نشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية تقريرا سلطت من خلاله الضوء على مخطط ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي يقوم على التوجه نحو القطاع الخاص، وهو ما زاد من صعوبة الحياة في السعودية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن العديد من المحلات في مدينة جدة القديمة أغلقت أبوابها وكتبت عليها "للكراء". وقد اشتكى التجار من انخفاض المبيعات، كما شهدت المملكة موجة رحيل جماعي لأكثر من مليون و700 أجنبي، إلى جانب ارتفاع التكاليف بسبب السياسات الحكومية.
ونقلت الصحيفة عن محام سعودي من مدينة جدة، الذي تحدث بنبرة متشائمة، أن مكتبه شارك في غلق أكثر من 50 شركة خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية.
وقال هذا المحامي، الذي اشترط عدم الكشف عن هويته خشية التعرض لملاحقة النظام، إن "المشكل الأساسي هو السيولة، وليس استمرارية هذه المشاريع، بل هو نقص المداخيل. لقد تسارعت وتيرة عمليات الغلق خلال العام المنقضي".
في المقابل، عبّر سامي الصفران، المدير التنفيذي لشركة "ميبكو" التي تعد من بين أكبر الشركات في المنطقة في قطاع إنتاج الورق، عن تفاؤله. فعلى غرار عدة شركات سعودية، تمكنت "ميبكو" من الاستمرار خلال السنوات الخمس الماضية التي اتسمت بالنمو المحتشم والإجراءات الحكومية التقشفية.
اقرأ أيضا: "وول ستريت" تكشف عن مقاومة داخلية لإصلاحات ابن سلمان
وبينت الصحيفة أن شركة "ميبكو" وفرعها المتخصص في إعادة التدوير، اضطرا لتسريح أعدادا من الموظفين من أجل تخفيف عبء الرسوم المفروضة على تشغيل الوافدين، والتأقلم مع البيئة الاقتصادية الجديدة.
ويطمح الصفران إلى توسيع نشاط الشركة، وهو بصدد تقييم تأثيرات الإصلاحات التي أقرها ولي العهد محمد بن سلمان، والتي تتضمن زيادة أنشطة إعادة تصنيع النفايات، التي يفترض أن تستفيد منها الشركة.
وحيال هذا الشأن، أورد الصفران: "لا أرى أي وجهة أخرى في المستقبل غير المضي قدما. بالطبع ستكون هناك صعوبات في هذا الطريق، ولكن هذه هي الحقيقة الجديدة. إن التغيير قادم ويجب عليك أن تكون جزءا منه، فالأمر لم يعد اختياريا".
ونوّهت الصحيفة إلى أن هذه الروايات المتضاربة باتت أمرا عاديا في هذا البلد الذي يعيش تغييرات دراماتيكية تُمرّر بالقوة، منذ أن أطلق محمد بن سلمان رؤية 2030 لتحديث البلاد. واليوم بعد مرور ثلاث سنوات، ما زالت البلاد تشهد تحولات سريعة، وبينما يتحدث بعض السعوديون بأمل وتفاؤل، يهمس آخرون بقلق ويعبرون عن مخاوفهم، التي عمّقتها عملية القتل البشعة للكاتب السعودي جمال خاشقجي.
منذ البداية، ركزت مخططات ولي العهد على دور القطاع الخاص، إذ نجد من بين أهداف رؤية 2030 زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الخام، من 40 بالمئة إلى 65 بالمئة. كما وضعت الحكومة هدفا لخلق 450 ألف وظيفة غير حكومية بحلول سنة 2020، وذلك بهدف خفض البطالة في السعودية من معدلها الحالي الذي يبلغ 12.5 بالمئة إلى 9 بالمئة خلال السنة المقبلة.
اقرأ أيضا: إيكونوميست: إصلاحات ابن سلمان لم تجلب المستثمرين
وأكدت الصحيفة أن الشركات السعودية كانت من أكثر المتضررين من قرارات محمد بن سلمان، ذلك أن التخفيضات الكبيرة في دعم الطاقة إلى جانب الترفيع في الضريبة، قد أثرا بشكل مباشر على إنفاق العائلات السعودية. وبعد انخفاض أسعار النفط في سنة 2014، لم تُدفع العشرات من مليارات الدولارات المستحقة في إطار العقود الحكومية.
وأضافت الصحيفة أن كبار المصرفيين أعربوا عن استعدادهم للمضي قدما لاسيما تحت إغراء الوعود بمزيد الصفقات بقيمة مليارات الدولارات. ويعد كل من المدير التنفيذي لشركة "بلاك روك" لاري فينك، ونظيره جون فلينت من شركة "إتش إس بي سي" من بين كبار المصرفيين الغرب الذين اعتلوا المسرح مع وزراء سعوديين في المؤتمر المالي الذي عُقد في الرياض في نيسان/ أبريل الماضي، علما بأنهم سبق أن انضموا إلى الآخرين في مقاطعة مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" على خلفية مقتل خاشقجي.
أشارت الصحيفة إلى أن المستثمرين يتوخون الحذر خاصة فيما يتعلق بالقطاعات التي من شأنها أن تلعب دورا هاما في الجهود الرامية إلى تكريس استراتيجية تنويع الاقتصاد. وحيال هذا الشأن، قال المسؤول التنفيذي في وزارة الخارجية إن "العديد من الأفراد يرغبون في الاستثمار، وقد كان الجميع في انتظار كيف ومتى وأين، إلى أن ظهرت قضية خاشقجي". وقد أفاد الخبراء بأن هذه الأحداث دفعت الرياض إلى الاعتماد بشكل أكبر على المستثمرين المحليين بهدف حشد الدعم لخططها.
وذكرت الصحيفة أن وزير المالية السعودي محمد الجدعان أكد من جهته أن هذا القطاع يسير على الطريق الصحيح، مشيرا إلى وجود "توافق مذهل بين الحكومة والقطاع الخاص". في المقابل، يقبل الوزير السعودي فكرة أن هذه الإصلاحات سببت "الألم" لرجال الأعمال، لكنه يقر بأن الشركات "الدينامية" بصدد تحقيق الازدهار.
وتعليقا على هذه المسألة، أوضح الجدعان "حين يعرف اقتصاد بلدك إصلاحات هائلة من الطبيعي أن يكون هناك "ألم". إن القطاع الخاص بحاجة إلى إعادة هيكلة أعماله وفقا للواقع الجديد".
ونقلت الصحيفة عن أحد المصرفيين السعوديين المتقاعدين قوله إن "استياء بعض الشركات لا يتعلّق بالإصلاحات في حد ذاتها، وإنما بوتيرة الإصلاح المالي وتباطؤ الإصلاح الاقتصادي. وعند التساؤل عن عدد مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فبإمكانك عدّها على أصابع اليد. أما بالنسبة لعدد عمليات الخصخصة التي اُنجزت، فهي شبه منعدمة".
العاصمة التجارية
وتعكس جدة، وهي العاصمة التجارية التي تزخر بالعديد من العائلات البارزة في قطاع التجارة، بالتناقضات الصارخة المنجرة عن حكم ولي العهد محمد بن سلمان. ويقول طرف منحدر من إحدى العائلات الثرية إن "العديد من التعديلات ألحقت الضرر بمجال العقارات من نواحي عديدة، كما تسبب رحيل عدد هائل من العمال الأجانب في خلق فراغ. ويتركز جميع الأشخاص ذوي النفوذ الواسع في الرياض".
وأوضحت الصحيفة وفقا لأحد رجال الأعمال في جدة أن "التجارة تعد حكرا على الرياض، بينما يعيش الناس في الفقر في ظلّ غياب المساءلة"، وهو يتّهم صندوق الاستثمارات العامة "بتبديد أموال الدولة". ومن جهة أخرى، يعدّ دور صندوق الثروات السيادية، الذي تبلغ قيمته 300 مليار دولار مثيرا للجدل، إذ يرى البعض أنه ضروري لتطوير قطاعات جديدة، بينما يعتقد البعض الآخر أنه أداة شخصية يستغلّها الأمير محمد بن سلمان لمزاحمة القطاع الخاص.
اقرأ أيضا: صحيفة: "إصلاحات" ابن سلمان عمقت الأزمة بدل إنقاذ الاقتصاد
ووفقا لمسؤول تنفيذي في السعودية فإن "ولي العهد أخطأ عندما اعتقد أن رأسمالية الدولة ستعزِّز الاقتصاد كما هو الحال في الصين وكوريا الجنوبية. والمؤسسة التي تمثل هذه الرأسماليّة هي صندوق الاستثمارات العامة، لكنّ القطاع الخاص كان ضعيفا لأن ولي العهد يعتبره عنصرا طفيليا لا يمكن الوثوق به. وجلّ ما يريده ولي العهد هو التحكم في أدوات الاقتصاد".
وفي الختام، نوهت الصحيفة بأن هذه المناقشات تكشف النقاب عن التحدي الذي يواجهه الأمير محمد بن سلمان. وفي هذا الإطار، قال أحد المسؤولين التنفيذيين الغربيين: "نحن بحاجة إلى ما بين 12 و18 شهرًا خالٍ من أي صعوبات ذاتيّة، إلى جانب ظهور بعض المؤشرات الإيجابية حتى يبدأ الاقتصاد في التحسّن حقًا".
وول ستريت: ابن سلمان وضع خطة للاستيلاء على غاز قطر
الغارديان: هذا هو دور أسلحة بريطانيا بكارثة اليمن الإنسانية
مونيتور: حملة سعودية ضد الاستثمار في تركيا