نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا للصحفيين أوليفر هولمز وكويكو كيرسيزنبوم من القدس، يتحدثان فيه عن حركة السلام الإسرائيلية، وأسباب سقوطها.
ويصف التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، مظاهرة مؤلفة من عدة عشرات من أعضاء حركة السلام، يدورون في أحد شوارع القدس الشرقية، يحملون لافتات باللغة العربية والعبرية والإنجليزية، كتب عليها "انهوا الاحتلال"، بينهم كبار بالسن من اليساريين بهندام مرتب، يختلطون بشباب ليسوا بالمستوى ذاته من ترتيب الهندام.
ويقول الكاتبان إن "أحد الرجال كانت سيجارة تتدلى بين شفتيه ويدق جرسا يحمله في يده، فيما هناك عدد من رجال الشرطة الإسرائيلية ينظرون بملل، وتمر السيارات كالعادة، ويبدو كأن كل شخص يعرف الآخر، وهناك شخص آخر يجلس على جانب الشارع يؤشر إلى صحفي، ويسأله: (هل يوجد براز على رأسي؟)، وينظر للطيور التي تقف على أسلاك الكهرباء في الأعلى".
وتشير الصحيفة إلى أن هذا هو جزء مما بقي من معسكر السلام الإسرائيلي، الذي شل بنظام سياسي مال كثيرا نحو اليمين، فكلمتا "يساري" و"داعية للسلام" تستخدمان بشكل واسع بصفتهما شتيمة ضد قطاع من المجتمع يزيد حصاره، ويجد نفسه على هامش المجتمع، وينتقدون بصفتهم خونة.
ويلفت التقرير إلى أن القضية الفلسطينية تهمش معظم الوقت في الانتخابات القادمة، بعد أن كانت في السابق محط تركيز السياسة الإسرائيلية، مشيرا إلى أن استطلاعا أجري في كانون الأول/ ديسمبر، أظهر أن أكثر من نصف اليهود الإسرائيليين يريدون المفاوضات، لكن 75% منهم يعتقدون أنها ستفشل، فيما قالت الجمعية التي أجرت الاستطلاع، معهد الديمقراطية الإسرائيلي، بأن قضية السلام "اختفت تماما تقريبا من الخطاب الإسرائيلي العام".
ويبين الكاتبان أن أربعة من اليسار الإسرائيلي المحاصر يوضحون كيف حصل هذا ولماذا يستمرون:
أحد المتظاهرين، بيبي غولدمان، وهو يهودي أرجنتيني، هاجر إلى إسرائيل عام 1976، تظاهر منذ ذلك الوقت، ويقول إن "هناك عملية احتراق.. ولسوء الحظ فنحن أقلية صغيرة.. والإسرائيليون لا يعيرون أي اهتمام لما يدور".
وبعد سنوات من المحاولات الفاشلة، يسأل الكثير من الإسرائيليين أنفسهم إن كان السلام، ناهيك عن الدولة الفلسطينية، ضروريا عندما تكون غزة معزولة تماما، الاحتلال في الضفة الغربية مسيطر عليها بشكل جيد، والاقتصاد مزدهر.
ولم يعد هذا الإسرائيلي البالغ من العمر 67 عاما يسعى لإقناع مواطنيه، لكنه يشارك لأسباب محدودة وواضحة، فكونه إسرائيليا يملك حقوقا إضافية بحسب القانون، فإنه يستطيع أن يقف درعا بشريا ليحمي الفلسطينيين الذين يواجهون الطرد من منازلهم وهجمات المستوطنين.
وبالرغم من تعرضه للضرب من المستوطنين، وقلة أعداد المتظاهرين، إلا أنه يستمر في نشاطه كل جمعة، فيقول: "نعيش مرة واحدة فقط، لا أستطيع أن أسامح نفسي إن سمحت لهذا بأن يحدث".
أما يهودا شاؤول فيبلغ من العمر (37 عاما)، لكن لحيته التي بدأ الشيب يغزوها، ووجهه الذي ترك الطقس عليه آثاره، يرسمان صورة رجل أكبر من سنه، وفي كثير من الأيام فإن هذا الجندي الإسرائيلي السابق، يكون في مقدمة حافلة في جولة في الضفة الغربية؛ ليبين للإسرائيليين والسياح الأجانب شكل الاحتلال، والمنظمة التي أسسها "كسر الصمت" تضم محاربين قدامى، يريدون أن يكشفوا حقيقة السيطرة الإسرائيلية على حياة الفلسطينيين.
معرفة شاؤول موسوعية، ويبدو أنه يعرف تواريخ إنشاء المستوطنات كلها -وهناك أكثر من 140 مستوطنة يعيش فيها حوالي 600 ألف مواطن- وكيف تؤثر كل منها على حياة الفلسطينيين الذين يعيشون حولها.
وقال شاؤول إنه عندما بدأت منظمة "كسر الصمت" بعد الانتفاضة الثانية، فإنها كانت تعد جزءا من "التيار الرئيسي"، فمع أنها ناقدة، إلا أنها منبثقة من مؤسسة لها احترام في الشارع الإسرائيلي، ولذلك "كسبنا الحق في الانتقاد".
لكن بعد ما قام بنيامين نتنياهو بعقد الصفقات مع المتدينين المتطرفين في 2015، لتشكيل أكثر حكومات الائتلاف يمينية في تاريخ البلد، تنامت قوة الحركات المؤيدة للاستيطان.
وعندها تزايد الهجوم على "كسر الصمت"، ويسرد شاؤول بعض تلك الهجمات من ذاكرته: محاولة حرق مكاتبهم، وأشخاص يعملون سرا لاختراق منظمتهم، وقانون أطلق عليه مسودة قانون "كسر الصمت"؛ لمنعهم من الحديث في المدارس، وأنف ينزف الصيف الماضي عندما وجه له أحد المستوطنين لكمة خلال إحدى جولاته، وألغى نتنياهو اجتماعا مع وزير الخارجية الألماني، بعد أن قال إنه سيتحدث مع جنود سابقين.
وكان أحد الفصول السيئة، عندما قام شخص قبيح بنشر أرقام هواتف عائلة زميلته على الإنترنت، وقام شخص بالاتصال بجديها في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، وقال لهما إنه يعمل في مستشفى، وبأن حفيدتهما ماتت في حادث سيارة، ويقول شاؤول إنه صدم، لكنه لم يستغرب، "فعندما يسميك وزير الدفاع عميلا، ويقول رئيس الوزراء إنك تجاوزت الخطوط الحمراء، فيما يقول وزير السياحة إنك خائن، الناس يستجيبون.. هل تذكرون ماكارثي؟ إنه حي ونشيط هنا في إسرائيل".
أميرة هاس، تحتسي كأس ويسكي في أحد بارات رام الله للتخلص من رشح أصابها، خلفها صورة لافتة تدعو لزيارة فلسطين يعود تاريخها إلى 1936، معلقة على الحائط، لقد عاشت من 1993 في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ابتداء في غزة، والآن في الضفة الغربية، وتقول بصفتها كاتبة إسرائيلية: "علي أن أعيش في المكان الذي أكتب عنه، لكن لا تستطيع أن تفكر في أي صحفي يهودي آخر يعيش هنا".
وتضيف أن "إنهاء الاحتلال الذي دام 51 عاما من الحكم العسكري الإسرائيلي، لم يعد قضية في الانتخابات الإسرائيلية، وذلك لأن جيلا جديدا أصبح (يعد هذا الواقع طبيعيا)".
كان هناك "عدم ارتياح" في المجتمع؛ "لأنه كان لا يزال هناك فهم للتناقض بين الصورة التي نحملها عن أنفسنا كوننا متنورين وتقدميين وليبراليين وديمقراطيين والاحتلال، وكان لديك جيل عرف كيف كانت الحياة قبل 1967".
وتقول إنه "مع نجاح حركة الاستيطان في أن تصبح قطاعا مهما من المجتمع، فإن فكرة ضم المساحات الشاسعة من الأرض التي أخذوها أصبحت بسرعة فكرة يتبناها التيار الرئيسي، إنهم من الطبقة المتوسطة وأذكياء وفي الجيش وفي قطاع التكنولوجيا المتقدمة".
وترى هاس أنه لم تعد هناك معسكرات مؤيدة ومعادية للسلام، لكن هناك "المعسكر الفائز" فقط.
يوسي بيلين، وهو الوحيد من الأربعة الذي كان له موقع في الحكومة، وهو أيضا الأكثر تفاؤلا، وقضى كثيرا من حياته السياسية الممتدة على 3 عقود في حزب العمال المؤيد لحل الدولتين، وأيضا في حزب ميرتز، الذي يقف تماما ضد الاحتلال، وكلا الحزبين اليوم في حالة تراجع، وفي تسعينيات القرن الماضي كان جزءا من المحادثات السرية في النرويج، التي قادت إلى اتفاقية أوسلو، التي شكلت إطارا للتوصل إلى اتفاق سلام لم يتم التوصل إليه، ويقول: "هناك شعور عام بأنه لا شيء هناك يمكن فعله".
وتفيد الصحيفة بأنه لا يزال هناك عدد من الحمائم مثله في الكنيسيت، ووزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، تعد أحد أكبر المنادين بالسلام، تركت العمل بالسياسة هذا الشهر، بعد أن أظهرت الاستطلاعات أن حزبها الصغير لن يصل حتى إلى البرلمان مرة أخرى، وقالت في خطابها الأخير، إن كلمة السلام أصبحت "شتيمة".
وينوه التقرير إلى أن بيلين أصبح عمره 70 عاما، ويقول إنه وعد أن يغادر السياسة في سن الستين؛ للسماح للشباب بأن يجلبوا أفكارا جديدة، وأجاب ردا على سؤال: "لكن هل كنت ستتقاعد لو كان فكرك أكثر نجاحا؟"، قائلا: "سؤال جيد، ربما ما كنت لأفعل".
ويقول الكاتبان إنه لا يزال ينكر أن السلام لم يعد على الأجندة، ويقول إنه جزء حقيقي من الروح الإسرائيلية، "أحيانا هو الفيل في الغرفة، لكن هذه هي القصة الحقيقية لإسرائيل".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى إجابته عند سؤاله عن سر تفاؤله الثابت، قائلا: "لأننا بحاجة ماسة إليه".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
رامافوسا: الحكومة تمضي لتخفيض التمثيل الدبلوماسي بإسرائيل
واشنطن بوست: هجمات المستوطنين تتزايد والغليان يتصاعد
NYT: لماذا تأخر إشهار الشركات المتعاملة مع المستوطنات؟