عندما نفّذ إرهابي مذبحة قتل خلالها 50 شخصاً في مسجدين بنيوزيلندا
الأسبوع الماضي، أقدمت رئيسة الوزراء «جاسيندا أرديرن» على حل المشكلة العويصة.
وقالت في مؤتمر صحفي: «يمكنني الآن أن أخبركم شيئاً واحداً: قوانين الأسلحة لدينا
ستتغير».
وهكذا
ينبغي أن تكون الإدارة الفعّالة. وقد وافق مجلس الوزراء في نيوزيلندا الآن من حيث
المبدأ على إصلاح تلك القوانين، ويُراجع الخبراء سُبُل جعل الدولة أكثر أماناً من
الأسلحة النارية، ووعدت «أرديرن» بأنه «في غضون عشرة أيام من ذلك العمل الإرهابي
المروّع، سنكون قد أعلنا الإصلاحات».
ودعونا
نقارن ما يحدث في نيوزيلندا مع الولايات المتحدة، حيث مات زهاء 1.45 مليون أمريكي
منذ عام 1970 بسبب الأسلحة النارية (بما في ذلك جرائم القتل وحالات الانتحار
والحوادث) أكثر ممن ماتوا في تاريخ الحروب الأمريكية كافة، والذين يبلغ عددهم 1.4
مليون شخص. ويموت أمريكيون بسبب الأسلحة النارية في كل عشرة أسابيع أكثر ممن ماتوا
في حربي أفغانستان والعراق كافة، وعلى رغم من ذلك، فليست لدينا حتى الآن قواعد
خاصة لسلامة الأسلحة بنفس الصرامة الموجودة في نيوزيلندا حتى قبل الهجوم على
المسجدين.
وبالطبع،
سيُجهّز الاتحاد القومي للأسلحة، الذي يضم الغالبية العظمى من ملّاك الأسلحة،
خدعة، زاعماً أن كراهية القاتل، وليست أسلحته ورصاصاته، هي المشكلة الحقيقية.
وعلى
رغم من حقيقة أن أيديولوجية تفوّق البيض مميتة ولا بد من مواجهتها، لكن لولا أسلحة
القتل الجماعي، لظلّ 50 مصلياً في نيوزيلندا أحياء، وكذلك 17 طالباً ومعلماً في
باركلاند بولاية فلوريدا، و9 مصلين في تشارلستون بكارولينا الجنوبية، و11 من رجال
الدين في بترسبيرغ، و58 من رواد الحفلات الموسيقية في لاس فيغاس، و26 تلميذاً
وبالغاً في نيوتاون بكونيكتيكت. كان هؤلاء جميعاً سيبقون أحياء!
فلماذا
لا يستطيع القادة في أمريكا أن يتعلّموا من خبرة وطريقة عمل القادة في الدول
الأخرى؟ بعد المذبحة التي وقعت في أستراليا عام 1996، اتخذت الحكومة الأسترالية
إجراءات واسعة النطاق لتشديد سياسات حمل الأسلحة. وعلى النقيض، في كل يوم، يموت
مئة شخص في أمريكا من جراء العنف باستخدام الأسلحة، ويُصاب أكثر من 300 شخص،
والرئيس والكونجرس لا يُحرّكان ساكناً.
ولنكون
منصفين، لم يكن الليبراليون مفيدين في كثير من الأحيان، بنشر جهلهم بشأن الأسلحة
النارية التي يقترحون تنظيمها أو الهذيان بشأن حظر الأسلحة أو «السيطرة على
الأسلحة» بأساليب دفعت حائزي السلاح الذين يشعرون بالمسؤولية إلى أحضان «الاتحاد
القومي للأسلحة». وأقترح التخلي عن الإشارات إلى «السيطرة على الأسلحة»، والحديث
بدلاً من ذلك عن «سلامة السلاح».
وبالطبع،
لا توجد حلول سهلة، فالولايات المتحدة لديها الآن أسلحة أكثر من البشر، ولذلك لدى
المجرمين معروض مستمر، وكذلك المواطنين العاديين، لاسيما أن معدلات الانتحار بلغت
أعلى مستوياتها في 30 عاماً.
غير
أن قوانين حمل الأسلحة تحدث فرقاً فعلياً. فعندما شددت ولاية «كونيكتيكت» قوانين
الترخيص في عام 1995، تراجعت معدلات القتل بأسلحة النارية بنسبة 40 في المئة.
وعندما خففت ولاية ميسوري قوانين الأسلحة في 2007، قفزت معدلات القتل الأسلحة
بنسبة 25 في المئة.
وتُظهر
استطلاعات الرأي بعض أن التدابير تحظى بالفعل بدعم واسع النطاق، ففي البداية، هناك
أكثر من 90 في المئة من حملة الأسلحة يؤيدون عمليات فحص شاملة لخلفية مشتري
الأسلحة لضمان أن الأشخاص يحقّ لهم قانوناً امتلاك سلاح قبل شرائه.
ومن
المثير للذهول، أن 22 في المئة من الأسلحة في الولايات المتحدة لا يزال يتم الحصول
عليها من دون فحص. وفي أجزاء من الولايات المتحدة، قد يتطلب الأمر تحقيقاً متعمقاً
في خلفية الشخص لتبني كلب أكثر مما يتطلبه امتلاك سلاح شبه آلي طراز AR-15.
ومرّر
مجلس النواب قانوناً الشهر الماضي للمطالبة بعمليات فحص شاملة لخلفية حاملي
الأسلحة، لكن ليس ثمة فرصة لتمريره في مجلس الشيوخ خلال العام الجاري.
وهناك
خطوة أخرى أساسية: هي إبقاء الأسلحة بعيداً عن أيدي الأشخاص الذين يظهرون خطراً
على أنفسهم أو على الآخرين، كمن لديهم ميول انتحارية، أو يهددون شركاءهم.
وعلينا
أيضاً أن نستثمر المزيد في «أسلحة ذكية» لا يمكن إطلاق نيرانها إلا من خلال الشخص
المصرح له بذلك، فمن المثير للغضب أن الهواتف تتطلب رقماً سرياً أو بصمة، في حين
أن بندقية شبه آلية AR-15 لا تتطلب ذلك. وسيساعد ذلك في منع استخدام زهاء
200 ألف سلاح مسروق سنوياً.
والنموذج
التنظيمي الذي ينبغي اقتفاء أثره هو السيارات، فنحن لم نحظر استخدام السيارات،
لكننا وضعنا تعديلات من أجل السلامة (مثل حزام الأمان وأكياس الهواء) وتقييد
استخدامها من خلال الرخص ومنع قيادة المخمورين، على نحو قلص بشدة معدل الوفيات
الناجمة عن حوادث السيارات.
وعلى
رغم من أننا إذا ما اتبعنا هذا النهج في التعامل مع الأسلحة، فسيظل أمريكيون
كثيرون يموتون، لكن الخبراء أوضحوا لي أننا يمكننا تقليص الوفيات نتيجة الأسلحة
بمعدل الثلث، لننقذ 13 ألف حياة سنوياً.
عن صحيفة الاتحاد الإماراتية