أظهرت النتائج الأولية للانتخابات المحلية الأخيرة في تركيا تراجعا ملحوظا لحزب العدالة والتنمية الحاكم، في حين تقدمت المعارضة على الأقل في مدن كبرى مثل إسطنبول والعاصمة أنقرة، بحسب النتائج المحتملة وغير الرسمية.
وفي محاولة لفهم أسباب وتأثير هذا التراجع استطلعت "عربي21"
آراء عدد من الأتراك حول نتائج الانتخابات وأسباب الخسارة وفق وجهة نظرهم، والتي
لم تحدث منذ وصول العدالة والتنمية للسلطة في عام 2002 وحتى اليوم، وخاصة مدينة إسطنبول
التي بقيت في يد "الإسلاميين" منذ عام 1994، حينما وصل الرئيس رجب طيب
أردوغان لرئاسة بلديتها ممثلا عن حزب الرفاه الذي أسسه البروفيسور الراحل
نجم الدين أربكان.
وعن أسباب تراجع العدالة والتنمية، يقول المواطن
التركي عمر تكال لـ"عربي21" إن "السبب الأول يعود لما أثير حول نية
الحكومة رفع سن التقاعد، وفقا لمنظومة التقاعد المعمول بها في الاتحاد الأوروبي،
وهو ما استثمرته المعارضة بشكل جيد خاصة مع الأوضاع الاقتصادية الأخيرة".
ويتابع تكال قائلا: "السبب الثاني هو الاختيار
الخاطئ من قبل العدالة والتنمية لمرشحيه وفرض مرشحين على الأحياء من خارجها ومن
غير سكانها، وتمت عملية تدوير للأشخاص من شرق إسطنبول لغربها، وهو ما لا يمكن أن
يقدم المرشح للبلدية مع خدمة بشكل جيد لقلة خبرته بطبيعة الحي المرشح له"،
لافتا إلى أن "مرشح حزب العدالة والتنمية محمد أوزهسكي خسر لأنه ليس
"ابن أنقرة"، بحسب تعبيره.
ويضيف تكال أن "انخفاض سعر العملة أمام الدولار
وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، أغضب الناس واستثمرته المعارضة بشكل جيد"، موضحا
أن "الكتلة التصويتية للأكراد في إسطنبول ذهبت لحزب الشعب الجمهوري، بسبب
تحالف العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية المعادي للأكراد، خلاف المحافظات
الشرقية التي يغلب عليها طابع التدين، وهو ما ظهر خلال تصويتهم للعدالة والتنمية،
إلى جانب تسرب أصوات العدالة والتنمية من إسطنبول إلى القرى والمحافظات"، على
حد قوله.
اقرأ أيضا: هكذا اكتسح حزب أردوغان بلديات فرعية بمدن كبرى خسرها (خارطة)
ورأى تكال أن "الاستقطاب الحاد الذي تم قبيل
الانتخابات على أساس الأيديولوجيا والهوية ساهم في خسارة العدالة والتنمية، وخاصة
تصريحات بعض قيادات الحزب واتهامات المعارضة إما بالإرهاب أو التبعية لفتح الله
كولن".
وفي الإطار ذاته، أوضح المحلل السياسي التركي مصطفى
أوزجان لـ"عربي21" أن "أهم أسباب الخسارة للعدالة والتنمية هو
الملف الاقتصادي وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب، وفشل المحاولات المتكررة من قبل
الحكومة للخروج بالبلاد من الأزمة التي صنعتها وساهمت فيها وكالات التصنيف
الائتماني الرئيسية الثلاث، ستاندرد آند بورز وفيتش وموديز، في إطار الحرب
الاقتصادية على تركيا، وهو ما يمكن قراءته في التصويت الاحتجاجي العقابي للعدالة
والتنمية".
وذكر أوزجان أن "الأصوات لم تذهب بعيدا عن
العدالة والتنمية، ولم تكن موجهة إلى حزب الشعب الجمهوري بقدر ما كان التصويت
لأشخاص في الحقيقة خلفياتهم السياسية أقرب للعدالة والتنمية"، مبينا أن
"أكرم إمام أوغلو مرشح المعارضة كان قد طلب من حزب العدالة والتنمية أن يترشح باسمهم عام
2009، لكنهم رفضوا، فذهب لحزب الشعب الجمهوري وفاز، ببلدية باليك دوز وأيضا منصور
يافش مرشح المعارضة بأنقرة هو في الأصل من أصول قومية أو محافظة، من حزب الحركة
القومية المتحالف مع العدالة والتنمية".
وأرجع أوزجان أيضا أسباب التراجع إلى "مظاهر
الفساد والمحسوبية التي باتت ملحوظة من قبل الشعب في طريقة عمل العدالة والتنمية، وتمثل
ذلك في حملة المعارضة على أردوغان عندما أعطى براءت البيرق وزارة المالية وهو صهر
الرئيس، واستطاعت المعارضة استغلال ذلك بشكل جيد والتأكيد أن الدولة تدار بالفساد
والمحسوبية"، وفق رأيه.
من جهته، أكد المؤرخ التركي مفيد يوكسل أن
"العدالة والتنمية خسر حوالي 6 بالمئة من كتلته التصويتية في إسطنبول، وعلى
رأسهم الشباب الذين يتجاهلهم الخطاب السياسي للحزب، إلى جانب ضعف التشكيلات
الشبابية بالحزب وقلة اهتمامه بها".
اقرأ أيضا: الانتخابات المحلية التركية.. قراءة في النتائج والأسباب
وأضاف يوكسل لـ"عربي21" أن "الشباب
ينظرون إلى بن علي يلدريم مرشح العدالة والتنمية في إسطنبول، على أنه رجل كبير
خلاف الشاب الذي قدم نفسه بشكل جيد وخطاب شبابي مناسب"، متوقعا أن تساهم
نتائج الانتخابات الحالية في خلق وتهيئة الأجواء لمخاض جديد في تركيا، يكون أكثر
قربا لتطلعات الشعب التركي.
واعتبر يوكسل أن "قرار الناخب التركي في غاية
الذكاء، حيث أوصل رسالته بكل بوضوح للسياسيين وأراد أن يعمل العدالة والتنمية
والمعارضة معا تحت ضغط طوال الوقت من أجل التنافس على أفضل طريقة لخدمته ونيل
رضاه".
يذكر أن رئيس اللجنة العليا للانتخابات في تركيا
سعدي غوفن، قال في تصريح للصحفيين أمام مقر اللجنة العليا للانتخابات بالعاصمة
أنقرة، إن اللجنة أبلغت الأحزاب السياسية عن النتائج الأولية للانتخابات التي جرت
الأحد الماضي.
وفي الوقت ذاته، قال متحدث باسم حزب "العدالة
والتنمية" التركي عمر جليك الثلاثاء، إنهم اكتشفوا "تناقضا واضحا"
وعدم انسجام بين محاضر نتائج الاقتراع وجداول عد وفرز الأصوات في صناديق أنقرة
وإسطنبول.
الانتخابات المحلية التركية.. قراءة في النتائج وأسبابها
هكذا اكتسح أردوغان بلديات فرعية بمدن كبرى خسرها (خارطة)
هل تنقلب نتيجة الانتخابات لصالح حزب أردوغان في إسطنبول؟