مقالات مختارة

القتل بـ “التقطير”!

1300x600

حكاية البلاد مع بنك الجزائر، تكاد تشبه حكاية مريض على عتبة الموت، مع طبيبه الذي يطلّ عليه بين الفينة والأخرى، ليقول له بأن مزيد من الخلايا الحميدة قد تلاشت واستبدلت بأخرى خبيثة، لن تُبقي من جسده ولن تذر.

البنك “المحترم” الذي عجز عن التأسيس لمنظومة بنكية متطورة في الجزائر، قال بأن احتياطات الجزائر من الصرف تراجع إلى 79.88 مليار دولار، في نهاية ديسمبر من سنة 2018، وذكّرنا مشكورا، بأن الرقم كان في حدود 97.33 مليار دولار في نفس الشهر من سنة 2017، أي أن الجزائريين “يبتلعون” قرابة 20 مليار دولار من أموال الأجيال القادمة في ظرف سنة، إضافة إلى الأموال التي تتهاطل من غيث البترول والغاز سنويا.


بنك الجزائر الذي لم يكن يطلّ علينا بالأرقام عندما كان احتياطي الصرف يرتفع من الصفر إلى قرابة مائتي مليار دولار، صار في كل رقم تنازلي يطل به، يقدم تداعيات هذا الانهيار المالي، من عجز الرصيد الكلي لميزان المدفوعات، وسقوط الدينار الجزائري، والتضخم وارتفاع الواردات واقتصار الصادرات على النفط فقط، وتبقى كل محاولات توقيف جفاف “قوت” الناس، مجرد “شطحات” لا تستند على نيّة الدولة ولا نية الشعب، لأجل توقيف النزيف المالي الذي سيضع الجمهورية الناشئة الجديدة أمام واقع مُرّ يجعلها عاجزة حتى عن تسديد منح المتقاعدين ولا نقول مرتبات القطاع العام الذي يستهلك المرتبات ولا يُنتج شيئا.


الغريب أن مذكرة البنك التي أعطتنا هذا الرقم المخيف تحدثت عن نهاية سنة 2018 ونحن في شهر جوان، أي أن المذكرة متأخرة بنصف سنة كاملة، في حياة مالية جديدة تعرف فيها أي دولة وحتى أي فرد ما دخل وما خرج من أموال منذ توان، وليس منذ ستة أشهر. ولا ندري إن كان بنك الجزائر بعد إن يبلغ رقم احتياطات الصرف في الجزائر قريبا، الصفر، إن كان سيقدم مذكرات جديدة أم أنه سيقوم بتنظيف ّخزنة” البلاد، ويغلقها بالمفتاح، ويرميه في البحر.


لقد بدأ انهيار سعر النفط من رقمه المرتفع منذ خمس سنوات، وأكدت كل التقارير الاقتصادية بأن عودة سعر النفط إلى ما فوق الثمانين دولارا لن يكون حتى ولو اندلعت حربا كونية ثالثة أو جفت فجأة آبار الخليج العربي، ومع ذلك أبان من زعموا “القيادة والمسؤولية” عن عجزهم في قيادة البلاد إلى برّ الأمان المالي، وعن لا مسؤوليتهم اتجاه واجب إحياء الاقتصاد الوطني، ونجحوا فقط عبر بنك الجزائر في قتل الناس معنويا بـ”التقطير”، عبر هذه الأرقام التي تدلّ على أننا اقتربنا من الحائط، ولم يعد يفصلنا عنه سوى بعض “سنتات” وليس ّدولارات” !.


لو كانت هذه المبالغ المالية الضخمة التي تتبخر يوميا من احتياطات الصرف للجزائر، تذهب في تطوير الصناعة وبعث الفلاحة وتحديث التعليم بكل مراحله، ومنافسة الجيران في السياحة، لهان الأمر، ولكنها جميعا تذهب في استيراد القمح والحليب والبنّ والسكر وحتى الشكولاطة والمكسّرات والمُسكرات والشاي و”الشيشة” لأجل سهرة سمَر ما بعدها ..صحو!

 

عن صحيفة الشروق الجزائرية
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع