يطالعون التقارير والإعلام يوميا، ولا تفوتهم أخبار أسواق المال، يحسبون الشهور والأيام، ويستعدون لكل حالة من شهور السنة التي خلقها الله سبحانه وتعالى بما يناسبها، لا يغفلون عن شهر رمضان وما فيه من ذكريات محفورة في ضمير الأمة المسلمة من سلوك فردي ومجتمعي بما يخالف كل شهور السنة ينشغل به الناس بما أعدوا أنفسهم له طوال هذا الشهر الفضيل، ولتنتهي أيامه ولياليه التي يقضونها في ما يستطيعون من عبادات بأعياد وتباريك وتهاني.
وفي هذا العام فقد أرادت الرئاسة الأمريكية أن يتعايش الناس بانشغالهم بالشهر وما فيه دون اهتمام يستحق بتصريح الإدارة الأمريكية بأنها تدرس وضع جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب، وربما على وهم من الإدارة أن تأتي ردود الفعل عند إصدار القرار مسيطرا عليها حسبما يخطط له شركاء الإدارة القلقون الذين استبقوا الشهر بأسبوع ليأتي نص البيان على لسان المتحدثة باسم البيت الأبيض في 30 إبريل 2019م الذي تقول فيه: (تعمل إدارة الرئيس الأمريكي على إدراج جماعة الإخوان المسلمين للقائمة الأمريكية الخاصة بالجماعات الإرهابية الأجنبية، وأن الرئيس تشاور مع فريقه للأمن الوطني وزعماء المنطقة الذين يشاورونه القلق).
لا أحد يغفل عن أن الخطوة الأمريكية (القديمة – الجديدة) كانت على جدول أعمال الرئيس الأمريكي أثناء حملته الانتخابية وبعد وصوله إلى المكتب البيضاوي .. وقبل موضوع القلق، ووقف أمامها بقدر الله سبحانه رغم قوة داعميه ما واجهته إدارته من معارضات داخلية وخارجية وتقارير رسمية أمريكية ودولية جادة تحذر من القيام بخطوة مثل هذه الخطوة.
ولكن الجديد في الأمر الآن هو ما يقال عنه صفقة القرن وتداعياتها، ويأتي التصريح عقب لقاء الرئيس الأمريكي بقائد الانقلاب العسكري المصري في نفس الشهر، وهو الذي كان الرئيس الأمريكي قد وصفه حسب ما جاء في كتاب (الخوف) للصحفي الأمريكي (بوب وودورد) بأنه (قاتل سخيف) وذكر الكاتب أن الرئيس ترامب وصف (الشريك المصري) بألفاظ سوقية نابية، وهي عموما فلتات اللسان المعروفة غير المحسوبة للرئيس ترامب، ومع ذلك لم يجد أي غضاضة بأن يسعى مع فريقه إلى وضع قتلى وضحايا قائد الانقلاب العسكري المصري على قائمة الإرهاب الأمريكية!!
وفي مقابل فلتات الرئيس الأمريكي غير المحسوبة فمن أقدار الله أن تكون لدى السفاح المصري فلتات أيضا، ففي عام 2015م وأثناء حفلا دينيا في القاهرة جمع فيه أصحاب عمائم كثيرين خرج في حديثه لهم عن ما هو مكتوب أمامه وبلا أي مناسبة ليوجه حديثه لكل الحاضرين بقوله: (إن المسلمين في العالم المليار و600 مليون يريدون قتل الدنيا كلها) وقالها بالعامية المصرية: (عشان يعيشوا) .. بما يعني من أجل أن يحيوا هم، لتبدأ بعدها الحملة الخبيثة على ما أسموه (الإسلام السياسي) لتكون العنوان الحقيقي لعدوان جديد على أي قوة شعبية تعمل للإسلام بجد على الأرض، دون أن يكون لهذه الحملة أي قوانين معروفة وبلا حدود ولا معايير غير التي يحددها الانقلابي السفاح المصري (السيسي) في سبيل تركيز حكمه وصولا إلى الملكية الجمهورية التي يسعى إليها.
أم ما يراه الرئيس الفرنسي (ماكرون) عندما تتملكه الخشية من أن يساهم المطحونون من شعبه من المسلمين في احتجاجات أصحاب السترات الصفراء الذين خرجوا إلى الشوارع تنديدا بالسياسات الاقتصادية الفاشلة.
أم السفاح الليبي (حفتر) الذي لولا أنه غير مقبول للناس أن يأتي الآن ويتبرأ من خيانته لقائده السابق (القذافي) ولجوئه إلى الولايات المتحدة بسبب أن القذافي كان إسلاميا سياسيا، وأن من يحاربهم هو الآن ويسفك دماءهم من أتباعه.
أو غيرهم ممن يتحكمون في ثروات الأرض وينفقونها بلا حساب ولا خشية من الله على مغامراتهم ودعمهم للقتلة السفاحين.
هو بالتأكيد اختبار جديد لنا في جماعة الإخوان المسلمين ساق في طريقنا اختبارات أخرى جديدة عندما أعاد البعض الطعن في فكرنا بعد الإعلان الرمضاني الأمريكي الذي جاء في استقبال شهر تتذكر فيه الأمة غزوة بدر في 17 رمضان، والتي كانت قبل 14 قرنا تقريبا .. ليأتينا سؤال جديد ما واجهنا به أحد قبل الإعلان الرمضاني الأمريكي .. ماذا ترون الآن؟ .. أو ليست هذه حملة جديدة في رمضان انتصارا لكفار قريش!!.
السؤال على قسوته يجب أن يكون أصحاب الفعل الذين يتابعون كل أحداث الدنيا يوميا قد أعطوه قدره من الأهمية وهم يخططون لفعلهم، إلا إذا كانوا يقصدونه، ومن العدالة أن يوجه إليهم وإلى الأمة المسلمة (المليار وستمائة مليون) الذين اتهمهم السفاح السيسي بأنهم يسعون إلى قتل باقي البشر كاشفا دون أن يدري عما وراء الاتهام من مخططات شيطانية وما كان يجري في الغرف الصماء مشاركا هو فيها، وقالها في لحظة نشوة انتابته بسيطرته على مصر وحربه على جماعة الإخوان المسلمين، ولا نستثني جماعتنا من السؤال، فنحن في مواصلة طريقنا بعون الله وبشعورنا بما يتم تخطيطه للأمة ولنا فلن نقول غير ما قاله الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وسلم بعدما وجده في زيارته الدعوية للطائف مناجيا ربه (إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي .. غير أن عافيتك هي أوسع لنا).
ومع ذلك فمن حقنا أن نرد على السؤال بسؤال نقول فيه أين كان الجميع عندما صمت من يعتبر نفسه من أصحاب العلم الشرعي (ويعملون على إخراجنا من الملة ومن الدنيا إن استطاعوا) وهم يسمعون فتوى قبل مجزرة ميدان رابعة العدوية في القاهرة في 14 أغسطس 2013 يدعم بها أحدهم الفرعون وجنوده يبيح فيها إهدار دم وعرض ومال من ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين ويبشر القاتل بالجنة بقوله: (طوبى لمن قتلهم وقتلوه).
وتأتي الأسئلة التاريخية تباعا:
لماذا لم يتعلم الإخوان المسلمين من أخطائهم بسبب وقوفهم أمام الأنظمة والتي تتكرر كل فترة؟
والإجابة السهلة لسؤال يقرؤهُ الناس دائما من الوجهة الخطأ المخالفة مع إغفال التاريخ عن عمد وهي:
وهل توقفت حركة جماعة الإخوان المسلمين وتوقف انتشارها كل هذا التاريخ الذي استمر تسعين عاما مع كثرة ضحاياها وشهدائها، أما أن الذي انتهى على الأرض وذهب بخطاياه إلى ملفات التاريخ هو الأنظمة التي حاربت الجماعة.
لقد فعلها في مصر النظام الملكي .. ثم اختفى، وورثه النظام الناصري .. ثم اختفى، وتوالت الأنظمة .. ثم تختفي، وحدث مثلها في أقطار أخرى.
ظاهرة تكاد لوضوح حقيقتها أن تصبح ظاهرة كونية لا تراها غير العيون المنصفة، ونعلم أنها بفضل الله وحده كان العون على التمسك بما تراه الجماعة من الصحيح في فكرها وسلوكها.
وسؤال يقول لماذا تبقى الجماعة متمسكة بثقافة المحنة؟
ونقول وهل طريق الدعوات الجادة مفروش بالورود، وهل جاءت الآيات القرآنية والأمثلة الربانية والحض على الصبر والمصابرة إلا بسبب المحن والابتلاءات التي يجدها الدعاة إلى الله في طريقهم (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت: 2).
وهل جاءت قصة أصحاب الأخدود عبثا (لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) وهم الذين أبقاهم الله سبحانه أحياءً بعد أن لجئوا إلى الكهف خوفا على دينهم لأكثر من ثلاثمائة عام ثم أيقظهم ليروا بأعينهم نصرة دينهم الذي تمسكوا به لتكون فرحة الدنيا قبل أن يريهم الله سبحانه وتعالى نعمة الصبر والمصابرة في الآخرة.
وهل قصة أصحاب الأخدود إلا تذكرة ربانية يحملها كل داعية في قلبه طوال سعيه على الأرض وهو يعلم كيف يمكن أن يأتيه تمحيص من الله ليعلم هل هو صادق أم غير ذلك.
وهل يأمن أي إنسان الفتنة واختباراتها، وهل توقف الطغاة والمستكبرون عن حربهم على الجماعة، وهل الواقع الذي نعيشه الآن قد جعل تاريخنا نسيا منسيا، راجعوا التاريخ كله من قديمه جيدا بعين حيادية منصفة.
لماذا يتجدد في تاريخ الجماعة ظاهرة خروج البعض عنها، ومن هذا البعض من ينتقدها وينتقد سياساتها وعملها علنا؟
وهل نحن إلا مجتمع بشري يخطئ ويصيب، وما يجري على الجماعة يجري على غيرها من الجماعات والأحزاب والهيئات فلسنا أصحاب دين جديد، وإنما نحن أتباع خاتم الديانات ومن يخرج عنا لم يخرج عن ديننا.
ومع ذلك فلم تدعي الجماعة في يوم من الأيام أنها تملك الحقيقة التي لا يملكها غيرها، ولم تقل يوما أنها معصومة من الخطأ أو أن قادتها معصومون، لا يضرنا أن يسعى غيرنا أو من كان في صفنا ثم غادره وأقام عملا آخر يدعو به إلى الله أو يسعى به إلى نصرة وطنه، فلا بأس عليه .. أما أن يتجاوز الأمر إلى غير ذلك فأمرنا وأمرهم إلى الله سبحانه.
ومع ذلك فإننا وبإشفاق على الجميع ننصحهم أن يسائلوا أنفسهم أولا قبل أن يحملوها مسؤولية أعمالهم وأقوالهم .. كيف بقيت الجماعة وواصلت عملها مع كل ما تم توجيهه إليها من نقد بناء وغيره طوال تاريخها مع كل ما مرت به من محن.. في الوقت الذي لم تستطع الكثير من الجماعات والهيئات والأحزاب على اختلاف توجهاتها الاستمرار والبقاء على الأرض ومنهم من كان مدعوما بقوى إقليمية أو دولية.
بعد هذه الفترة الطويلة فإن الجماعة لم تجدد فكرها الذي ورثته عن المؤسس حسن البنا (عليه رحمة الله) ولم تواكب ثقافة الأجيال والأحداث.
والإجابة عليه أننا لا نعطي فكر الإمام قدسية، والمقدس عندنا هو كتاب الله سبحانه وتعالى وما ورد من صحيح السنة، ولم نفرض فكرنا على غيرنا، وعقولنا وقلوبنا مرحبة بأي جديد يفيد العمل في إطار شرع الله سبحانه، وهو عليه رحمة الله ورضوانه الذي طالب إخوانه بما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها)، ومن خلال هذا الفكر لم تتخلف الجماعة عن كل قضايا الأمة، ومن حق أي إنسان آخر أن يأتي بأي فكر آخر ويدعو إليه الناس، ولكن وللتاريخ فمن حق الفكر الذي قامت عليه جماعة الإخوان المسلمين وتربت عليه أجيال أن نعيد تذكير البعض ممن عاش المرحلة السابقة وعرف أحداثها وأيضا نعيد الإشارة لمن لم يعشها ويشعر بسخونتها أنه كانت له الجولات الأهم في التصدي لعواصف فكرية هائلة هبت على الأمة مدعومة بقوى محلية وإقليمية مثل الماركسية والبعثية والقومية والعلمانية، عندما حاولت هذه الأعاصير أن تهدم كل المقدسات لدينا أو ربما بعضها.
وعلى الضفة الأخرى لمن نسي أو لم يكن يعلم، فقد كان هذا الفكر ومن اقتنع به من علماء ودارسين ومفكرين من أجياله المتتالية على مستوى الدنيا كلها الدور الأهم في تصحيح اجتهادات أصابت الأمة وكادت أن تودي بها، وصبرت هذه الأجيال في سبيل كشفها وإيقافها وتصحيح ما جاء فيها على الرغم من جراحاتها والمظالم التي كانت تتوالى عليها، مثل فتنة التكفير التي تجاوزت في بعض الأحيان النصوص الواضحة لكتاب الله سبحانه وما جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلم بتفسيرات ما كان يجب أن تستمر رغم أن أسبابها كانت تأتي بسبب ظلم الظالمين واستكبار المستكبرين وعجز العلماء الرسميين المتمتعين برضا الأنظمة عن مواجهتها.
ومثلها ما ابتدعه البعض من مقاييس غريبة عن الإسلام والمسلمين تحت عناوين ليست صحيحة وكان أخطرها الذي كان مدعوما بأنظمة وأموال بلا حدود الذي جاء على أساس حديث غير صحيح منسوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه: (تفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة).
وما ترتب عن قناعة البعض بهذا الحديث وما سببه من تشويه لدين الله سبحانه وإيجاد لنماذج سلوكية أساءت لثوابت كثيرة مثل حقوق المواطنة والتعامل مع البشر واستحلال بعض الحرام، ولمن لا يعلم أو يعلم ولكنه يتناسى هذه الأزمات التي استمرت سنوات طوال نقول بحمد الله أن عمل الجماعة طوالها بعلمائها وبفكرها في أكثر من مكان على الأرض كان دفاعا عن دين الله وتأكيدا للثابت من هذا الدين والذي لا خلاف عليه بين الأمة، ليكون الأمر بعد ذلك بفضل الله علامة على صحة الطريق.
ماذا لو صدر القرار الأمريكي بوضع جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب؟
المنطق يقول إن هذا السؤال يجب أن يوجه إلى الأمة المسلمة كلها التي اتهمها السفاح السيسي بهذا الاتهام، وإذا لم تتبرأ الإدارة الأمريكية مما قاله حليفها فعلى الأمة المسلمة بحكوماتها ومؤسساتها وعلمائها وأفرادها مسؤولة التصدي والدفاع عن دينها ومستقبل الأجيال القادمة التي يجب تأمين طريقها.
أما إذا كان الهدف هو جماعة الإخوان المسلمين تحت مسمى الإسلام السياسي فلا نملك أمامه إلا الدعاء إلى الله بطلب العون وما علمنا من قرآننا أن نقول: (حسبنا الله ونعم الوكيل)، سائلينه سبحانه العون على مواصلة الطريق، ومع ذلك فما زلنا نأمل أن تتغلب هذه المرة أيضا أصوات الحكمة التي تصدت للمحاولات السابقة وساعدت على إيقاف هذه الحملة الظالمة، ونردد بعد كل هذا ما قلناه عن هذا الأمر سابقا (أننا لا نرجوه .. ولا نخشاه).. (فأينما تولوا فتم وجه الله).