الأمير خالد بن سلمان، شقيق ولي العهد السعودي، تسلم وفقاً لمصادر مطلعة؛ مهمة لا تقل أهمية عن منصب نائب وزير الدفاع الذي تسلمه مؤخراً، وتتمثل في الإشراف على ملف العلاقة مع اليمن.
ولهذا الملف تعقيداته وصعوباته كما يعلم الجميع، في ظل الحرب الدائرة حالياً والتي تتورط فيها المملكة بكل ثقلها وإمكانياتها، ولا يعرف بعد ما إذا كانت قد حسمت أمرها في إنهاء هذه الحرب على قاعدة الانتصار على "المشروع الإيراني" أو "المد الفارسي"، كما تدّعي، أم أنها تغرق في المستنقع اليمني، بتأثير الوصفة الإماراتية السيئة التي سلبت من الرياض قيادتها الفعلية للحرب.
منذ بدء تدخل التحالف في 26 آذار/ مارس 2015، لعبت اللجنة الخاصة والاستخبارات الدور الرئيس في إدارة العلاقة مع الشرعية اليمنية ورموزها، وهي تخفيض مقصود في المستوى البروتوكولي الذي واجهه هؤلاء الرموز منذ أن حط بهم الرحال في الرياض.
في ظل الحرب الدائرة حالياً والتي تتورط فيها المملكة بكل ثقلها وإمكانياتها، ولا يعرف بعد ما إذا كانت قد حسمت أمرها في إنهاء هذه الحرب على قاعدة الانتصار على "المشروع الإيراني" أو "المد الفارسي"، كما تدّعي، أم أنها تغرق في المستنقع اليمني
لكن مبعث ارتياح الكثيرين حينها؛ أنهم وجدوا
ضباطاً سعوديين متحمسين لتحقيق نتائج في الحرب التي تخوضها بلاهم في اليمن طبقاً للأهداف المعلنة، فقد أقام هؤلاء الضباط قنوات اتصال ممتازة مع الفاعلين اليمنيين، الأمر الذي انعكس سريعاً في النتائج العسكرية على المستوى الميداني.
وكان اللافت أن حاكم أبو ظبي القوي، محمد بن زايد، عمل بسرعة على إقناع القيادة
السعودية بالاستغناء عن أفضل ضباط الاتصال في اللجنة الخاصة، مستغلاً الانتقال الدراماتيكي للسلطة داخل العائلة السعودية المالكة، والذي شارك في الترتيب له بالتعاون مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
فقد كان ابن زايد يخطط للاستئثار بتوجيه مسار الحرب في اليمن وفق أولويات عدائية، تحولت معها الحرب من إسناد أخوي لدولة شقيقة؛ إلى حرب قذرة على هذه الدولة وإمكانياتها ومكوناتها السياسية، وأحد المظاهر السيئة لسياسة تصفية الحسابات التي اعتمدتها الثورة المضادة؛ في إطار حقدها الشديد الذي صبته على الربيع العربي ومحمولاته السياسية.
تقديري أن إحالة ملف اليمن إلى شقيق ولي العهد، بُني على تقديرات من جانب الأمير محمد بن سلمان، لها علاقة وثيقة بنزعته للاستئثار بالسلطة وتركيزها في الفرع "السَّلماني" من العائلة المالكة، التي يبدو أنها تفقد السلطة والتأثير، وتكاد المناصب الإدارية تنحصر في الجيل الثالث الأصغر سناً منها، والذي يمارس دوره تحت الرقابة الصارمة لولي العهد.
إحالة ملف اليمن إلى شقيق ولي العهد، بُني على تقديرات من جانب الأمير محمد بن سلمان، لها علاقة وثيقة بنزعته للاستئثار بالسلطة وتركيزها في الفرع "السَّلماني" من العائلة المالكة
فالعلاقة مع اليمن محورية ضمن الرؤية الاستراتيجية، وهي اليوم
استثنائية في ضوء هذا التشابك الذي وصل حد
الحرب غامضة الأهداف، والتي تخوضها السعودية على الساحة اليمنية، وتحتاج إزاءها إلى مخرج يليق بالقدرات العسكرية التي تتكدس لديها، وبكبرياء عقود من النفوذ الذي مارسته على اليمن واليمنيين.
ومن المهم هنا أن نلقي نظرة على الأساس الخاطئ الذي بنت السعودية عليه نظرتها لجارتها الجنوبية، فقد احتفظ الملك عبد العزيز وأنجاله من بعده بنظرة سلبية تجاه العلاقة مع اليمن، تفيد بأن السعودية ستكون بخير ما بقي اليمن ضعيفاً.
وبتأثير هذه النظرة تركز نشاط ودور اللجنة الخاصة المعنية باليمن داخل الحكومة السعودية، التي كان يتولى رئاستها الأمير السعودي الراحل وواسع النفوذ، سلطان بن عبد العزيز، في شراء الولاءات وتنصيب النخب السياسية الضعيفة والتابعة للرياض في الدولة اليمنية، واعتماد مبدأ المقاولة السياسية التي رست على معظم الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم صنعاء، وكان آخرهم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
إصرار السعودية على بقاء اليمن ضعيفاً ومتخلفاً وخاضعاً لدكتاتورية صالح الأنانية، قد ساهم إلى حد كبير في تجريف البيئة السياسية، وتحويل مشروع احتكار السلطة وتأبيدها إلى حصان طروادة الذي نفذت من خلاله إيران
وللإنصاف لم تكن السعودية تبخل مالياً على اليمن، فقد بقيت تحافظ على مركزها كأكبر الداعمين لصنعاء طيلة العقود الماضية، لكنها كانت في المقابل تحرص على أن تبقى هذه الأموال غطاء للممارسات الفاسدة والنهب المنظم الذي مارسه المسؤولون، ولم تكن المساعدات السعودية تحقق إلا الجزء اليسير من متطلبات التنمية التي يحتاجها اليمنيون.
استثمر صالح، الذي كان يمثل عملياً المكون الزيدي المهيمن على القرار في صنعاء، جزءا من أموال الدعم السعودي في بناء نفوذه الخاص الذي سمح له في أحد مراحل العلاقات مع السعودية بالخروج عن إرادتها، كما حدث في حرب الخليج الأولى عام 1992، والتي أظهر فيها تعاطفاً واضحاً مع العراق.
لكن الذي لم تحسب له السعودية حساباً؛ هو أن إصرارها على بقاء اليمن ضعيفاً ومتخلفاً وخاضعاً لدكتاتورية صالح الأنانية، قد ساهم إلى حد كبير في تجريف البيئة السياسية، وتحويل مشروع احتكار السلطة وتأبيدها إلى حصان طروادة الذي نفذت من خلاله إيران وأدواتها إلى الساحة اليمنية؛ لتتحول إلى أخطر التهديدات الاستراتيجية لأمن المملكة ووجودها في اللحظة الراهنة.