أكد مختصون
مصريون أن الانهيار الذي تشهده
صناعة
الغزل والنسيج، أسرع بكثير من "الخطط الوردية" التي وضعتها حكومة
الانقلاب العسكري برئاسة عبد الفتاح السيسي، لإنقاذ هذه الصناعة من الانهيار،
مؤكدين أن توقف 50% من الطاقة الإنتاجية لمصانع
النسيج في مصر مؤشر "بالغ
السوء".
وكان رئيس غرفة صناعة الغزل والنسيج باتحاد
الصناعات المصرية، محمد المرشدي، كشف في تصريحات صحفية، أن تراجع حجم القوى
الشرائية المحلية للمنسوجات المصرية، أدى لتوقف 50% من طاقة المصانع العاملة في هذا
المجال، منذ بداية 2019 وحتى الأول من أيار/ مايو الجاري.
وحمّل المرشدي فشل الحكومة في إيجاد حلول
لتسويق المبيعات، والتصدي للبضائع المهربة من الهند والصين وتركيا، المسؤولية
المباشرة للحالة الصعبة التي يعيشها قطاع النسيج، حيث أدى ذلك لخسائر وصلت إلى 100
مليار جنيه (590 مليون دولار)، وهو ما ساعد في انهيار الصناعة المحلية التى تسدد
الضرائب والجمارك.
وتزامن مع تصريحات المرشدي، بيان آخر لنقيب
الفلاحين المصريين، حسين أبو صدام بمناسبة موسم حصاد القطن، أكد فيه أن الانهيار
الذي تشهده زراعة القطن، كان بسبب فشل الحكومة في تسويق محصول الموسم الماضي وعدم
الالتزام بشراء القطن من الفلاحين بسعر الضمان الذي أعلنته، وهو 2700 جنيه (159
دولارا) لقنطار الوجه البحري، و2500 جنيه (147 دولارا) لقنطار الوجه القبلي، ما أجبر
المزارعين على بيعه بـ 2300 جنيه للقنطار (135 دولارا).
وأوضح أبو صدام أن الأراضي الزراعية المخصصة
لزراعة القطن تراجعت بشكل كبير، حتى وصلت في العام الجاري إلى 105 ألف فدان، بسبب
بيع مصانع الغزل والنسيج والمحالج واستيراد الأقطان متوسطة وقصيرة التيلة،
والاعتماد عليها في الصناعة المحلية.
خسائر بالأرقام
من جانبه قال عضو لجنة الصناعة والقوى العاملة،
بمجلس الشورى السابق طارق مرسي لـ "
عربي21"، إن صناعة النسيج تعاني
الانهيار مثل غيرها من الصناعات الحيوية والمهمة بمصر، في ظل غياب أي خطط حقيقية
لإنقاذ ما تبقى من هذه الصناعات، وتوفير الدعم المادي الذي يساعدها في التطوير
والنهوض مرة أخرى.
ويشير مرسي إلى أن مدينة شبرا الخيمة بشمال
القاهرة، التي تعد ثاني أكبر مجمع لصناعة الغزل والنسيج بمصر بعد المحلة الكبرى،
شهدت إغلاق 825 مصنعا من بين 1200 بالمدينة، وحتى المصانع الموجودة قلصت من حجم
إنتاجها نتيجة الخسائر التي تحيط بها.
ويضيف مرسي، أن مصانع مدينة حلوان التي كانت
تعد ثالث أكبر مجمع لصناعة النسيج بمصر، أغلقت هي الأخرى أبوابها، لصالح المصانع
الخاصة التي تم إنشاؤها بالمدينة الصناعية في 15 أيار/مايو المجاورة لحلوان، وهي
المصانع المنضمة لاتفاقية الكويز بين مصر وإسرائيل.
وحسب البرلماني السابق، فإن نظام مبارك، دمر
صناعة النسيج الوطنية لصالح الشركات الخاصة التي انضمت لاتفاقية الكويز، ومعظم
أصحابها لهم علاقات صداقة مع عائلة مبارك، بالإضافة لعلاقتهم مع إسرائيل، وكانوا
بمقدمة المشاركين في احتفال السفارة الإسرائيلية في القاهرة العام الماضي.
وأشار مرسي إلى أن النظام العسكري الذي توسع في
القروض لبناء الكباري والمدن الصحراوية، والمشروعات الأخرى التي تخدم مصالحه فقط،
كان أولى أن يوفر هذه القروض لخدمة تطوير الصناعات المصرية المميزة، مثل النسيج،
خاصة أن هذه الصناعة كانت ستغطي قيمة القروض من إنتاجها، على عكس الطرق والكباري
(الجسور).
كارثة التعويم
وعن الأهمية الاقتصادية لصناعة النسيج، أكد الخبير
الاقتصادي سمير أبو الخير لـ"
عربي21" أن هذه الصناعة تسهم حاليا بنسبة
3% من الناتج القومي لمصر، وقد استطاعت رغم معاناتها، أن تقوم بتصدير 15% من نسبة
تصدير المنتجات غير البترولية لعام 2018، وهو ما يعني أن السوق العالمي مازال يثق بالمنسوجات المصرية، رغم المنافسة الشديدة التي يعيشها هذا القطاع.
وأوضح أبو الخير أن النسبة السابقة لا تمثل شيئا مما كانت تحققه هذه الصناعة قبل عام 2012، وقبل قرار تعويم الجنيه في 2016، حيث
كانت تمثل 30% من إجمالي ما كانت تحققه الصناعات المصرية ككل، إلا أن عدم اهتمام
الدولة بها، وارتفاع أسعار المواد الخام، وتكلفة الأيدي العاملة، وارتفاع مصاريف
النقل لارتفاع أسعار البنزين، والمازوت كل ذلك أدى لتراجعها محليا وخارجيا.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن السنوات العشر
الأخيرة شهدت خروج 161 ألفا من العاملين بصناعة النسيج في القطاع الحكومي على
المعاش المبكر، بالإضافة إلى أن سياسات الحكومة الرامية لتصفية القطاع العام، دفعت
خسائر شركات الغزل لتصل إلى 33 مليار جنيه (مليار و900 مليون دولار)، ما أوجد
قناعة لدى النظام الحاكم بالتخلص منها، لصالح التوسع في إنشاء المدن النسيجية
الجديدة التي تعتمد على القطاع الخاص، بالشراكة مع الصين على وجه التحديد.
وقال أبو الخير، إن الأزمة في صناعة النسيج،
ليست كغيرها من الصناعات الأخرى، لأن اليد العاملة المصرية في هذه الصناعة لا تقدر
بمال، ومن ثَمّ فإن تطوير الماكينات وتحديثها، يمكن أن ينقذ ما تبقى منها، باعتبارها
صناعة مصرية لديها سمعة عالمية جيدة.