لقد كانت المجزرة مفجعة ومؤلمة وصادمة. واجبنا التنديد بمرتكبيها والمطالبة بمحاسبتهم والمطالبة بتوفير حماية للمسلمين من العنصريين الذين تمتلئ قلوبهم حقدا على الإسلام والمسلمين. لكن لا ينبغي أن تُستغل هذه الجريمة ولا غيرها من الاعتداءات التي يتعرض لها المسلمون في أماكن تواجدهم كأقليات لإذكاء نيران الكراهية أو التحريض أو التعميم أو المبالغة.
فالغرب ليس شيئا واحدا، والغرب بات المسلمون جزءا لا يتجزأ منه، ومعظمهم يعيشون في تلك البلدان في رفاه ودعة وأمان لا ينغصه سوى هذه التيارات اليمينية الآخذة في الصعود والتي يحرضها على الكراهية سياسيون كبار، بعضهم في الغرب وبعضهم في بلاد المسلمين نفسها.
إلا أن هذه التيارات تبقى أقليات، مع أنك لا تحتاج إلى كثرة عدد حتى ترتكب مذبحة بشعة كهذه. مع التذكير أيضا أن خطر التيارات العنصرية محدق بالجميع وليس فقط بالمسلمين، فهي تيارات لا إنسانية، كارهة لكي ما يصنف في عداد الآخر، سواء من حيث اللون أو الثقافة أو العرق أو الدين.
نحتاج نحن المسلمين الذين نعيش فيما بات يعرف اصطلاحا بالغرب التواصل مع باقي مكونات مجتمعاتنا والتعاون معها ومع السلطات الوطنية والمحلية للحيلولة دون تكرار هذه الجرائم، ولنبذ العنصرية والكراهية. كما نحتاج إلى الانفتاح على الناس لتبديد ما لدى البعض من مخاوف وإزالة ما لديهم من جهل بالإسلام وبواقع المسلمين.
لذا أهيب بالإعلاميين، الذين قد يظن بعضهم أنهم بالتحريض والمبالغة والتعميم يحسنون صنعا، أن يتزنوا في كلامهم عن الغرب وأن ينصفوا، وألا يزايدوا على المسلمين الذين يعيشون في تلك الديار، وأن ينصحوهم بما هو ممكن وواجب، وألا يصوروا الدنيا كما لو كنا في حروب صليبية جديدة. فالأمور ليست كذلك، ولا ينبغي أن تكون كذلك، ويمكننا أن نتعاون لنحول دون ذلك.
ثم تذكروا أن بعض ما يتعرض له المسلمون في ديارهم حيث هم الأغلبية يفوق بمراحل ما يتعرضون له من اعتداءات في المنافي حيث هم أقليات، وتذكروا أن كثيرين منهم إنما اضطرتهم ظروف بلادهم البائسة إلى مغادرتها لما فيها من ظلم وقسوة وشظف معيشة.
أم نسيتم ما يجري في اليمن وفي سوريا وحتى في مصر ومن قبل في العراق من ذبح وقتل وتشريد يومي وما بات يمارس من تضييق على كل حر أبي في بلاد العرب والمسلمين.
لا أقصد أبدا التقليل من جريمة مذبحة نيوزلندا، وإنما أقصد النصح بتوخي الحذر واللجوء إلى الحكمة في تحليل الحدث وفي التعليق عليه والابتعاد عن اللغة التحريضية.
وأخيرا، ورغم بشاعة الجريمة، إلا أنني أرجو الله أن يكون الحدث فرصة لفتح أعين كثير من الناس في مشارق الأرض ومغاربها ليروا الإسلام على حقيقته، ويدخلوا في دين الله أفواجا. فالناس في كل مكان في حيرة، وفي حالة من الاضطراب والفزع والهلع، وهم بحاجة إلى ما يبعث الطمأنينة في نفوسهم، والإسلام كفيل بذلك، إن شاء الله، إن أقبلوا عليه، وهداهم الله إليه.