بات مربكاً ومفزعاً أن تكون يهودياً في هذا الزمن، وذلك بسبب تصاعد
معاداة السامية وفي نفس الوقت لأن كثيراً من السياسيين يتمثل رد فعلهم على ذلك ليس
في اتخاذ ما يلزم لحماية اليهود وإنما في التجني على الفلسطينيين.
في السادس عشر من فبراير / شباط قام بعض أعضاء حركة السترات الصفراء
الاحتجاجية الفرنسية بكيل الإهانات المعادية للسامية للفيلسوف اليهودي الفرنسي المرموق
ألان فينكلكراوت. وفي التاسع عشر من فبراير وُجدت علامات الصليب (النازي) المعكوف
مرسومة على ثمانين ضريحاً في ألساس. وبعد ذلك بيومين، وبعد أن أعلن أن أوروبا
"تواجه انبعاثاً لمعاداة السامية لم تشهده منذ الحرب العالمية الثانية"
كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن إجراءات جديدة لمحاربتها.
وكان من بين تلك الإجراءات تعريف رسمي جديد لمعاداة السامية، وهو
التعريف الذي جاء به التحالف الدولي لذكرى المحرقة (الهولوكوست) في عام 2016.
يشتمل هذا التعريف ضمن "النماذج المعاصرة" لمعاداة السامية على "حرمان
الشعب اليهودي من حقه في تقرير المصير". بمعنى آخر، باتت معاداة الصهيونية
تعني كره اليهود. وبذلك انضم ماكرون إلى ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة وما
يقرب من ثلاثين حكومة أخرى. ومثلهم، وقع ماكرون في خطأ مفجع.
ليست معاداة الصهيونية أصلاً معاداة للسامية – ومن يدعي أنها كذلك فهو
يستغل معاناة اليهود ليمحو الفلسطينيين من الوجود. نعم معاداة السامية في تنام،
ونعم، ينبغي على زعماء العالم أن يحاربوها بشراسة، ولكن – وكما ورد على لسان أحد
كبار مفكري الصهيونية – "ليس ذلك هو السبيل."
تقوم حجة من يقول إن معاداة الصهيونية هي أصلاً معاداة للسامية على
ثلاثة أركان. أما الأول فهو الزعم بأن معارضة الصهيونية معاداة للسامية لأنها تنفي
حق اليهود في التمتع بما يتمتع به كل الناس الآخرين: أن يكون لهم دولة خاصة بهم.
ومن مثل ذلك ما أعلنه زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ الأمريكي تشاك شومر في عام 2017
حينما قال: "فكرة أن جميع الشعوب ما عدا اليهود بإمكانهم السعي من أجل امتلاك
الحق في تقرير المصير وحماية ذلك الحق هو عداء للسامية."
وكما عبر عنه دافيد هاريس، رئيس اللجنة اليهودية الأمريكية، في العام
الماضي: "إن حرمان الشعب اليهودي، من بين كل شعوب الأرض، من حق تقرير المصير
هو بالتأكيد موقف تمييزي."
جميع شعوب الأرض؟ وماذا عن الأكراد الذين لا يملكون دولة خاصة بهم.
وكذلك هو حال شعب الباسك والكاتلان والاسكتلنديين والكشميريين، وشعب التبت، والأبخاز،
والأوسيت، واللومبارد، والإيغبو، والأورومو والإيغور والتاميل وشعب كويبيك، والعشرات
من الشعوب الأخرى التي أنشأت حركات قومية للنضال في سبيل حق تقرير المصير ولكنها
أخفقت في الحصول عليه.
ومع ذلك لن تجد بالكاد أحداً يدعي بأن معارضة قيام دولة كردية أو
كاتلانية يجعل من المرء معاد ومتعصب ضد الكرد أو الكاتلان. من المتعارف عليه على
نطاق واسع أن الدول التي تقوم على أساس من القومية الإثنية– أي الدول التي تقام
لكي تمثل وتحمي مجموعة إثنية بعينها – ليست الطريقة المشروعة الوحيدة لضمان النظام
العام والحرية الشخصية. في بعض الأوقات من الأفضل تنمية مشاعر القومية المدنية،
وهي القومية التي تنشأ حول الحدود بدلاً من الإرث، كأن تكون الهوية الإسبانية أكثر
شمولاً بحيث تتسع للكتلان والهوية العراقية أكثر شمولاً بحيث تتسع للكرد، بدلاً من
تجزئة تلك الدول متعددة الإثنيات.
وقد يظن المرء أن زعماء اليهود سيتفهمون ذلك، ويظن أنهم سيتفهمونه لأن
العديدين من نفس هؤلاء الزعماء اليهود الذين يعتبرون تقرير المصير القومي حقاً
إنسانياً عالمياً لا يضيرهم بتاتاً أن ينكروا ذلك الحق على الفلسطينيين.
وأما الركن الثاني لهذه الحجة فهو صيغة أخرى للتعبير عن نفس الأمر. قد
لا يكون عصبية أن يعارض المرء سعي شعب ما للحصول على دولة، ولكن تكمن العصبية في
انتزاع الحق في تلك الدولة بعد إقامتها. وكما عبر عنه بريت ستيفنز، الكاتب في
صحيفة نيويورك تايمز، في وقت مبكر من هذا الشهر: "يمكن للمرء أن يقول في ساحة
الجدل للأرأيتية التاريخية إن إسرائيل لم يكن ينبغي أن توجد أصلاً. ولكن إسرائيل
الآن أصبحت وطناً لما يقرب من تسعة ملايين نسمة، تجمعهم هوية إسرائيلية تميزهم
ويفاخرون بها مثلما أن أهل هولندا هولنديون وأهل الدنمارك دنماركيون. تقترح معاداة
الصهيونية في حدها الأدنى القضاء على تلك الهوية والتجريد السياسي لأولئك الذين
يعتزون بها."
ولكن ليس من العصبية أن تسعى إلى تحويل دولة تقوم على القومية الإثنية
إلى دولة تقوم على القومية المدنية، لا تتمتع فيه مجموعة إثنية معينة بامتيازات
خاصة.
في القرن التاسع عشر أنشأ الأفريكانرز (ذوو الأصول الهولندية) عدة
بلدان صممت لكي تحقق لهم ما يصبون إليه من تقرير مصير قومي، ومن تلك البلدان
ترانسفال ودولة البرتقال الحرة. ثم في عام 1909، توحدت تلكما الدولتان
الأفريكاناريتان مع دولتين يغلب فيهما البيض الناطقون باللغة الإنجليزية فيما أصبح
يعرف باتحاد جنوب أفريقيا (وفيما بعد جمهورية جنوب أفريقيا)، والتي وفرت نوعاً من
تقرير المصير القومي للبيض في جنوب أفريقيا.
المشكلة بالطبع هي أن تلك النماذج من تقرير المصير التي تم تبنيها في
ترانسفال ودولة البرتقال الحرة وفي جنوب أفريقيا الفصل العنصري أقصت ملايين السود
الذين يعيشون ضمن حدودها.
تغير الوضع في عام 1994. فعبر إنهاء الفصل العنصري (الأبارتيد)
استبدلت جنوب أفريقيا القومية الإثنيةللأفريكانر والقومية العنصرية البيضاء بقومية
مدنية وسعت الناس من جميع الإثنيات والأعراق. ووضعت دستوراً ضمن "حق شعب جنوب
أفريقيا ككل في تقرير المصير."
لم يكن ذلك تعصباً وإنما عكسه تماماً.
أنا لا أعتبر إسرائيل دولة فصل عنصري، بل هي قومية إثنية تقصي الكثير
من الناس الذين يعيشون في كنفها وتحت سيطرتها. يشير ستيفنز إلى أن تعداد السكان في
إسرائيل يقترب من تسعة ملايين مواطن. إلا أن ما لا يذكره هو أن إسرائيل يعيش فيها
ما يقرب من خمسة ملايين إنسان من غير المواطنين: إنهم الفلسطينيون الذين يعيشون
تحت السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة (ونعم، ماتزال إسرائيل تسيطر
على قطاع غزة) وهؤلاء لا يتمتعون بأي حقوق أساسية داخل الدولة التي تهيمن على
حياتهم.
أحد الأسباب التي من أجلها لا تمنح إسرائيل هؤلاء الفلسطينيين حق
المواطنة هو أنها كدولة يهودية إنما صممت لتحمي وتمثل اليهود، وتريد أن تحافظ على
أغلبيتها اليهودية، بينما من شأن منح خمسة ملايين فلسطيني الحق في التصويت أن يهدد
كل ذلك.
وحتى بين التسعة ملايين مواطن إسرائيلي ما يقرب من مليونين هم من
الفلسطينيين – أو ما يسمى بالإسرائيليين العرب. يقول ستيفنز إن إبطال الصهيونية
يعني "التجريد السياسي" للإسرائيليين. إلا أن استطلاعات الرأي تفيد بأن
معظم المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل يرون الأمر على العكس من ذلك. تمثل
الصهيونية بالنسبة لهم شكلاً من أشكال التجريد السياسي. فنظراً لأنهم يعيشون في
دولة تخص اليهود بالامتيازات، فلا مفر من أن يعانوا من سياسة هجرة تسمح لأي يهودي
في العالم بالحصول على الجنسية الإسرائيلية مباشرة بينما تجعل الهجرة الفلسطينية
إلى إسرائيل من المستحيلات في واقع الأمر.
إنهم يعيشون في دولة نشيدها الوطني يتحدث عن "الروح
اليهودية" وعلمها يحمل نجمة داود، وهي تقليدياً دولة تقصي الأحزاب الفلسطينية
داخل إسرائيل عن المشاركة في ائتلافاتها الحاكمة. بل إن هيئة شكلتها الحكومة
الإسرائيلية نفسها في عام 2003 وصفت تعامل إسرائيل مع القطاع العربي بالتمييزي.
طالما ظلت إسرائيل دولة يهودية فلن يكون بإمكان أي مواطن فلسطيني أن
يخبر ابنه أو ابنته بأن من الممكن له أو لها أن يصبح رئيس وزراء في البلد الذي
يعيش فيه. ففي هذا الأيام يحرم النمط الإسرائيلي من القومية الإثنية– أي الصهيونية
– غير اليهود الذين يعيشون تحت سيطرة إسرائيل من حق المساواة.
الحل المفضل الذي أراه هو أن تصبح الضفة الغربية وقطاع غزة دولة
فلسطينية، بما يمنح الفلسطينيين الذين يعيشون في تلك المناطق مواطنة في بلد ذي
قومية إثنية خاصة بهم (مع رجائي أن يكون البلد ديمقراطياً).
وكنت سأسعى لجعل القومية الإثنية الإسرائيلية أوسع وأشمل وذلك من خلال
إجراءات من بينها إضافة مقطع شعري إلى النشيد الوطني الإسرائيلي يعترف بتطلعات
مواطنيها من الفلسطينيين.
ولكن، في عالم ما بعد المحرقة حيث تظل معاداة السامية منتشرة بشكل
مخيف، أريد لإسرائيل أن تبقى دولة لديها التزام خاص بحماية اليهود.
ومع ذلك، فإن استبدال قومية إسرائيل الإثنية بقومية مدنية لا يعتبر
تعصباً في الأصل. في العام الماضي، تقدم ثلاثة من أعضاء الكنيست بمشروع قانون
لتحويل إسرائيل من دولة يهودية إلى "دولة لكل مواطنيها". وكما بين جمال
زحالقة، أحد أعضاء الكنيست الثلاثة: "نحن لا ننكر إسرائيل أو حقها في الوجود
كوطن لليهود. كل ما نقوله ببساطة هو أننا نريد لوجود الدولة أن يتأسس لا على تفضيل
اليهود وإنما على أساس المساواة .... ينبغي أن توجد الدولة ضمن إطار المساواة،
وليس ضمن إطار تفضيل واستعلاء طرف على آخر."
قد يعترض أحدهم قائلاً إن الفلسطينيين يمارسون النفاق حين يسعون إلى
إلغاء الدولة اليهودية داخل حدود إسرائيل الأصلية بينما يطالبون بإقامة دولة
فلسطينية لهم داخل الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد يسأل المرء عما إذا كانت رؤية
زحالقة للمساواة بين اليهود والفلسطينيين فيما بعد الدولة الصهيونية أمراً ساذجاً
لأن الحركات الفلسطينية الأقوى مثل حماس لا تريد المساواة وإنما تريد الهيمنة
الإسلامية.
هذه انتقادات معقولة. ولكن هل يمكن اعتبار زحالقة وزملاءه – الذين
يواجهون التمييز البنيوي داخل الدولة اليهودية – معادين للسامية لأنهم يريدون
استبدال الصهيونية بقومية مدنية تعد بالمساواة لجميع الناس من كل الفئات الإثنية
والدينية؟
بالطبع لا.
هناك أخيراً حجة ثالثة لمن يقول إن معاداة الصهيونية تساوي معاداة
السامية، ومفادها أن العداوتين، كواقع عملي، تسيران مع بعضهما البعض. كتب ستيفنز
يقول: "بالطبع من الممكن نظرياً تمييز معاداة الصهيونية عن معاداة السامية،
نماماً كما أنه من الممكن نظرياً تمييز الفصل عن العنصرية." ثم يمضي ليقول
إنه بما أن جميع المطالبين بالفصل هو أيضاً عنصريون، فكذلك جميع المعادين
للصهيونية تقريباً هم أيضاً معادون للسامية، ويندر أن تجد واحداً يتصف بالأولى دون
الثانية.
إلا أن هذه الحجة باطلة من الناحية التجريبية. ففي عالم الواقع لن تجد
معاداة الصهيونية ومعاداة السامية تسيران دوماً مع بعضهما البعض. بل يسهل أن تجد
معاداة السامية في أوساط أناس لا يعارضون الصهيونية بل ويعتنقونها بحماسة.
قبل إقامة إسرائيل، كان بعض زعماء العالم ممن أيدوا فكرة إنشاء الدولة
اليهودية يفعلون ذلك لأنهم لم يرغبون في بقاء اليهود داخل بلدانهم. ولا أدل على
ذلك من آرثر بلفور، الذي أيد سن قانون الغرباء في عام 1905، والذي قيد هجرة اليهود
إلى بريطانيا، وذلك قبل أن يعلن في عام 1917 بوصفه وزيراً للخارجية أن
"بريطانيا تنظر بعين العطف لإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين."
وبعد عامين من إعلانه الشهير قال بلفور إن الصهيونية سوف "تخفف
من المآسي التي طال أمدها والتي ابتليت بها الحضارة الغربية بسبب وجود جسد (أي
اليهود) طالما اعتبرته غريباً عنها بل وحتى معاد لها، ولكنها في نفس الوقت لم
تتمكن من طرده أو استيعابه."
وفي ثلاثينيات القرن العشرين تبنت الحكومة البولندية نهجاً مشابهاً،
حيث قام حزبها الحاكم، الذي أقصى اليهود، بتدريب المحاربين الصهاينة داخل القواعد
العسكرية البولندية. لماذا؟ لأنها كانت تريد من اليهود البولنديين أن يهاجروا، ومن
شأن الدولة اليهودية أن توفر لهم ملاذاًيلجأون إليه. وستجد صدى لمثل هذه الصهيونية
المعادية للسامية في أوساط بعض المسيحيين اليمينيين في الولايات المتحدة والذين
يوادون يهود إسرائيل أكثر مما يوادون يهود أمريكا. ومن هؤلاء جيري فالويل، الذي
كان في ثمانينيات القرن الماضي حليفا مقرباً من رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك
مناحيم بيغين، حيث ينقل عن فالويل قوله إن اليهود "بإمكانهم مصادفة أن يجنوا
قدراً من المال أكبر بكثير مما يمكنك أن تجنيه عن قصد."
وفي عام 2005 قال رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو "ليس
لدينا صديق في العالم أعظم من بات روبرتسون" – وهو نفس بات روبرتسون الذي وصف
لاحقاً القاضي السابق في سلاح الجو الأمريكي ميكي وينستين بأنه "متطرف يهودي حقير"
لمجرد أنه كان يدعم الحرية الدينية داخل الجيش الأمريكي.
بعد تعرضه للانتقاد من قبل رابطة مناهضة التشهير (إيه دي إل) في عام
2010 لنعته جورج سوروس بأنه "محرك عرائس" وبأنه "يريد أن يخضع
أمريكا حتى تجثو على ركبتيها" وأنه "يجني الأرباح الفاحشة على
ظهورنا"، سافر غلين بيك إلى القدس لينظم تجمعاً مؤيداً لإسرائيل.
ومؤخراً قام دونالد ترامب– الذي خاطب الائتلاف اليهودي الجمهوري في
عام 2015 قائلاً "سوف لن تدعموني لأنني لا أريد أموالكم" – بدعوة قس
دالاس روبرت جيفريس، الذي كان قد قال إن اليهود سيذهبون إلى الجحيم إذا لم يقبلوا
بيسوع، ليقود الصلاة في الاحتفال الذي دشن السفارة الأمريكية في القدس.
وفي عام 2017، قال ريتشارد سبنسر، الذي يتقدم الجماهير في إلقاء التحية
النازية، إنه يعتبر نفسه "صهيونياً أبيضا" وأنه يرى في إسرائيل نموذجاً
للوطن الأبيض الذي يريده داخل الولايات المتحدة.
بعض الزعماء الأوروبيين المعادين للسامية بشكل سافر – ومنهم الزعيم
المجري فيكتور أوربان، وكريستيان ستراش الذي ينتمي لحزب الحرية اليميني المتطرف في
النمسا، وبياتريكس فون ستورشمن البديل في ألمانيا، والذي يروج لأيام الرايخ الثالث
– يتقدمون الداعمين للصهيونية أيضاً.
إذا كانت معاداة السامية توجد دونما معاداة للصهيونية فإن معاداة
الصهيونية توجد أيضاً وبكل وضوح دونما معاداة للسامية. خذ على سبيل المثال ساتمار،
أكبر طائفة حسيدية في العالم. في عام 2017، احتشد عشرون ألف رجل من أتباع طائفة
ساتمار – وهو تجمع فاق في حجمه عدد الذين حضروا المؤتمر السنوي حول سياسة لجنة
الشؤون الإسرائيلية الأمريكية – وملأوا مركز باركليز في بروكلين في تظاهرة تهدف
إلى التعبير، كما ورد في كلمات أحد المنظمين، عن "موقفنا من أنه لا ينبغي ولا
يجوز وجود دولة إسرائيل قبل مجيء المسيح."
في العام الماضي خاطب حاخام ساتمار هارون تيتلباوم الآلاف من أتباعه
قائلاً: "سوف نستمر في خوض حرب الإله ضد الصهيونية وكل ما يتعلق بها من
أمور." بإمكانك أن تقول ما تريد عن الحاخام تيتلباوم وعن طائفة ساتمار،
ولكنهم ليسوا معادين للسامية.
ولا أبراهام بورغ معاد للسامية. في عام 2018 أعلن بورغ، الذي كان ذات
يوم رئيساً للكنيست الإسرائيلي، إن النمو الاستيطاني في الضفة الغربية جعل حل
الدولتين مستحيلاً، مضيفاً إنه يتوجب على الإسرائيليين "التخلي عن النموذج
الصهيوني، وتبني نموذج جامع وشامل. ينبغي على إسرائيل أن تكون لجميع المقيمين فيها،
بما في ذلك العرب، وليس لليهود وحدهم."
وسار على النهج نفسه إسرائيليون تقدميون آخرون، بمن فيهم النائب
السابق لعمدة القدس ميرون بنفنستي والكاتب في صحيفة هآريتز جدعون ليفي وكذلك نشطاء
حركة الفيدرالية.
هل باستطاعة أحد إثارة التساؤلات حول ما يقترحونه؟ بالطبع نعم. هل هم
معادون للسامية؟ بالطبع لا. وبالتأكيد هناك معادون للصهيونية ممن هم معادون
للسامية، مثل دافيد ديوك، ولويس فراخان وواضعو ميثاق حماس عام 1988. وكذلك هم
الأوباش من حركة السترات الصفراء في فرنسا الذين وصفوا فينكلكراوت بعبارة
"الصهيوني القذر".
يوجد في بعض الدوائر توجه متنام وكريه لاستغلال حقيقة أن الكثير من
اليهود هم صهاينة (أو يفترض فيهم ببساطة أنهم صهاينة) وذلك لحظر وجودهم داخل
المساحات التقدمية. إلا أن الناس الذين يهمهم أمر الصحة المعنوية لليسار الأمريكي
سيحاربون ذلك التحيز لسنوات طويلة قادمة.
ولكن بينما من المحتمل أن يرتفع منسوب معاداة السامية المعادية
للصهيونية، ينطبق نفس الشيء على الصهيونية المعاديةللسامية. على الأقل في الولايات
المتحدة ليس واضحاً ما إذا كان المعادون للصهيونية أكثر ميلاً نحو تبني مسالك
معادية للسامية من الناس الذين يدعمون الدولة اليهودية.
في عام 2016، قامت رابطة مناهضة التشهير (إيه دي إل) بقياس معاداة
السامية في الولايات المتحدة من خلال سؤال الأمريكيين ما إذا كانوا يوافقون على
عبارات مثل "يمتلك اليهود قوة أكثر من اللازم" و "اليهود لا يهمهم
ما يقع لأي شخص آخر وإنما يهمهم من كان واحداً منهم". فوجدت أن معاداة
السامية توجد بنسب أعلى في أوساط كبار السن ومن كان حظهم من التعليم متواضعاً،
وصرحت بأنه "كلما زاد تعليم الأمريكيين كلما كانوا متحررين من الأفكار
المتحاملة، بينما من كان تعليمهم ضعيفاً كانوا أكثر حملاً للآراء المعادية
للسامية. كما أن السن عامل قوي في تخمين نزعة المعاداة للسامية. فالأمريكيون الذين
تقل أعمارهم عن تسعة وثلاثين عاماً أكثر تحرراً من الآراء المتحاملة."
ولكن في عام 2018، عندما استطلع مركز أبحاث بيو مسالك الأمريكيين تجاه
إسرائيل، وجد نمطاً معاكساً، فالأمريكيون الذين تتجاوز أعمارهم خمسة وستين عاماً -وهي نفس الفئة العمرية التي عبرت عن أعلى
مستويات المعاداة للسامية– أيضاً عبرت عن أعلى درجات التعاطف مع إسرائيل.
وبالمقابل، كان الأمريكيون الذين تقل أعمارهم عن ثلاثين عاماً، وهم الذين عبروا عن
أدنى درجات معاداة السامية بحسب ما جاء في تحقيق إيه دي إل، هم الأقل تعاطفاً مع
إسرائيل.
ونفس الشيء انطبق على التعليم. فالأمريكيون الذين حصلوا على الشهادة
الثانوية أو أقل منها –أي الفئة التعليمية الأكثر معاداة للسامية– كانوا الأكثر
مناصرة لإسرائيل. أما الأمريكيون الذين حصلوا على شهادات دراسية عليا –وهم الأقل
معاداة للسامية– فكانوا الأقل مناصرة لإسرائيل.
طبقاً للدليل الإحصائي، فإن هذا بالكاد أمر محكم. ولكنه يؤكد ما يمكن
أن يستنتجه كل من يستمع إلى التحليلات السياسية التقدمية والمحافظة: يؤمن
التقدميون الشباب بالعالمية، ويرتابون من أي شكل من أشكال القومية التي تبدو لهم
إقصائية. وهذه العالمية هي التي تجعلهم يرتابون في الصهيونية وفي القومية المسيحية
البيضاء التي تتداخل في الولايات المتحدة في بعض الأوقات مع معاداة السامية.
بالمقابل، يعرب بعض أنصار ترامب الأكبر سناً، والذين يخشون من العولمة
المجانسة، عن إعجابهم بإسرائيل لحفاظها على الهوية اليهودية، وإن كانوا في نفس
الوقت يتوقون إلى الحفاظ على هوية أمريكا المسيحية من خلال طرق تقصي اليهود
وتستثنيهم.
إذا كانت معاداة السامية ومعاداة الصهيونية مختلفتين من الناحية
المفاهيمية، وإذا كانا يُعتنقان من الناحية العملية من قبل أشخاص مختلفين، فلماذا يقوم
سياسيون مثل ماكرون بالرد على معاداة السامية المتنامية من خلال وصف معاداة
الصهيونية بأنها شكل من أشكال التعصب؟
لأن زعماء الجالية في كثير من البلدان يريدون منهم أن يفعلوا ذلك.
إنها اندفاعة مفهومة: دع الناس الذين تهددهم معاداة السامية يعرفوا
معاداة السامية. تكمن المشكلة في أن زعماء اليهود في كثير من البلدان يقومون بمهمة
الدفاع عن المصالح اليهودية المحلية وفي نفس الوقت يقومون بدور المدافعين عن
الحكومة الإسرائيلية. وتريد الحكومة الإسرائيلية تعريف معاداة الصهيونية على أنها
تعصب، لأن ذلك يساعد إسرائيل على قتل حل الدولتين والإفلات من المساءلة والعقاب.
على مدى سنوات، حذر باراك أوباما وجون كيري من أنه إذا استمرت إسرائيل
في بناء المستوطنات في الضفة الغربية فإن ذلك سيجعل الدولة الفلسطينية أمراً
مستحيلاً، وسوف يتوقف الفلسطينيون عن المطالبة بدولة فلسطينية بجوار إسرائيل
وسيطالبون بدلاً من ذلك بدولة واحدة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، لا هي يهودية
ولا فلسطينية، تحل محل إسرائيل.
تعريف معاداة الصهيونية على أنها معاداة للسامية يقلص ذلك الخطر. بما
يعني أنه إذا رد الفلسطينيون وأنصارهم على موت حل الدولتين من خلال المطالبة بدولة
مساواة واحدة، فسوف تصنفهم أقوى الحكومات في العالم على أنهم متعصبون.
وهذا يترك إسرائيل حرة في تحصين نسختها الخاصة من الدولة الواحدة التي
تحرم ملايين الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية. إن إسكات الفلسطينيين ليس وسيلة
فعالة لوقف تصاعد معاداة السامية، والتي يصدر قدر كبير منها عن أناس لا هم
فلسطينيون ولا هم يهود. ولا يقل أهمية عن ذلك أنها تقوض الأساس الأخلاقي لذلك
النضال.
ليست معاداة السامية خطيئة لأنها تشوه صورة اليهود وتنزع عنهم
إنسانيتهم. معاداة السامية خطيئة لأنه لا يجوز تشويه صورة أحد أو نزع الإنسانية
عنه. وهذا في نهاية المطافيعني أن أي جهد يبذل لمحاربة معاداة السامية يؤدي إلى
تشويه صورة الفلسطينيين ونزع الإنسانية عنهم فليست محاربة لمعاداة السامية على
الإطلاق.
نشرت هذه المقالة للمرة الأولى في "ذي فوروارد"
بيتر باينارت أستاذ الصحافة والعلوم السياسية في جامعة سيتي في
نيويورك، ومن بين مؤلفاته كتاب بعنوان "أزمة الصهيونية"
عن صحيفة "ذي غارديان" البريطانية
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)