حفلت البرامج الحوارية التي تبثها فضائيات سعودية، رمضان هذا العام، بحوارات دينية وفكرية وسياسية ذات مضامين غير مألوفة في المجتمع السعودي، قُرئت في أوساط المتابعين بوصفها رسائل تكشف عن طبيعة المرحلة المقبلة.
ووفقا لمراقبين فإن برنامج "الليوان" الذي يقدمه الإعلامي السعودي عبد الله المديفر، ويبث على قناة "روتانا خليجية" منذ حلقته الأولى المخصصة لمحاكمة الصحوة، والتي استطاع فيها انتزاع اعتذار صريح من أحد دعاتها عائض القرني، قد تضمن قضايا وموضوعات جدلية حول المعارضة السعودية، والسلفية، والتحولات الفكرية وما إلى ذلك.
وكان لافتا في حوارات المديفر مع ضيوفه تركيزه على مهاجمة تركيا وقطر وجماعة الإخوان المسلمين، كما بدا واضحا في حواره مع الواعظ صالح المغامسي، وأستاذ الفقه الإسلامي وأصوله بجامعة أم القرى، محمد السعيدي.
اقرأ أيضا: المديفر يقابل معتقلا ويوجهه لمهاجمة قطر ورموز الصحوة (شاهد)
من جهته، رأى أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الملك سعود بالرياض، أحمد بن راشد بن سعيّد أن "برنامج الليوان يروّج لمرحلة جديدة على أنقاض ظاهرة التدين التي اصطلح على تسميتها بـ"الصحوة"، ومن عناوين هذه المرحلة "الإلحاد"، مشيرا إلى استضافة البرنامج للباحث السعودي، منصور النقيدان الذي أشاد بالإلحاد بوصفه عقيدة، وخيارا يستحق الاحترام".
وفي السياق ذاته، وصف الأكاديمي الشرعي السعودي، سعيد بن ناصر الغامدي ما تسعى وسائل الإعلام السعودية لإشاعته في المرحلة الحالية بأنه "توجه لإيجاد حالة يسود فيها "التدين المسخ" لا يمكن صاحبه من التفريق بين حق وباطل، وحسن وقبيح"، مضيفا: "وهو ما يُمكن المستبد من التلاعب بأفكار الناس وعواطفهم وسلوكياتهم".
وردا على سؤال "عربي21" حول موقف المؤسسة الدينية الرسمية من شيوع المنكرات العلنية ورعاية مؤسسات الدولة الرسمية لها، قال الغامدي: "سكوت المؤسسة الدينية متوقع وغير مستغرب، لكونها مؤسسة رسمية مثل أي وزارة من وزارات الدولة الأخرى كالبلديات والخدمة الاجتماعية، يضاف إلى ذلك أن من أشد ما يصيب فطرة الإنسان ويفسدها الذل والهوان والوهن".
ولفت الغامدي إلى أن "ذلك ناتج عن التعايش الطويل مع الطغيان، وهو ما يُوجد داخل الإنسان كمية هائلة من التبريرات الخادعة، والمسكنات الوهمية، تجعله يعيش في مهانة وهو مرتاح الضمير، بل قد يتعاظم مرضه حتى يصبح مجتهدا في استنباط المسوغات الأفيونية للظلم" على حد قوله.
بدوره رأى الكاتب والإعلامي اليمني، فضل العيسائي أن "البرامج الحوارية التي تبثها فضائيات سعودية في رمضان الحالي، هي كغيرها من البرامج الأخرى، تمارس تلك القنوات ببثها مهنتها كغيرها"، منتقدا "الآخرين الذين يبحثون عن تسييس كل شاردة وواردة".
ونصح العيسائي من ينتقدون السعودية، ويكثرون من استخدام مفردات التدين والصراع "أن يخرجوا من هذه الصومعة المغلقة، فنحن جميعا نتطلع إلى الحداثة والتطور ومواكبة العالم، وفقا لآلة الصناعة والإبداع".
واعتبر العيسائي في حديثه لـ"عربي21" أن الحديث عن السعودية وفقا لتدين ما "لا يعدو أن يكون مزايدة ليس إلا، لأن السعودية دولة كبرى تُدرك إلى أين هي ذاهبة" وفق وصفه.
من جانبها، قرأت الكاتبة الأردنية، إحسان الفقيه، نشاط الإعلام السعودي في شهر رمضان بأنه يعمل على ملفين، أولهما: مهاجمة خصوم النظام، وخاصة قطر، بسعيه لتعزيز دعوى صلتها بالإرهاب، وظهر جليا في برنامج "مجموعة إنسان" الذي يقدمه الإعلامي علي العلياني.
أضافت: "فقد حاول دفع الفنان الأردني عمر العبدلات إلى الإقرار بأن قطر تدعم الإرهاب، كما ظهر كذلك في برنامج "الليوان" الذي يقدمه عبد الله المديفر، والذي استضاف قياديا سابقا في القاعدة، وسعى للحصول منه على تصريح بأن قطر شريك للقاعدة".
اقرأ أيضا: "مجتهد" يكشف معلومات عن ضيوف برنامج المديفر
وواصلت شرح فكرتها بالقول: "أضف إلى ذلك حرص تلك البرامج على مهاجمة أردوغان، والتيار الإسلامي، وتبرئة ولي العهد السعودي من دم جمال خاشقجي".
أما الملف الثاني الذي عمل الإعلام السعودي عليه في شهر رمضان، فيتمثل طبقا للفقيه في "فرض نموذج من التدين يعد غريبا عن البيئة السعودية التي تشرب أبناؤها بالنهج السلفي، منذ دعوة ابن عبد الوهاب، فأفرز مناخا محافظا تدور فيه الاتجاهات الإسلامية في مساحات متقاربة على اختلافها" .
ولفتت الفقيه إلى أن "ذلك النموذج هو الذي يريده ولي العهد السعودي، ويروج إعلامه له عبر الفنانين والدعاة والمفكرين المتخندقين معه، وهو يمثل خطوة واسعة في اتجاه العولمة، وتعميم الإسلام المفرغ من المحتوى الذي تتبناه السياسة الأمريكية وتدعمه، وأوصت به مؤسساتها البحثية مثل راند ونيكسون وكارنيجي".
وأبدت الفقيه استغرابها مما تبثه تلك البرامج التي "صرنا نرى فيها الترويج للإلحاد، بعده عقيدة يجب أن تحترم، ومحاولة إلباس التفسخ والانحلال ثوب وسطية الإسلام، وحصر التدين في القلب في استدعاء واضح لعقيدة الإرجاء".
ولاحظت الفقيه أن ذلك النموذج الذي يسعون لترويجه "يقوم بمهاجمة التراث الإسلامي في تلك البرامج، وتشويه الفتوحات الإسلامية، التي نشرت العدل، وتبرئة الغرب من حملاته الهمجية على ديار الإسلام في عهد الحروب الصليبية"، واصفة ذلك بـ"التماهي مع التوجهات الأمريكية والصهيونية".
وشددت الفقيه في ختام حديثها على أن "هذا النمط من التدين الذي يتم الترويج له يقدم كبديل عن النمط الذي صبغت به الصحوة الإسلامية المجتمع السعودي، والذي لا يزال ابن سلمان يلاحق رموزه، ويجفف منابعه".