القاسم المشترك في أحاديث السيسي هو زعمه أنه يحارب الإرهاب نيابة عن العالم. ويهدف من ترسيخ هذا المفهوم الكاذب إلى إيصال رسالتين، إحداهما داخلية والأخرى خارجية، أما الرسالة الداخلية فهي للمصريين، شأنه شأن كل المستبدين من خلق عدو وهمي أو عملقة عدو قزم ونفخ النار فيه، ووضع الشعب دوما تحت مقصلة الخوف والرعب، وتأصيل عدم جواز مطالبة المصريين بحقوقهم الأساسية، والدولة تحارب الإرهاب لتوفير الأمن.
وأما الرسالة الثانية فيوجهها للعالم الخارجي، كما كان يفعل سلفه مبارك، وهي أن يمثل لهم السد المنيع لعدم انطلاق الإرهابيين بعملياتهم الإرهابية إلى الغرب وغزوه. ونحن هنا لا ندافع عن الإرهاب أو ننفي وجوده، ولكنا نؤصل لمفهوم الإرهاب وسبل مكافحته.
لنبدأ أولا بتعريف الإرهاب، ورغم الاختلاف على تعريفه تعريفا جامعا، إلا أنه يوجد تعريف اتفق عليه أغلب المتخصصين، وهو أن الإرهاب "استخدام غير مشروع للقوة ببواعث غير مشروعة يهدف إلى بث الرعب بين الناس، معرضا حياة الأبرياء للخطر، سواء قامت به دولة أو مجموعات أو أفراد، وذلك لتحقيق مصالح غير مشروعة". ويعد انتهاكا للقواعد الأساسية للسلوك الإنساني، ومنافيا للشرائع السماوية والشرعية الدولية حقوق الانسان المفتري عليها في مصر.
نستخلص من هذا التعريف أن الدول من الممكن أن تمارس الإرهاب كما في حالة الأفراد، سواء على مواطنيها أو على الدول المجاورة.
وللوقوف على حقيقة ما يجري، نستطيع القول إنه قد جرت أعمال إرهابية من قبل مجهولين، سواء في سيناء أو في داخل الإقليم المركزي في المحافظات، راح ضحيتها أبرياء، من المدنيين أو من الأجهزة الأمنية. وهذا أمر يرفضه المصريون جميعا ويدينونه.. وفي المقابل، نجد أن الدولة بأجهزتها الأمنية قد قامت بأعمال تصنف على أنها أعمال إرهابية راح ضحيتها أضعاف ضحايا إرهاب الأفراد والجماعات، في ظل ادعائها بمحاربة الإرهاب، لتصبح شريكا أساسيا في زرع ونشر الإرهاب.. نذكر منها بعض الأمثلة لضيق المقام:
- إجبار المواطنين على إخلاء مساكنهم بالقوة الجبرية، سواء في سيناء أو في نزلة السمان أو جزيرة الوراق أو مثلث ماسبيرو، مما نتح عن هذه الممارسات ضحايا بين قتلى ومصابين ومعتقلين.
- قيام الدولة بإحالة عاملين إلى المحاكم العسكرية بالقوة الجبرية، فقط لارتكابهم "جريمة" المطالبة بحقوقهم التي كفلها لهم الدستور والقانون.
- ماذا يعني قيام الدولة بفرض سياسة القتل خارج إطار القانون التي راح ضحيتها منذ كانون الثاني/ يناير 2011 وحتى الآن؛ أكثر من خمسة آلاف مصري، لمجرد أنهم معارضون للظلم والاستبداد ومطالبون بالحرية والكرامة والعدالة، سوى وصف هذه الممارسات بإرهاب الدولة على مواطنيها، وارتكابها جرائم تقع تحت طائلة الإبادة البشرية التي يعاقب عليها القانون الدولي؟
إننا نقر بحقيقة وقوع حوادث إرهابية في مصر، بنفس القدر الذي نقر فيه بأن ممارسات المجلس العسكري في مصر منذ كانون الثاني/ يناير 2011 وحتى الآن؛ ما هي إلا إرهاب منظم ومخطط له راح ضحيته آلاف الضحايا من المصريين، وأن أجهزة الدولة المدافعة باستماته لبقاء الحكم العسكري هي من تمارس الإرهاب على مواطنيها.
ثم نأتي للحديث عن وسائل مكافحة الإرهاب التي أقرتها الأمم المتحدة في عام 2006 تحت مسمى استراتيجية مكافحة الإرهاب، وأقرت في هذه الاستراتيجية تدابير ترمي إلى معالجة الظروف المؤدية للإرهاب، ومنها: تعزيز قدرات سيادة القانون، وتعزيز قيم الحوار والتسامح والتفاهم، وتعزيز الاحترام المتبادل، والترويج لثقافة السلام والعدالة والتنمية البشرية، والإدماج المجتمعي.
وحتى في محاربة الإرهاب، أكدت استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب على ضمان حق مرتكبي الأعمال الإرهابية في الحصول على محاكمات عادلة.
يتضح للجميع أن استراتيجية الأمم المتحدة تقوم على تدابير ووسائل يناقشها النظم العسكري في مصر، بل إنه بالقياس على هذه الاستراتيجية يصبح سببا وصانعا للإرهاب في مصر.
إن ممارسات السيسي الزاعم أنه يحارب الإرهاب نيابة عن العالم تقع في المرتبة الأولى من مسببات الإرهاب. فالبيئة التي خلقها في مصر بيئة حاضنة للإرهاب الذي لم ولن يقبل المصريون أن يعيشوا في ظله، كما يرفضون العيش في ظل حكم عسكري ينظر إلى الدولة بمفهوم السادة والعبيد.