مع موجة الاحتجاجات والحراكات العربية الشعبية الجديدة التي اشتعلت شرارتها في السودان، ثم في الجزائر، يثور جدل في أوساط الحراكيين بخصوص ما يقال عن أن غياب قيادات معروفة ومحددة للاحتجاجات الشعبية هو في صالحها ويحسب لها، حتى لا يتم إجهاضها عبر ضرب قيادتها المعروفة.
ويضيف مؤيدو ذلك الرأي بأن "غياب القيادات المعروفة عن الحراكات والاحتجاجات الشعبية يفرض على الأنظمة الدخول في مواجهات مباشرة مع الجماهير المحتجة من جهة، ويوفر فرصة جيدة لتوحيد صفوف الثوار بعيدا عن الاصطفافات الفكرية من جهة أخرى".
ووفقا للناشط الحراكي الجزائري، عمار دريد فإن "عدم وجود قيادات للثورة أو للحراكات الشعبية نفعه أكبر من ضرره، لأن النظام سيكون تائها في ضرب المحركات الفردية للثورة، وسيضطر لمواجهة الجماهير مباشرة، إضافة إلى أنه سيصب حتما في صالح توحيد القوى الثائرة، ويلغي فكرة الاصطفاف الأيدولوجي".
وتعليقا على ما يقال عن الآثار السلبية لغياب القيادات، لفت دريد إلى "أن شبكات التواصل الاجتماعي في الحالة الجزائرية أفرزت أصواتا قوية الحجة والبيان، توجه الجماهير الغاضبة بذكاء، وتفضح وتكشف خطط العسكر".
واستدرك الناشط الحراكي في حديثه لـ"عربي21" قائلا: "لكن تبقى تلك القوى أو الأصوات مفرقة، وليست موحدة في فريق واحد، مع أن تأثيرها يبقى قويا".
اقرأ أيضا : كيف تتحقق الوحدة الإسلامية في ظل سياسات الأنظمة التصادمية؟
وأكدّ دريد على أن "الحراك مدرسة، وهو من سيكوّن ويخرج لنا قيادات جديدة من رحمه"، مضيفا: "فالأنظمة الشمولية القمعية قتلت كل وعي مسبق، وقتلت كل قيادة مسبقة، ونحن أمام حالة جديدة اليوم، فالحراك هو من يصنع قادته، وهو من يصنع الوعي الآني، وكل شيء سيكون وليد اللحظة" على حد قوله.
لكن معارضي ذلك الرأي يتساءلون "إذا غابت القيادات الثورية الواعية عن تلك الحراكات والاحتجاجات فمن الذي سيتولى إدارة الصراع بوعي ودهاء؟ وهل تقوى جماهير لا خبرة لها بالعمل الثوري الاحتجاجي وإدارته على مواجهة مكر وخبث الأنظمة المستبدة؟".
في هذا السياق ذكر الباحث الإسلامي، المهتم بدراسات التغيير والنهضة، إبراهيم العسعس أن "سبب فشل سائر حركات النهضة العربية منذ عهد محمد علي باشا إلى يوم الحراكات العربية الراهنة يرجع في جوهره إلى غياب القيادات الواعية بأحد مظهرية؛ فإما أن توجد تلك القيادات لكنها ليست على مستوى الثورة، أو أنها ليست موجودة بالأساس كما في حالة الحراكات الشعبية الحالية".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "لم نكن نتوقع يوما أن يثور جدل حول قضية من أوضح الواضحات، فتاريخ الثورات الإنسانية يؤكدّ بكل وضوح أن أي ثورة بلا رأس مصيرها الفشل والإجهاض".
وأوضح العسعس أن الحالة الجزائرية الحالية تشبه الحالة المصرية تماما مع اختلاف طبائع الشعبين، فالجيش هو المسيطر تماما على مفاصل الدولة في الحالتين، مشيرا إلى أنه "لا يستبعد أن يلقى الحراك الجزائري ذات المصير الذي لقيه الحراك الشعبي المصري من قبل كرؤية تستند إلى معطيات الواقع، بعيدا عن التحليل الرغائبي المتداول".
ولفت العسعس إلى أن غياب القيادات (الثورية) عن الحراكات الشعبية، سيفتح المجال لقيادات القوى والحركات الإصلاحية لملء المكان الشاغر، وهي بطبيعتها وبنيتها غير قادرة على إدارة أحداث ما بعد الاحتجاجات، وهو ما يثير الهواجس من أن يكون إجهاض تلك الحراكات على أيدي تلك القوى والقيادات الإصلاحية، بصرف النظر عن نيتها ومقاصدها الحسنة".
من جهته رأى مسؤول قسم الدعوة السابق في الرابطة الإسلامية بإيطاليا، عاطف حامد أن "القيادة للثورة ضرورة إنسانية، وفريضة شرعية، إذ إن أنظمة الفساد والاستبداد لا يمكن إزاحتها بأعمال فردية، تقصر عن الارتقاء بمستواها إلى عمل جماعي منظم له أهدافه ووسائله ومداه الزمني للتحقق".
وقال لـ"عربي21": "إن سنن التاريخ القديم والمعاصر تؤكد أنه لم تقم ثورة ولا انتفاضة ولا مقاومة من غير أن يكون لها قيادة ومرجعية، وهذا لا يمكن أن يتحقق من غير تضحيات، والتي تكون على المستوى الجماعي المنظم أكثر منها على المستوى الفردي".
وشدد الناشط الدعوي المصري حامد على أن "القيادات الواعية للحراكات والاحتجاجات الشعبية، هي التي تشكل المرجعية الموجهة، التي تحسن التخطيط، وترسم المسارات، وتحدد الخيارات".
بدوره قال الأكاديمي اليمني، أستاذ العلوم السياسية، الدكتور عبد الباقي شمسان: "من الطبيعي أن تغيب القيادات عن الحراكات والاحتجاجات الشعبية الحالية، لأن الأنظمة الديكتاتورية العربية كانت تقصي القيادات الجيدة، وتصعد القيادات الفاسدة والضعيفة".
وتابع حديثه لـ"عربي21" بالقول: "وحينما تعصف رياح التغيير، وتتم التحولات فإن الحراكات الشعبية تحتاج إلى وقت طويل حتى تفرز قيادات قادرة على إدارة الصراع والتفاوض، ومن ثم إدارة الشأن العام".
وأوضح شمسان أنه "خلال فترة التحولات ستحدث صراعات بين مختلف القوى الفاعلة، وقد ترتكب بعضها أخطاء تضعف الحراك بمجمله، وربما تحسم إحداها الصراع لصالحها، لكن غياب القيادات الجامعة عن الحراكات الشعبية العربية، انعكس سلبا عليها، ما أدّى إلى فشلها وعدم قدرتها على التأثير، أو الاستمرار على ذات النسق".
وخلص أستاذ العلوم السياسية في ختام كلامه إلى أن "الحراكات الشعبية ستعيش لفترة ما حالة من فراغ القيادات، لكنها إن ثابرت على فعلها الاحتجاجي، وصمدت في مواجهة مكر الأنظمة الديكتاتورية ستفرز قيادات من رحم الميدان والممارسة الاحتجاجية، أما إذا ضعف الشباب عن مواصلة المشوار، وآثروا الانسحاب من المشهد فمن المؤكد أن القوى الفاعلة والمنظمة، ستلتف على ذلك، وتوظفه لصالحها".