نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا لمراسلتها سيمونا فولتين من العاصمة العراقية بغداد، تتحدث فيه عن الطريقة التي تتم فيها محاكمة المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم الدولة.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن المواطن الفرنسي من أصول تونسية مصطفى مرزوقي، قرر في عام 2015 مغادرة فرنسا هربا من مصاعبه المالية والاجتماعية إلى سوريا، باحثا عن بداية حياة جديدة في ظل تنظيم الدولة.
وتستدرك فولتين بأنه في الوقت الذي كان يواجه فيه مرزوقي القاضي في بغداد، فإن كل ما كان يتمناه هو العودة إلى فرنسا، وناشد المحكمة قائلا بصوت هش: "كل ما أريده هو العودة إلى الوطن.. لو كان هنا أحد من السفارة الفرنسية فإن كل ما أريده هو الاهتمام بقضيتي وإعادتي إلى فرنسا".
وتلفت الصحيفة إلى أنه تم إلقاء القبض على مرزوقي في أثناء المعركة الأخيرة لهزيمة تنظيم الدولة في شرقي سوريا، وسلمته قوات سوريا الديمقراطية للسلطات العراقية بعدما رفضت فرنسا استعادته، وكان من بين 11 شخصا أدينوا بشكل سريع بناء على قوانين مكافحة الإرهاب.
ويفيد التقرير بأن المتهمين ظهروا يرتدون سترا صفراء ونعالا بلاستيكية في قاعة المحكمة في بغداد، واستمعوا بحضور الصحافيين ودبلوماسيين فرنسيين للاتهامات التي وجهت إليهم، وهي الانضمام لتنظيم الدولة، والمشاركة في العمليات العسكرية له، مشيرا إلى أن أشرطة فيديو، التي كانت ترافقها خلفية موسيقية، أظهرت رحلتهم إلى سوريا، ودورهم في الجماعة الإرهابية.
وتنقل الكاتبة عن مرزوقي، قوله: "ارتكبت خطأ وانضممت إلى التنظيم الإرهابي.. لكنني لم أقتل أحدا"، مشيرة إلى أن المحكمة عينت محاميا للدفاع عن المعتقلين، الذي لم يلتق بمرزوقي إلا قبل بداية المحكمة بدقائق، وقام بتحضير دفاعه عنه بشكل سريع، وفي النهاية حكم على مرزوقي وستة آخرين بالإعدام.
وتقول الصحيفة إن المحكمة ذاتها أصدرت في يوم الأحد حكما بالإعدام على فرنسيين آخرين، وهما فاضل عويدات وفياني جمال عبد القادر، لافتة إلى أن هذه الأحكام قابلة للاستئناف، الذي قد يستغرق سنوات.
ويشير التقرير إلى أن السلطات العراقية تحتجز المئات من المقاتلين الأجانب الذين ألقي القبض عليهم على أرضها، إلا أن نقل الفرنسيين الاثني عشر ربما كان سابقة لحوالي ألفين من المقاتلين الأجانب الذين ينتظرون في مخيمات في شمال شرق سوريا، دون أي مؤشر واضح لأمل بالعودة إلى بلادهم أو الحصول على العدالة، لافتا إلى أن العراق عبر عن استعداده لمحاكمة هؤلاء الأجانب مقابل تعويضات مؤقتة.
وتبين فولتين أن هذه المحاكمة تسلط الضوء على المأزق الأخلاقي المتمثل في السماح بترحيل مواطنين أوروبيين إلى بلد يعد من أعلى الدول نسبة في حالات الإعدام، مشيرة إلى أن منظمات حقوق الإنسان انتقدت المحاكم العراقية التي أصدرت أحكام الإعدام، وبموجب اعترافات وليس بناء على أدلة مادية، وفي بلد عادة ما يتم فيه استخدام القوة في أثناء التحقيق مع المعتقلين.
وتذكر الصحيفة أن منظمة "هيومان رايتس ووتش" شجبت ما اعتبرته قيام فرنسا بنقل ما أسمته "الاستعانة بمصادر خارجية" لمحاكمة مقاتلي تنظيم الدولة المشتبه بهم في العراق، وجاء في بيان المنظمة يوم الجمعة: "يجب عدم نقل المهمة في محاكمة المشتبه في تورطهم بالإرهاب إلى نظام عدالة متعسف.. يجب ألا تجلس هذه الدول متفرجة في وقت يتم فيه ترحيل مواطنيها إلى بلد يقوم بتقويض حقهم في الحصول على حماية من التعذيب والحصول على محاكمة عادلة".
وبحسب التقرير، فإن أحد الفرنسيين زعم أنه تعرض للضرب وكسر في أضلاعه في أثناء التحقيق معه، وكشف عن جسده ليظهر ما تعرض له من تعذيب، فيما قرر القاضي تأجيل المحاكمة من أجل فحصه طبيا، لكنه قال لاحقا إن مزاعمه لم تثبت.
وتورد الكاتبة نقلا عن الباحثة البارزة لـ"هيومان رايتس ووتش" في العراق بلقيس وايلي، قولها: "بالنظر إلى طبيعة المحاكمات في العراق، التي شاهدنا أنها لا تقدم محاكمة عادلة للمشتبه بعلاقتهم بتنظيم الدولة، وتم اعتقالهم ونقلهم رغم مخاطر تعرضهم للتعذيب، فإنه لا يمكن لأي جماعة بموجب القانون الدولي تحويل المعتقلين في هذا السياق".
وتلفت الصحيفة إلى أن وزير الخارجية الفرنسي أكد أنه ضد أحكام الإعدام، لكنه أكد مجددا احترامه للسيادة العراقية، ملمحا إلى أن الدولة الفرنسية لن تتدخل في الإجراءات القضائية العراقية، فيما قال مسؤول مطلع على الموقف الفرنسي: "هناك إجماع على أن الموقف العارمناسب هو محاكمتهم في العراق".
وينوه التقرير إلى أن معظم من حوكموا هذا الأسبوع نفوا أن تكون أقدامهم قد وطأت العراق، إلا أن المسؤولين العراقيين أشاروا إلى أن اسم التنظيم، وهو "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا"، يكفي لأن يكون أساسا قانونيا للمحاكمة على الأرض العراقية.
وتقول فولتين إن الانتماء إلى تنظيم الدولة يعد جريمة تعاقب عليها فرنسا مدة 20 عاما لمن هم في موقع القيادة، بالإضافة إلى غرامة مالية، مستدركة بأن الحصول على أدلة تثبت تورط المتهم بجرائم عنف أمر صعب، ما يعني أنه بإمكانه الحصول على الإفراج، أو الحكم عليه أحكاما مخففة، و"هو موضوع أمني وسياسي متفجر تريد معظم الدول الأوروبية تجنبه".
وتجد الصحيفة أنه في الوقت الذي أشارت فيه المحكمة في بغداد إلى تقارير أمنية تفصل نشاطات الفرنسيين، إلا نها لم تقدمها في أثناء جلسة الاستماع، مشيرة إلى أن المتهمين حاولوا في الوقت ذاته رسم صورة مختلفة عن دورهم فيما عرفت بالخلافة، فقد أنكروا أنهم تعهدوا بالولاء للتنظيم، ووصفوا كيف شعروا بالخيبة والظلم والفوضى من الوعود التي قدمها لهم التنظيم.
ويستدرك التقرير بأنه رغم اعترافهم بالعمل لصالح التنظيم ممرضين ومدربين وممثلين في أشرطة فيديو دعائية، وعناصر في الشرطة الدينية، إلا أنهم قالوا إنهم فعلوا هذا مكرهين وتحت التهديد، لافتا إلى أنهم، مثل مرزوقي، نفوا أن يكونوا قد شاركوا في العمليات العسكرية.
وتنقل الكاتبة عن القاضي أحمد الحديثي، قوله للمرزوقي: "لقد اعترفت لقاضي التحقيق بأنك شاركت في عمليات عسكرية ضد القوات العراقية في الموصل والأنبار"، فرد المرزوقي، قائلا: "لا، هذا غير صحيح"، حيث كان يتحدث عبر مترجم وفرته السفارة الفرنسية، فرد القاضي: "لقد قلت هذا أمام قاضي التحقيق والمحقق والمحامي والمدعي العام، ووقعت على التقرير وبصمت عليه"، وعلق مرزوقي قائلا: "لا، لم أقرأ التقرير، فأنا لا أجيد القراءة باللغة العربية".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن المحكمة رفضت نفيه واعتذاره وندمه، بل إنها أصدرت عليه حكما بالموت شنقا.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
هذا ما كشفته أم سياف في أول مقابلة حصرية لـ"الغارديان"
مديرة "أمنستي" بعد زيارة للرقة: التحالف حولها لدرسدن جديدة
فيسك يلتقي هادي العامري: هذا ما قاله "رجل إيران" بالعراق