المجلس الرئاسي، خاصة رئيسه، انتهج الحيادية والتوافق في إدارة الأزمة منذ توقيع اتفاق الصخيرات في كانون أول (ديسمبر) 2015م، لهذا فتح الباب لمشاركة الأطراف المحسوبة على عملية الكرامة والنظام السابق.
كان منطلق المجلس الرئاسي، خاصة رئيسه، اعتبار البرلمان هو المجلس التشريعي، وتعامل بإيجابية مع قراراته خاصة المتعلقة بالجيش وقائده، لهذا فقد بارك جُل الأعمال العسكرية التي قادها حفتر، والتحفظ الخجول كان في حالة أو حالتين كما وقع بعد سيطرة الجيش التابع للبرلمان على الحقول والموانئ النفطية.
من الاحتجاج الخجول إلى المواجهة النارية
الحقيقة أن أداء الرئاسي، خاصة رئيسه، اتسم بالضعف في مواجهة تغول حفتر، وانحصر في ردود الفعل المستجيبة لما يصدر عن الجيش ويشترطه قائده حفتر بدءا من الوساطة المصرية مرورا بمبادرة باريس وصولا إلى اجتماع أبوظبي، وهو ما اعتبره رئيس المجلس الرئاسي تنازلات مُرّة لأجل التوافق وتجنيب البلاد الحروب.
انتقل الرئاسي، خاصة رئيسه، نقلة مهمة في موقفه وردة فعله تجاه حفتر بعد الهجوم على طرابلس، واتخذ التطور في الموقف مسارا تدريجيا في زمن قصير، فموقف السراج في اليومين الأولين من الهجوم مختلف عن موقفه بعد أسبوع، مختلف تماما عما صدر عنه تجاه حفتر بعد أسبوعين من الاعتداء.
يحتاج المجلس الرئاسي أن يقوي الجبهة الغربية بترميم الشرخ الاجتماعي وهو يتطلع لمرحلة ما بعد الحرب
فمن الشعور بالخيانة والطعن في الظهر انتقل الخطاب إلى قمة الصدام بوصف حفتر مجرم حرب واتهامه بارتكاب انتهاكات خطيرة والتعهد بمواجهته في محكمة الجنايات الدولية.
غير أن الأهم من التصريحات هو السياسات والإجراءات الواجب اتخاذها والحرب قد دخلت مرحلة جديدة، والاعتداء يلقي بظلاله على المشهد السياسي والعسكري والأمني والاجتماعي، ويتطلب مقاربات تحتوي
التداعيات الكبيرة والخطيرة المحتملة جدا.
تداعيات محتملة جدا
الاعتداء زاد في تأزيم الوضع السياسي، فحفتر اليوم في نظر جبهة
طرابلس غادر متورط في جرائم ولا يمكن الوثوق به وإشراكه في ترتيبات سياسية جديدة، وإن لم يكن المجلس الرئاسي، خاصة رئيسه، قد حسم موقفه في ما يتعلق بالقبول بحفتر كطرف في أي توافق قادم، فمن الممكن أن يواجه معارضة قوية قابلة للتحول إلى مواجهة من قبل الجبهة العريضة التي لعبت دورا في التصدي للهجوم وكسره.
مناطقيا يحتاج المجلس الرئاسي أن يقوي الجبهة الغربية بترميم الشرخ الاجتماعي وهو يتطلع لمرحلة ما بعد الحرب، وسيكون رأب الصدع صعب المنال بعد مشاركة مناطق وقبائل لها وزنها الاجتماعي في الهجوم على العاصمة.
حفتر اليوم في نظر جبهة طرابلس غادر متورط في جرائم ولا يمكن الوثوق به وإشراكه في ترتيبات سياسية جديدة
عسكريا وأمنيا، فإن الترتيبات الأمنية والعسكرية التي تم العمل بها منذ 2017م والتي عززت من نفوذ الرئاسي في العاصمة ومحيطها الشرقي والغربي تواجه خللا كبيرا بعد مشاركة كتائب ومجموعات مسلحة مرفوضة من الرئاسي في السابق، وليس مستبعدا أن ترفض تلك المجموعات العودة إلى ما قبل 4 نيسان (أبريل) الجاري، وقد تعود طرابلس إلى ظاهرة انتشار الكتائب المسلحة غير المنضبطة والمجموعات الإجرامية الصغيرة التي تمارس انتهاكات فظيعة، ومن المرجح في هذه الحالة أن تندلع مواجهات وتستمر، وقد يتطلب السيطرة على العاصمة وضواحيها من جديد جهدا ومالا ووقتا سيكون خصما على مسار التسوية والاستقرار.
أخطاء تستوجب التصحيح
الخطأ الكبير الذي ظهرت آثاره اليوم بجلاء هو عدم اهتمام المجلس الرئاسي، خاصة رئيسه، بالملف العسكري، وتجاهله للدعوات العديدة لأجل التركيز على حشد عناصر القوات المسلحة من ضباط وضباط صف وجنود وبناء جيش نظامي قوي، ودمجه مع من يقع عليهم نفس الوصف من العسكريين في مناطق الشرق والجنوب حال الاتفاق على توحيد المؤسسة العسكرية.
صار اليوم ضروريا جدا أن يكون الملف العسكري وقضية ترتيب أوضاع القوات المسلحة أولوية لا تتأثر بالمسار السياسي وتعرجاته ولا تخضع للمساومة من الطرف الآخر كما كان الوضع خلال العامين الماضيين.
وضع الكتائب والمجموعات المسلحة، خاصة في العاصمة، يتطلب إعادة ترتيب حكيم، وباعتبار أن جُلها يعمل ضمن النشاط الأمني والعسكري فإنه من الضروري ترتيب وضعهم بشكل نهائي، ليلتحقوا بوزارتي الداخلية والدفاع وفق خطة تتضمن شقا تدريبيا منوعا يؤهلهم لتحمل مسؤوليات العمل الأمني والعسكري المنضبط.