فتح الاتفاق الذي وقعه المجلس العسكري الانتقالي بالسودان مع تحالف قوى الحرية والتغيير، صراعا جديدا في المشهد السياسي بين الموقعين على الاتفاق والقوى السياسية التي كانت تشارك في حكومة الرئيس المعزول عمر البشير، وسط مخاوف من مناورة المجلس العسكري في تسليم السلطة إلى حكومة مدنية في ظل هذه الخلافات، إضافة إلى الخشية من تأثيرات قوى إقليمية تدعم حكم العسكر بالسودان.
وفي هذا السياق، اتهم رئيس حركة العدل والمساواة
المسلحة بإقليم دارفور جبريل إبراهيم دولا عربية سماها "السعودية والإمارات
وبشكل أقوى وبتنسيق مصري"، بأنها تعمل على استمرار المجلس العسكري في الحكم،
لعدم سحب الجيش السوداني المشارك في حرب اليمن.
وتابع إبراهيم في تسجيل صوتي مسرب استمعت إليه
"عربي21": "هذه الدول لا تريد أي شكل من أشكال الديمقراطية في
المنطقة، ولها مشروع معلن في محاربة الإسلاميين رغم تحفظ مصر التي لا تريد سلطة
للإسلاميين بالسودان، ولكنها أيضا لا تريد حربا مفتوحة ضد الإسلاميين خشة فتح جبهة
جديدة".
تحالف الإمارات
ورأى إبراهيم أن الدول الثلاث تفضل ألا يشارك
المدنيين سلطات المجلس العسكري الانتقالي، وأن مصر أدت دورا في هذا الاتجاه بدعم
تمديد قرار الاتحاد الأفريقي بخصوص نقل السلطة بالسودان، موضحا أن الولايات
المتحدة الأمريكية ترغب في عملية انتقالية، ولكنها لن تقف أمام رغبة هذه الدول
التي تربطها به مصالح اقتصادية قوية، خصوصا في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأعرب رئيس حركة العدل والمساواة المسلحة بإقليم
دارفور، عن خشيته من وقوع صدام بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي يرأسها
الفريق أول محمد حمدان حميدتي، نتيجة لما وصفه بالغيرة من التسليح المتطور الذي
تحصل عليه قوات حميدتي من الإمارات، على حد زعمه.
ورأى إبراهيم أن العلمانيين واليساريين مستعدون لأن
يكونوا مطية لتحالف الإمارات من أجل محاربة الإسلاميين، ما يهدد بمقاومة عنيفة
خصوصا أن الإسلاميين استمروا في الحكم ثلاثين سنة، ولديهم المال والإمكانات التي
تمكنهم من المواجهة، معربا عن بالغ خشيته من تحول السودان إلى وضع مشابه لما يجري
في ليبيا.
اقرأ أيضا: MEE: كيف قادت تدخلات الإمارات في الدول العربية لكوارث؟
ودعا قوى اليسار في السودان، إلى عدم الاستجابة
لمشروع تحالف الإمارات، وأن تدعو هذه الدول للمساعدة بالمال من أجل المنافسة
الانتخابية وليس من أجل التحريض على العنف.
وعقب نشر التسجيل الصوتي، أكد إبراهيم في بيان صحفي
وصل إلى "عربي21" نسخة منه، أنه "في دردشة مع أحد المعارف، وتحليل
يحتمل الخطأ والصواب للراهن السياسي، سجلت حديثا خاصا قام الطرف الآخر بنشره في
وسائل التواصل الاجتماعي دون إذني".
وشدد على أن "الآراء التي وردت في الشريط
المسجل تعبر عن اجتهاداتي الشخصية في التحليل، ولا تمثل مواقف الحركة التي تتخذها
مؤسساتها، وتسود على آراء الأفراد فيها، بغض النظر عن مواقعهم في الحركة، ورئيس
الحركة ملزم بمواقف مؤسسات الحركة ولو تعارضت مع آرائه الشخصية".
وأشار إبراهيم إلى أن "الحركة حريصة على الحفاظ
على علاقاتها بكل دول المحيط الإقليمي والدولي، وتدرك أهمية هذه العلاقات للبلاد،
وترحب بمساهماتها الإيجابية في حل المشكلة السودانية، وتتطلع إلى تطويرها للأحسن".
قالت حركة الإصلاح إنها ترفض من حيث المبدأ ثنائية الاتفاق
ومنذ التوقيع
على اتفاق الوضع الانتقالي في البلاد في الثامن من أيار/ مايو الحالي، صعدت عديد
من القوى السياسية من مواقفها المعارضة للاتفاق الذي سمح بمشاركة نسبة لا تتجاوز
33 بالمئة للقوى غير المشاركة في تحالف قوى الحرية والتغيير كافة، التي تفاوض
المجلس العسكري باسم الثوار المعتصمين أمام القيادة العامة للجيش في العاصمة الخرطوم.
وقال المتحدث الرسمي باسم حركة الإصلاح محمود الجمل
لـ"عربي21"، إن حركتهم لا ترفض النسبة التي تضمنها الاتفاق فقط، وإنما
ترفض من حيث المبدأ "ثنائية الاتفاق"، وأن الخطوة تُعيد إنتاج نظام
ديكتاتوري جديد، ويهزم مبادئ الثورة التي أطاحت بنظام البشير القمعي والديكتاتوري،
مؤكدا أن القوى السياسية غير تحالف الحرية والتغيير، لن تكون ملزمة بهذه
الاتفاقية.
برلمان إقصائي
وأضاف المتحدث باسم الحركة التي يقودها الدكتور غازي
صلاح الدين، أن "اللوحة التي رسمتها أقلام سياسية محددة، ناقصة"،
وأردف: "ليس من المقبول أن نستبدل برلمان نظام الإنقاذ الأحادي التوجه
ببرلمان يساري إقصائي جديد".
وفي بيان تسلمت "عربي21" نسخة منه، قال
رئيس منبر السلام العادل الطيب مصطفى، إنه "يرفض الاتفاق الثنائي، كما يرفض
انصياع المجلس العسكري لفصيل واحد سلمه السلطة التشريعية والتنفيذية ونصف السلطة
السيادية، عبر فترة انتقالية تقارب الدورة الرئاسية الكاملة دون أي تفويض انتخابي
شعبي، علما بأن المجلس العسكري كان قد جلس مع الأحزاب والقوى السياسية والحركات
المسلحة الأخرى، وتسلم مرئياتها المخالفة والمتناقضة تماما مع التوجهات الإقصائية
لقوى الحرية والتغيير، وطالب المجلس العسكري بمراجعة الاتفاق الظالم".
بيد أن عباس محمد إبراهيم الناشط الإعلامي والعضو
البارز في تحالف الحرية والتغيير، وصف في حديث لـ"عربي21"، الاتفاق
بأنه مقبول، وأن المقصود بنسبة 33 بالمئة للبرلمان الانتقالي هي فقط للقوى التي
خرجت من نظام البشير قبل الإطاحة به، وذكر: "هل من المنطق إعادة الأحزاب
ذاتها التي كانت جزءا أساسيا من النظام الذي عصفت برمته الثورة؟".
اقرأ أيضا: دعوات لمليونية جديدة في السودان بعد تعليق "المفاوضات"
في المقابل، حذّر القيادي البارز في حزب المؤتمر
الشعبي عمار السجاد في حديثه لـ"عربي 21" من تجاوز حقوق شباب حزبه الذين
شاركوا في الثورة وقُتل من صفوفهم شابان، واتهم قوى الحرية والتغيير بمحاولة سرقة
الثورة، كما حذر المجلس العسكري الانتقالي من تجاوز هذا الواقع واعتماد فصيل دون
فصيل لمجرد ارتفاع صوته.
وعلى النسق ذاته، توقع مبارك زروق الأمين العام لحزب
الأجيال الوطني أحد الأحزاب التي شاركت في مؤتمر حوار، كان قد دعا إليه الرئيس
المعزول عمر البشير، معارضة قوية للحكومة التي تسعى قوى الحرية والتغيير والمجلس
العسكري لتشكيلها، وذلك بسلاح الاعتصام والتظاهرات ذاته.
وقال زروق لـ"عربي21"، إن استئثار قوى الحرية والتغيير بالسلطة، سيؤدي إلى ما لا يحمد عقباه،
داعيا لتحكيم صوت العقل، والتفاوض مع القوى كافة للوصول بالبلاد إلى بر الأمان،
وألا تنتهي الثورة بسبب المصالح الذاتية.
الانشقاق عن الأحزاب
أما على صعيد الأحزاب التاريخية، يقول حسن محمد علي، المحلل السياسي في صحيفة اليوم التالي السودانية لـ"عربي21"، إن الحزبين
الكبيرين (الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي والاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد
عثمان الميرغني) يعانيان من ضمور كبير في الفعل السياسي، وكذلك في المساندة
الجماهيرية التي يشكل الشباب المجموعة الأعظم فيها، وهما يعبران عن أشخاص أكثر من
كونهما منظومات سياسية، لديها هياكل ويسندها موقف سياسي مقبول لدى الشباب الثائر.
واعتبر أن قبول تحالف الحرية والتغيير المعني الأول
الآن بالتعيين في السلطة بهذه القوى التاريخية، يقود إلى "ثورة للشباب الثائر
أصلا"، لأنها ترى في هذه القوى الحزبية ذات رمزيات النظام المخلوع وممارسته.
ولفت محمد علي إلى أن "هنالك مجموعات كبيرة
منشقة من هذه الأحزاب التاريخية وتمثل معظمها الآن في قوى الحرية والتغيير، لكنه
يرى أن الملعب السياسي السوداني في حالة انتقال، على مستوى الأشخاص والرموز، وكذلك
الخطاب السياسي، ويمكن التحري من تلك الفرضية من خلال شفرة النداء التي ترسلها
المنظومة الجديدة المعروفة بتجمع المهنيين، التي اكتسبت في فترة وجيزة جل الجمهور
والنادي السياسي".
هل تنجح مطالب نساء السودان بنصف السلطة بالمرحلة الانتقالية؟
تهديدات "حميدتي" للمعتصمين.. ضغط أم رغبة بفض الاعتصام؟
مصر تسعى لاجتماع ثلاثي بشأن سد النهضة وإثيوبيا تتعلل بوضع السودان