نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للكاتب المعروف روبرت فيسك، تحت عنوان "الجثث المنتفخة في النيل تؤكد مخاوف المتظاهرين المدنيين"، يعلق فيه على مخاوف
السودانيين من التدخل الخليجي في شؤون بلادهم.
ويشير فيسك في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "المتظاهرين السودانيين المؤيدين للديمقراطية كانوا أول من احتجوا على تدخل
السعودية في ثورتهم، ونعلم أن السعوديين والإماراتيين أمدوا نظام عمر البشير، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، بملايين الدولارات، والذي تم التخلص منه من خلال عصابة عسكرية سرية، يشبه ما قام به السيسي، لكن المعتصمين كانوا أول من رفع شعار (لا نريد الدعم السعودي حتى لو أكلنا الفول والطعمية)، إلى جانب شعار (الثورة للشعب)".
ويقول الكاتب: "لم ينتبه أحد لهذا التطور باستثناء (واشنطن بوست)، إلا أن الجثث التي انتشلت من النيل يجب أن تركز الانتباه على الدعم السعودي والإماراتي الباذخ الذي يقدم الآن للمجلس العسكري الانتقالي، ويجب ألا نتفاجأ من هذا، فالجثث المتعفنة في النيل هي جزء من قطع الرؤوس الذي نفذ ضد السجناء السعوديين بعد محاكمات تافهة، وتقطيع جثة الصحافي السعودي، والحرب في اليمن، التي تقدم صورة عادية من الترويع عما يفعله هذان البلدان اللذان يلجآن لحل المشكلات السياسية من خلال الجرائم الفظيعة".
ويبين فيسك أن "كل ما يريده المتظاهرون الذين اختفوا من قمع المليشيات، التي أطلق لها العنان النظام المؤقت، بسيط ولا علاقة له في ما إن كان البشير سيقدم لمحاكمة أم لا، فما يريد المتظاهرون معرفته هو طبيعة العلاقة بين دول الخليج ورجلين: قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (
حميدتي) ورئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح
البرهان، وقد زار الرجلان دول الخليج، ويريد المتظاهرون الذين اعتصموا خارج القيادة العامة في العاصمة معرفة السبب الذي جعل السعودية والإمارات تتعهد بدعم المجلس بـ3 مليارات دولار".
ويستدرك الكاتب بأنهم "فضلوا الطعمية التي جاءت من
مصر على المال السعودي، والحديث عن مصر يقود إلى الكيفية التي يرى فيها السودانيون تشابها بين ثورتهم التي قادت للإطاحة بنظام البشير، وتلك التي أدت للإطاحة بحسني مبارك عام 2011".
ويقول فيسك إن "مبارك كان هو (عمر بشير) مصر، فيما أدى قائد المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية محمد طنطاوي (الذي كانت مهمته تأمين الانتخابات) دور عبد الفتاح البرهان، الذي يترأس المجلس العسكري الانتقالي، ومنحت الانتخابات المصريين حرية لمدة عام سيطر عليها الإخوان المسلمون، حتى قرار عبد الفتاح السيسي الانقلاب على محمد مرسي، وبدعم مالي ضخم من السعودية والإمارات".
ويلفت الكاتب إلى أن "المتظاهرين الذين قادوا ثورة مصر تم اعتقالهم، فيما هرب بعضهم أو قتل على يد قوات الأمن، وليس مستغربا أن يخشى الثوريون السودانيون الطامحون للديمقراطية من مواجهة المصير ذاته، ومما تخططه لهم ملكيات الخليج من خلال الدعم السخي للبرهان ورفيقه البغيض".
وينوه فيسك إلى أن "السيسي ترأس اجتماع الاتحاد الأفريقي الطارئ الذي منح المجلس العسكري ثلاثة أشهر لتسليم السلطة إلى المدنيين، وإذا دعم السعوديون السيسي بالمال فلماذا لا يدعمون البرهان بتقديم 3 مليارات دولار؟".
ويشير الكاتب إلى قوات الدعم السريع، التي قاتل أفرادها في دارفور، وأرسل حميدتي آلافا منهم إلى اليمن للقتال نيابة عن السعوديين والإماراتيين، وعندما التقى حميدتي مع ولي العهد السعودي الشهر الماضي وعد بدعم المملكة ضد "التهديدات والهجمات من إيران والمتمردين الحوثيين كلها"، وتعهد باستمرار إرسال مقاتلين سودانيين لمساعدة السعوديين في اليمن، فيما جند البرهان الكثيرين من السودانيين الذين ذهبوا إلى اليمن، وكان عدد كبير منهم تحت قيادة حميدتي.
ويجد فيسك أنه "لهذا فإنه ليس من المفاجئ رغبة محمد بن سلمان في استمرار العلاقة مع حميدتي، وتأمين إرسال المقاتلين إلى اليمن، وبالنسبة له فإن كل شيء أفضل من ديمقراطية برلمانية في السودان، خاصة كتلك التي سيطر عليها الإخوان المسلمون في مصر".
ويفيد الكاتب بأنه "في ضوء هذا المشهد من (الطعن في الظهر)، فإن الولايات المتحدة وجدت نفسها في الوضع المحرج ذاته بل أشد من ذلك الذي واجهته في مصر، فاستمرت وزيرة الخارجية حينها هيلاري كلينتون، في دعم مبارك حتى اكتشف باراك أوباما أن أيام الديكتاتور المصري باتت معدودة، ورحب بانتخاب محمد مرسي، لكنه لم يطلق على انقلاب السيسي انقلابا، مع أن السيناتور جون ماكين وصفه بما يستحق أن يوصف: انقلاب".
ويبين فيسك أنه "بالنسبة لإدارة ترامب فإنه لم يصدر عنها أي بيان قوي حول الوضع في السودان، رغم شجبها أعمال العنف، فواشنطن تريد الديمقراطية في السودان؛ لأن هذا ما تطلبه للدول كلها، لكن ترامب يعد محمد بن سلمان حليفا قويا، ويرى السيسي (رجلا عظيما)".
ويورد الكاتب أن مجلة "فورين بوليسي" نقلت عن مسؤول أمريكي، قوله: "قادة حكومات السعودية والإمارات ومصر لا يشاركوننا في القيم الديمقراطية الأساسية، ومواقفهم حول ما يجب أن يحدث في السودان تتباين مع السياسات التي يجب أن تتبعها الولايات المتحدة".
ويستدرك فيسك بأنه "في الوقت الذي ترغب فيه الدول الأوروبية في إجراء الانتخابات، فإنها تخشى من عودة النظام السابق، وما هو واضح هو أن السعودية والإمارات ومصر لا تريد ديمقراطية في السودان".
ويختم الكاتب مقاله بالتساؤل عما إذا كانت هذه الدول قوية بما فيه الكفاية لإفشال الثورة، أم إنها تخشى من تأثير الديمقراطية عليها، وترى أنه يجب أن تفشل الثورة، قائلا إن "أكوام الجثث في القاهرة التي تراكمت بعد سحق السيسي مرسي والإخوان، وقطع رؤوس الشيعة، وتقطيع جمال خاشقجي، ورمي المتظاهرين في النيل، تظهر أن القوى التي تحاول سحق الثورة في السودان لن تحتمل معارضة من أي نوع".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)