعتاق من الاحتلال وتقرير مصيره، وكذلك دمج الاحتلال في المنطقة العربية،
وتسيده بشكل كامل على دول المنطقة التي ستبقى ضعيفة ومتخلفة وتابعة للغرب الذي
تمثله دولة الاحتلال".
اقرأ أيضا: مخاوف إسرائيلية من فرض "أوسلو 2" عقب دخول جنرالات للانتخابات
وأكد الشوربجي، أن "هذه الأفكار لا تصب إلا في
مصلحة الكيان الصهيوني سياسيا واقتصاديا وثقافيا على حساب الحقوق الفلسطينية
والمصالح العربية".
وفي تصريحات صحفية له حول "صفقة القرن"،
ربط مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر، أن بين "المسارين السياسي
والاقتصادي"، معتبرا أن "الحد من التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين من
شأنه أن يحسن فرص الاقتصاد الفلسطيني"، وفق ما نقلته قناة "كان"
العبرية.
وأضاف أنه "إذا تمكنا من إزالة الحدود، وإحلال
السلام بعيدا عن الترهيب، فيمكن أن يضمن ذلك التدفق الحر للناس والسلع ويؤدي إلى
إيجاد فرص جديدة".
وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن
"الجزء الاقتصادي من خطة السلام الأمريكية يتضمن استثمار حوالي 25 مليار
دولار في المناطق الفلسطينية على مدى عشر سنوات، وأربعين مليار دولار في مصر
والأردن وربما لبنان"، موضحة أن "الجزء الأكبر من الأموال سيأتي من الدول
الشرق أوسطية الغنية".