كشفت دراسة حديثة، نشرها موقع "mit.edu"، عن الدور الذي تلعبه الديمقراطية في تعزيز النمو الاقتصادي وزيادة التنمية بشكل كبير.
وقالت الدراسة، التي ترجمتها "عربي21"، إن "البلدان التي تتحول إلى حكم ديمقراطي تشهد زيادة بنسبة 20 بالمئة في الناتج المحلي الإجمالي على مدار 25 عامًا، مقارنة بما كان سيحدث لو أنها بقيت دولًا استبدادية"، بحسب ما ذكره الباحثون.
وشملت الدراسة 184 دولة في الفترة من 1960 إلى 2010، (وخلال ذلك الوقت كان هناك 122 دولة ديمقراطية، بالإضافة إلى 71 حالة انتقلت فيها الدول من الحكومات الديمقراطية إلى حكومات غير ديمقراطية).
وركزت الدراسة على الدول التي تغير فيها شكل الحكم، معتبرة أن مقارنة معدلات النمو في الدول الديمقراطية والدول غير الديمقراطية لا يؤدي إلى نتائج مفيدة، بقدر المقارنة لمعدلات النمو في الدولة الواحدة في ظل تحول تلك الدولة من نمط حكم معين إلى نمط آخر.
وقال الخبير الاقتصادي في معهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا" الأمريكي، دارون أسيموغلو، الذي شارك في تأليف الدراسة، إن النتيجة التي توصلنا إليها ليست مفاجئة بالنسبة لي، فالاضطرابات العرقية وغيرها والديكتاتوريات تفسد التنمية والنمو في كثير من الحالات".
اقرأ أيضا: لوموند: 4 أسباب يمكن أن تؤدي لأزمة مالية عالمية جديدة
وأوضح أسيموغلو أن الدول الديمقراطية تستخدم استثمارًا واسع النطاق، لا سيما في الصحة ورأس المال البشري، بعكس الدولة الاستبدادية، مؤكدا أن "الديمقراطيات أكثر دعماً للإصلاح".
وأضاف: "توصلنا إلى أن اقتصادات الأنظمة الديمقراطية تبدأ ببطء في الانتعاش، لذا فإنه في غضون خمس أو ست سنوات، لن يكونوا أكثر ثراءً بشكل ملحوظ من الأنظمة غير الديمقراطية، ولكن في الأفق الزمني من 10 إلى 15 عامًا سيصبحون أكثر ثراءً بقليل، ومن ثم فإنهم بحلول نهاية 25 عامًا، سيصبحون أكثر ثراء بنسبة 20 في المئة".
وفي ما يتعلق بآليات العمل الأساسية في اقتصادات الأنظمة الديمقراطية، أشار أسيموغلو إلى أن الحكومات الديمقراطية تركز على التعليم والصحة، وتميل إلى فرض الضرائب والاستثمار أكثر مما تفعل الأنظمة الاستبدادية.
وفي تعليقه على نتائج الدراسة أكد الخبير الاقتصادي نهاد إسماعيل، أن "الديمقراطية تعني الشفافية والمحاسبة والمساءلة وتقليل الفساد، وهي أيضا تمنع المحسوبية ووضع أشخاص مناسبين في الوظائف المناسبة".
وقال إسماعيل في حديث لـ"عربي21": "بشكل عام وعلى الأقل نظريا فإن الديمقراطية تعني الاستقرار السياسي، الذي يُعتبر عنصرا هاما للتخطيط الاقتصادي وجذب الاستثمار".
اقرأ أيضا: 6 دول بالعالم تمنح النساء والرجال حقوق عمل قانونية ومتساوية
وحول التجربة الديمقراطية في تونس وعلاقتها بالنمو الاقتصادي قال إسماعيل: "تونس لم تنضج بعد كديمقراطية، ولا تزال غير مستقرة وتعاني من آثار زلزال الربيع العربي والأعمال الإرهابية ومشاكل جيوسياسية".
وأشار إلى أن "الديمقراطيات الراسخة تختلف عن الديمقراطيات الحديثة التي تمر في مراحل تجريبية، لذا فإنه يمكن القول إن الديمقراطية والاستقرار السياسي عناصر إيجابية في دعم الاقتصاد وجذب الاستثمار".
بدوره قال الباحث في الاقتصاد السياسي معاذ العامودي: "لا يمكن أن تحدث تنمية دون وجود الديمقراطية فهي أساسها، وكل دولة ديكتاتورية وفيها انتهاك لحقوق الحريات لن تحدث فيها تنمية، حتى لو كان فيها نمو اقتصادي والذي يعد مختلفا عن التنمية الاقتصادية".
وأوضح العامودي في حديث لـ"عربي21" أن "النمو الاقتصادي هو نتيجة رأسمال يكون متوفرا بشكل كبير، وهذا يؤدي لاستثمارات كبيرة، ولكن كل دولة لا تتم فيها ديمقراطية حقيقية لا تتم فيها تنمية، وحتى تتم الديمقراطية الحقيقية فيجب أن تُدعم بالمال فالديمقراطيات نشأت بعد دعم مالي كبير".
وأضاف أنه "مثلا في أوروبا نشأت الديمقراطية بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة لمشروع مارشال الذي دعمت أمريكا من خلاله أوروبا بـ13 مليار دولار، ولكن ما أسس للتنمية في هذه الدول هي العملية الديمقراطية وإن كان النظام رأسماليا".
وأردف بأنه "لا تحدث تنمية في ظل غياب الديمقراطية، وغياب الديمقراطية يعني وجود فساد، وأيضا وصول الشخص غير المناسب للمكان غير المناسب، بالتالي فإنه سيكون هناك ديكتاتورية تنشأ عنها جماعات وتكتلات مصالح".
وعن الحالة العربية بعد الربيع العربي قال إن "الديمقراطيات الناشئة في الدول العربية حاليا خاصة بعد الربيع العربي، تحتاج إلى من يعززها ماليا لأن هذه الدول تمر بأزمات مالية، فمثلا التجربة التونسية لو كان هناك رأسمال قوي فأتوقع أن تنجح التجربة الديمقراطية فيها لكن نجاح التجربة يكون المدخل الأول للتنمية".