يرى بعض المحللين أن التدخل الروسي في سوريا لإنقاذ نظام الأسد وحمايته؛ جاء بضوء أخضر أمريكي، كما يذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، فيقولون إن الولايات المتحدة تنفذ أجندتها القذرة في بلاد الشام بيد روسيا، وأن هناك تنسيقا وتفاهمات بين واشنطن وموسكو في الملف السوري. وبغض النظر عن مدى صحة مثل هذه التحليلات، فإن المشهد في سوريا شديد التعقيد، لوجود عدة لاعبين دوليين وإقليميين في الساحة، في ظل تقاطع المصالح هنا وتناقضها هناك.
العلاقات التركية الروسية شهدت في الآونة الأخيرة تحسنا ملحوظا، كما أن هناك تفاهمات بين أنقرة وموسكو في الملف السوري تم التوصل إليها ضمن مباحثات أستانة، إلا أنه لا يمكن الحديث عن التطابق في المواقف ووجهات النظر. وأبرز دليل على ذلك، الهجمات التي يشنها الطيران الروسي على محافظة إدلب، كما أن استهداف النظام السوري لنقاط المراقبة التركية في منطقة "خفض التصعيد"، بضوء أخضر من موسكو، اختبار لمدى ردة فعل أنقرة.
وفي ظل التعقيدات التي يشهدها الملف السوري، أطلق الجيش التركي في 27 أيار/ مايو الماضي، عملية عسكرية ضد مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. وتهدف العملية التي تقوم بها قوات خاصة، بدعم المدافع والمروحيات والطائرات العسكرية، إلى "تحييد الإرهابيين وتدمير مواقعهم في منطقة هاكورك"، كما ذكرت وزارة الدفاع التركية.
العملية التي سميت "عملية المخلب"، تؤكد أن تركيا أمامها مساحة واسعة للتحرك في مكافحة حزب العمال الكردستاني. وإن واجهت صعوبات في الساحة السورية، فهناك مناطق أخرى يمكن أن يتحرك فيها الجيش التركي
هذه العملية التي سميت "عملية المخلب"، تؤكد أن
تركيا أمامها مساحة واسعة للتحرك في مكافحة حزب
العمال الكردستاني. وإن واجهت صعوبات في الساحة السورية، فهناك مناطق أخرى يمكن أن يتحرك فيها الجيش التركي لضرب المنظمة الإرهابية في أوكارها الواقعة خارج الحدود، بعد أن قامت
بالتضييق عليها في الأراضي التركية للحفاظ على أمن البلاد واستقرارها.
ومن المتوقع أن تقطع العملية
طريق التواصل البري بين شمال سوريا وجبال قنديل؛ التي يختفي فيها قادة حزب العمال الكردستاني. وإن كانت المنظمة الإرهابية الانفصالية وجدت في سوريا أرضا خصبة وفرصة لا تعوض لفرض سيطرتها على مناطق واسعة وبسط نفوذها بدعم الولايات المتحدة، حتى في المناطق ذات الأغلبية العربية، فإن قيادتها ما زالت تتمركز في جبال قنديل بشمال
العراق. وبالتالي، قد تتوسع عملية المخلب نحو جبال قنديل للقضاء على المعسكر الرئيسي للمنظمة الإرهابية، أو باتجاه الحدود السورية لمحاصرتها في شمال سوريا، كما أن طبيعة العملية العسكرية التي تم التخطيط لها منذ فترة؛ تشير إلى أن القوات التركية ستبقى في تلك المنطقة، ولن تنسحب منها بعد أيام.
عملية المخلب إحدى العمليات العسكرية التي أطلقها الجيش التركي للقضاء على تهديد إقامة ممر تسيطر عليه المنظمة الإرهابية، ويمتد من جبال قنديل إلى سواحل البحر الأبيض. وسبقتها عمليتا درع الفرات وغصن الزيتون في شمال سوريا. وأعلنت وزارة الدفاع التركية، الثلاثاء، تحييد 34 إرهابيا في شمال العراق منذ انطلاق عملية المخلب.
رئيس حزب الحركة القومية المعارض، دولت بهتشلي، في تصريحاته عبر حسابه الرسمي بموقع تويتر، أعلن دعم حزبه لعملية المخلب دون أي شرط مسبق، مشيرا إلى ضرورة تطهير شمال العراق من عناصر المنظمة الإرهابية، وإغلاق الطرق أمام هروب الإرهابيين. كما طالب بتوسيع الدائرة في عملية مكافحة الإرهاب لتمتد إلى مناطق شرقي الفرات في شمال سوريا.
الجيش التركي استخدم في عملية المخلب لأول مرة صاروخ "بورا" البالستي لضرب هدف تابع لحزب العمال الكردستاني. وهو صاروخ أرض- أرض محلي الصنع
الجيش التركي استخدم في عملية المخلب لأول مرة صاروخ "بورا" البالستي لضرب هدف تابع لحزب العمال الكردستاني. وهو صاروخ أرض- أرض محلي الصنع، من إنتاج شركة روكتسان التركية، يبلغ مداه 280 كيلومترا، ويمكن أن يحمل رأسا حربيا يزن 450 كيلوغراما. وكان الجيش التركي قام باختبار هذا الصاروخ في كانون الأول/ ديسمبر 2018 ليصيب هدفه في البحر الأسود بنجاح.
تركيا تأخرت كثيرا في إنتاج الصواريخ البالستية بعيدة المدى، إلا أن صاروخ "بورا" يعد خطوة هامة باتجاه استدراك هذا التأخر. ويبعث استخدامه في عملية المخلب لضرب أهداف حزب العمال الكردستاني بشمال العراق؛
رسائل إلى أطراف أخرى في المنطقة عموما، وإلى اليونان على وجه الخصوص؛ لأن هذا الصاروخ يمكن أن يضرب أي هدف في أثينا، بالإضافة إلى الجزر اليونانية في بحر إيجة، إن أطلق من السواحل الغربية للبلاد. ومن المؤكد أن هذه الرسائل ستلقي بظلالها على التوازنات في شرق البحر الأبيض المتوسط.