بالتزامن مع يوم القدس العالمي الذي احتفلت به حركة المقاومة الإسلامية حماس بغزة والضفة، تمت فعاليات ثلاث قمم خليجية وعربية وإسلامية في مكة المكرمة، استجابة لدعوة العاهل السعودي الملك سلمان؛ على خلفية الاعتداء علي آبار للنفط وأربع سفن إماراتية في مرساها، بالتزامن كذلك مع الموعد المرتقب لصفقة القرن، مع أنباء عن تأجيلها لخلافات داخل الكيان الإسرائيلي، والإعلان عن حل الكنيست وخوض انتخابات أخرى، في عملية قد تستغرق على الأقل ثلاثة أشهر، مما ينبني عليه تأجيل كافة الإجراءات المتصلة بعملية صفقة القرن المزعومة.
تراجع في خطاب العجرفة والتهديد تجاه إيران
وعلى غير المتوقع، فقد ظهر بعض هؤلاء الزعماء في حالة انكسار بعد تغيير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استراتيجيته وخطابه تجاه إيران، رغم الابتزاز المفتوح للمملكة
السعودية وقادتها، مقابل حماية الملك سلمان وولي عهده، كما صرح بذلك ترامب في أكثر من مناسبة.. فنجد تغيرا جذريا في خطابه تجاه ايران، وقد أشاد بقيادتها وأنه على استعداد لقبول أي وساطة للجمع بين الطرفين الأمريكي والإيراني على طاولة حوار غير مشروط، في الوقت الذي تفرض فيه إيران شروطها وتوجه خطابا مغايرا للقمة العربية بأنها على استعداد للدخول في معاهدة مع الجانب العربي لكف "الأذى"، عنه شرط أن تغير المملكة سياستها ولهجتها تجاهها.
والمتابع لكلمات المشاركين يلاحظ عدة نقاط هامة:
- خطاب العجرفة والتلويح بالقوة تجاه ايران قد خفت حدته.
- وضوح التخلي الأمريكي عن
الخليج، في مقابل محاولة استمالته لإيران وقيادتها.
- تشديد اللهجة تجاه الكيان الصهيوني، ووصفه بالاحتلال، بعدما اختفت تلك الصفة في الأشهر الماضية، والتأكيد علي محورية القضية الفلسطينية.
- ظهور القيادة السعودية في مظهر النادم علي قرار حصار قطر.
- وعلى خلفية كل ما سبق، فقد حمل البيان الختامي في كل من القمم الثلاث؛ عددا من الثوابت، ومنها أن القدس لا يمكن التخلي عنها كعاصمة لدولة فلسطين، وأن على الاحتلال الإسرائيلي أن يتخلى عن الأراضي التي احتلها بعد العام 1967.
رسالة السنوار للقمة
وفي يوم القدس العالمي وجه يحيي السنوار، رئيس حركة حماس في غزة، رسالته القوية للقمة المنعقدة قائلا: إن إيران زودت المقاومة بالصواريخ، ليختم رسالته الموجهة قائلا: "إما أن تسجل أسماؤكم في التاريخ ويرفع ذكركم، أو تسجل في التاريخ وتلعنكم الأمم".
وأشار السنوار إلى أن المقاومة لن تكف عن تطوير منظومتها الصاروخية، والتي تستطيع الآن الوصول لتل أبيب وبث الرعب في الشارع الإسرائيلي.
وتلك الرسالة القوية للقمة العربية من قلب غزة بيّنت نقاطا هامة عن مصادر التسليح لدى المقاومة الفلسطينية، ومدى قوتها وتطورها، وأنه في حالة حصول اجتياح إسرائيلي على غزة فهو بمثابة إعلان حرب لن تكون سهلة، حتى لو كان الأسطول الأمريكي قابعا في الخليج العربي. فإسرائيل في هذه الحالة في موقف المحاصر من غزة، ولبنان حيث حزب الله، وكذلك المملكة ذاتها وقد طالت صواريخ الحوثي مدينة الرياض، مع تدهور الوضع الأمني في سيناء وخروجه عن سيطرة الجيش المصري، ليصبح لزاما على إسرائيل أن تتخذ جانب التهدئة، والتأجيل لقرار الصفقة المشبوهة بحجة حل الكنيست، وسوف تبحث عن حجة أخرى خاصة في ظل المشكلات المتفاقمة لإدارة ترامب في واشنطن.
هل لإيران أطماع في المنطقة؟
تاريخيا، لا نستطيع تبرئة إيران من رغبتها في التحكم بالمنطقة، والولايات المتحدة تدرك تلك الحقيقة جيدا، ومع ذلك هناك تغير ولو جزئي في السياسات الأمريكية تجاهها. إن لغة المصالح هي المحرك الأكبر لكل الدول، وأمريكا تدرك اليوم حجم القوة الايرانية، وأنها قد تمثل خطرا على مصالحها في المنطقة إذا دخلت معها في حرب بشكل مباشر. وأما علاقتها بباقي دول الخليج فهي علاقة الكفيل بالموظف، وتلك العلاقة تدركها المملكة جيدا، وقد قبلت بها منذ رغبة محمد بن سلمان في الحصول على ولاية العهد، وخوضه حربا داخلية كانت البلاد فيها الخاسر الأكبر.
أما أن تكون لإيران علاقة مخابراتية بإسرائيل تدخل في إطار تعاون أو مصلحة، فهذا ما أستبعده تماما، وهذا النفي قد أكده السنوار في خطابه بالأمس القريب من الدعم الإيراني الكبير للقضية الفلسطينية، وهذا ما صرح به خالد مشعل من قبل.
إن القمة العربية والإسلامية الأخيرة بمكة قد أظهرت الشروخ الخطيرة في الصف العربي، وعرت حالة الضعف والانقسام مما ساهم في صدور خطاب هادئ تجاه الجانب الايراني لن ينبني عليه أي فعل، وخطاب رديء تجاه فلسطين لا يتناسب مع حجم الشرق الإسلامي.