يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الزوجة الصالحة بأنها هي التي: إذا نظرت إليها سرَّتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غِبْتَ عنها حفظتك. والعجيب، أنه صلى الله عليه وسلم لا يتكلَّم عن صفات نظريَّة مجرَّدة، مُعلَّقة في الهواء؛ بل كأنها دورة وجوديَّة مُكتملة لعلاقة الزوج بزوجه. فإذا كان السرور الأول يحدث نتيجة جمال صورتها، وحُسن سيرتها، وحصول حفظ الدين بها؛ فإن هذا السرور الناتج عن النظر هو أول ما تبدأ به العلاقة، ثم إذا انتقلا إلى مرحلة المكابدة معا، في أثناء المعيشة المشتركة؛ أطاعته ما لم يأمرها بمعصية، ليمضي ركب الحياة بهذه الدرجة من التفاهُم التي جعلتها طيعة هينة لينة لزوجها؛ بإرادتها. فقد استكملت أنوثتها برجولته واستكمل رجولته بأنوثتها.
فإذا أدار وجهه عنها ملتفتا لبعض أمره، غائبا عنها بالكليَّة أو غائب النظر فقط؛ كان ذلك منها أدعى لحفظ أمره في نفسها كما تحفظ ذات نفسها وتصون ماله وولده، فإذا ما قضى شأنه ونظر إليها أخرى؛ كان السرور أكبر والمحبة أعمق، إذ أضيفت لأسباب السرور الأول تجربة طيبة أو "وعي تاريخي"، بتفاهم مشترك وتكامُل وجودي؛ يملأ الزوج سرورا حين يسترجع ما كان منها وما سيكون. ذلك أنها بطاعته في غيبته حفظت عليه وجوده ورجولته كما حَفِظَت أنوثتها، فكانت كل دورة مكتملة الشروط، من هذه الدورات؛ نعيما مكتمل الأركان، وسببا من أسباب عمق المودة بين الزوجين.
فإذا أردتَ
الزواج؛ فليكُن لطلبك هذه المودَّة مفتاح عملي، وذلك بأن يكون أول وأهم ما تستكشفه فيمن رغبت فيها هي: عيوبها، وليس ذلك حتى "تُخطط" لتُغيير هذه العيوب، فهذه من الأوهام الكارثيَّة التي تُحطِّم العلاقات الزوجيَّة، وإنما ليكن هدفك من وراء ذلك هو التعرُّف لمدى قدرتك على تحمُّل عيوب الطرف الآخر. إذ عليك أن تتخيَّر من تستطيع احتمال عيوبها أبدا، لتحتمل هي الأخرى عيوبك ونقائصك. وهذا يسري على كل العلاقات الإنسانيَّة، وليس على الزواج فحسب.
إن الانشغال بعيوب الآخرين ومحاولة تغييرها، خصوصا مع من نُحب؛ نزعة تألُّه تجعلك تتغافل عن نفسك المثقلة بالعيوب، وتنشغِلُ بما توهَّمته في غيرك، في حين أنك لو انشغلت بعيبك؛ لاقتدى بك أصحاب العيوب ممن تعول! فاظفر بمن تحتمِل عيبه ويحتمل عيبك. بمن يحبك رغم عيوبك، لا من يُحبك لتوهُّمه خلوّك من العيوب، فإن الكمال لله وحده والعصمة لا تكون إلا لرُسُله. ولنا في سورة العصر ناموس واضح: "والعصر* إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"؛ أي تذاكروا الحق وتواصوا به، وتواصوا بالصبر على نقصانه في النفس وفي الخلق، واستعانوا بالله على احتمال ذلك في أنفسهم وفي غيرهم.
وحتى نختم مقالنا بشقٍّ عملي، ممكن التطبيق؛ فإليك ثلاث نصائح محوريَّة لاختيار زوجة:
أولها، ألا تتزوج امرأة لأنها "خطفتك" ببريق جمالها الأخّاذ، ولكن تزوَّج من تتسلَّل إليك جاذبيتها ببطء، وتتغلغل محاسنها في نفسك على مهل. فجمال الشكل المبهِر الخاطِف تبلى جدَّتهُ بالاعتياد، وتتآكل نضارته بتقدُّم العمر وبالمرض، فضلا عن أنه يطوي في الغالب قدرا مُزعجا من الخواء الروحي والهشاشة النفسيَّة، إضافة إلى الغرور والتمركُز حول الذات. أما بهاء الروح وجمال الطبع؛ فيُعمّر فوق جمال الشكل والشباب، وكثيرا ما يدوم رغم قسوة المرض.
أما ثاني هذه النصائح، ففيها إجمال لبعض ما سبق؛ ألا تتزوج امرأة حتى تعرف عيوبها بوضوح، وتجد في نفسك القدرة على تحمُّل هذه العيوب واحتوائها والتعايش معها بغير صدام يُهدد استمرار الحياة المشتركة. وإذا كانت من ستتزوجها ناضجة نفسيّا وعاطفيّا ونالت قسطا من التربية في بيت أهلها؛ فمن العبث أن تحاول تغيير طباعها وعيوبها، بل يجب أن تتقبَّل عيوبها لتتحمل هي الأخرى عيوبك، كما أسلفنا.
وثالثة الأثافي، هي ألا تتزوج امرأة لأنك تريد أن "تنام" معها، وتشتهي مضاجعتها؛ ولكن تزوج من تريد "العيش" معها بعد انقضاء اللحظات الحميمة القصيرة. تزوَّج من تسعَد بوجودها في حياتك. صحيح أن رغبتك الجنسيَّة فيمن تتزوجها مهمة، لكن لا تجعلها مركزية، ولا تَبنِ عليها كل شيء. واختر
المرأة التي لا تستطيع الاستغناء عن وجودها، وليست تلك التي قد ترغب في التخلُّص منها متى ما قضيت وطرك!