ما إنْ انجلى غبار
انتخابات البرلمان الأوروبي، حتى بدأت تتكشّف النتائج التي تمخضت عن هذه العملية الانتخابية في
أوروبا والتي وصفها كثير من المراقبين بأنها صاحبة المشاركة الأكبر منذ عشرين عاماً، حيث وصلت نسبة المشاركة إلى 51 في المئة في 28 دولة أروربية. وتجري هذه الانتخابات كل خمس سنوات، للتنافس على مقاعد البرلمان الأوروبي الذي يساعد في صياغة التشريعات الأوروبية، ويلعب دورا كبيرا في تعيين مناصب رئيسة في المفوضية الأوروبية التي تعتبر السلطة التنفيذية في البلاد.
وأبرز ما يمكن الإشارة إليه بعد الوصول إلى خط النهاية ضمن هذه المعركة الانتخابية، هو حصول مجموعة اليمين على حصة الأسد في مقاعد البرلمان الأوروبي، في سابقة هي الأولى من نوعها، بينما انحسرت بعض الأحزاب الحاكمة وتقلصت صلاحيتها بعدما هُزِمت أمام التيار اليميني المتصاعد في أوروبا. ولعلّ خيرَ شاهد على صحة هذا القول هو تراجع الحزب الديمقراطي المسيحي في ألمانيا، والمعروف بحزب أنجيلا ميركل بعدما وصل إلى نسبة 28 في المئة، في حين كان قد حصل في انتخابات البرلمان الأوروبي السابقة عام 2014 على 35 في المئة من أصوات الناخبين، وبالتالي يمكن القول أنّ هناك مؤشرات حقيقية على ازدياد شعبية
اليمين المتطرف المعادي للاجئين في أوروبا.
وبلغ الأمر ذروته في المجر، إذ حصد حزب فيكتور لوبان 12 مقعدا في البرلمان من أصل 13 مقعداً، بعدما نال نسبة 52 في المئة في الانتخابات. وبهذا الفوز الكاسح، يعتبر حزب فيكتور لوبان هو الفائز الأكبر على مستوى أوروبا. وبهذا الصعود أيضاً لمجموعة اليمين في أوروبا ووصولها إلى سدة البرلمان الأوروبي، تظهر في صفوف
اللاجئين المقيمين في أوروبا عدة مخاوف، من أبرزها:
أولاً: ازدياد حالات التمييز العنصري ضد اللاجئين، خاصةً في البلدان التي حصلت فيها الأحزاب اليمينية على مقاعد كثيرة في البرلمان الأوروبي، لا سيما أنّ حالات التمييز هذه بدأت تظهر للعلن في عدة مقاطعات أوروبية، وبشكل مُبطّن خشيةً من القانون. أمّا الآن، وبعد الصلاحيات الكبيرة التي سوف يمتلكها أنصار اليمين في أوروبا، فإنه يُخشَى أن يتم استصدار قوانين وتشريعات مناوئة لوجود اللاجئين ومحرّضة عليهم، وذلك مع اشتداد وتيرة العداء مؤخرا، وارتفاع نسبة الكراهية، والاستفزازات التي قام بها بعض رؤساء ومسؤولي هذه الأحزاب، والتي حاولوا من خلالها الإساءة إلى شعائر الإسلام علنا، من خلال حرق نسخ من القرآن الكريم في وضح النهار وأمام مرأى الشرطة التي منحتهم التراخيص، وتنظيم مظاهرات مسيئة لشهر رمضان المبارك أمام المساجد، وشواء لحم الخنزير على مقربة من الجاليات المسلمة المقيمة في أوروبا، وكان آخرها تلك المظاهرة التي نظمتها حركة بيغيدا المعادية للإسلام في هولندا أمام مسجد الفرقان في مدينة آيندهوفن قبل يومين، حيث تحول الأمر إلى صِدام مباشر بين المتظاهرين ومجموعة من الشباب المسلمين الذي تجمهروا هم أيضا أمام تلك المظاهرة وأدّوا الصلاة الجماعية في منتصف الطريق، مُتَحَدّين بذلك أنصار حركة بيغيدا، الأمر الذي أدّى إلى تدخل الشرطة بعدما ساد التوتر على أجواء المدينة.
وبالتالي، يمكن التأكيد على أنّ هناك قلقا ملحوظا في أوساط اللاجئين بعد جلاء الانتخابات الأوروبية، من اكتساب هذه الحركات المعادية للثقة، وتصعيدها ضد اللاجئين وضد المسلمين والمساجد.
ثانياً: هناك توجّس واضح لدى اللاجئين في أوروبا؛ من استصدار قرارات في المستقبل تنص على إلزام اللاجئين بالعودة إلى أوطانهم بعد تحسن الأوضاع الأمنية هناك، دون أيّ اكتراث بحجم المخاطر التي تهدد حياتهم في حال تمّ تنفيذ هذا الأمر على مراحل. وهذا التوجس لم يأتِ عن عبث، بل إنه جاء نتيجة التصريحات التي أدلى بها مسؤولو ورؤساء هذه الأحزاب أثناء خوضهم العملية الانتخابية في أوروبا، وبالتالي فإنّ حجم التوجس سيزداد حتماً بعد فوز هذه الأحزاب بأكبر عدد من مقاعد البرلمان الأوروبي.
وقد صرّح رئيس حزب النهج الصلب في الدنمارك، راسموس بالودان، مؤخرا بأنه لن يبقى هناك مسلم واحد في البلاد في اليوم الذي يصل فيه إلى السلطة، وبأنّ رمضان لا يمكن قبوله في الدنمارك لأن المسلمين يعتبرون الدنماركيين كفرة، وبالتالي عليهم البحث عن مكان آخر لهم بعيداً عن الدنمارك، فهناك 151 بلداً مسلماً في العالم وهي أولى بهم.
تصريحات راسموس ليست الأولى من نوعها، فقد سبقه إليها رئيس حزب الحرية في هولندا، خيرت فيلدرز، الذي كان قد دعا اللاجئين المقيمين في بلاده في أكثر من مناسبة، إلى ضرورة العودة إلى أوطانهم والمشاركة في وقف الحرب وعمليات إعادة الإعمار هناك؛ لأن مستقبلهم في هولندا معدوم، على حدّ قوله. فهذه التصريحات وغيرها من التصريحات المماثلة ربما يتم ترجمتها إلى أفعال ومراسيم وقوانين في المرحلة المقبلة، ولهذا يُخشى من المرحلة المقبلة على مستقبل اللاجئين.
ثالثاً: ربما يبدأ التضييق على اللاجئين بعد فوز الأحزاب اليمينية في الانتخابات بإغلاق المساجد والمدارس الإسلامية في أوروبا، والتي انتشرت على نطاق واسع في بعض الدول الأوروبية. فهناك دعوات سابقة كانت قد ظهرت للعلن حول هذا الأمر، وقد ذكرت صحيفة "AD" أنّ وزير التعليم الهولندي كان قد توعد سابقا بإغلاق المدرسة الإسلامية في العاصمة الهولندية، أمستردام، في حال خالفت المدرسة توجيهات وزارته. وقد اعترف ضمن تصريحاته هذه، أنه لا يوجد حتى اللحظة دلائل حقيقية تُدِين هذه المدرسة، بل إنّ هذه المدرسة تعرضت للتهديد على بريدها الإلكتروني، وليس العكس..
وبهذا يمكن القول إنّ رياح الانتخابات الأوروبية جرت هذه المرة وإلى حدٍّ ما؛ بما لا تشتهي سفن اللاجئين الذين يرون أنّ خيرَ وسيلةٍ للخلاص من عبئها هو الانخراط في المجتمعات الأوروبية وإعطاء صورة إيجابية عن حياة اللاجئنين، وتجاهل كل محاولات الاستفزاز التي يلجأ إليها أنصار اليمين المتطرف، لعلهم يقلبون الطاولة رأساً على عقب في الانتخابات المقبلة.