نشر موقع "ذا كونفرسيشن" الأسترالي في نسخته الفرنسية تقريرا تحدث فيه عن الفراغ الذي خلّفته استقالة عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر، وتساءل عما تُطالب به الحشود من الموجودين حاليا في السلطة، وهل أن النظام مستعد للإصغاء إلى شعبه، وهل يجب أن نخشى من مستقبل عنيف للجزائر.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن الانتقال من ظل نظام استبدادي إلى الديمقراطية يُعد رحلة شاقة، وهو ما يبينه لنا التاريخ.
وفي هذا الصدد، يمكن تحديد ثلاثة أنواع من التحولات الديمقراطية، من بينها المنحى العنيف الذي يرفضه الشعب الجزائري من خلال إظهار سلمية تحركاته.
وأورد الموقع أن المنحى الثاني يتمثل في تساهل الأوتوقراطية وهو ما يرفضه الشعب الجزائري أيضا. أما المنحى الثالث فيتمثل في التفاوض تماما مثلما حدث في الديمقراطيات الشعبية، وتعتبر "الثورة المخملية" في تشيكوسلوفاكيا سنة 1989 خير مثال على ذلك. وعلى الرغم من أن هذا المنحى لا يعد سهلا إلا أنه المسار الذي يبدو أنه يفرض نفسه في الجزائر.
وبيّن الموقع أن الغموض لا يزال يشوب النظام بالنسبة لمعظم الجزائريين حتى بعد استقالة بوتفليقة. وعند هذه النقطة تكمن قوة هذا النظام الاستبدادي، حيث لا يمكن حصره في وجه محدد.
ومما لا شك فيه أن تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، التي كان من المقرر إجراؤها في تموز/ يوليو 2019، يُنذر بانتظار طويل قبل إرساء ديمقراطية حقيقية.
ومن المؤكد أن الاعتقالات الأخيرة لكبار الشخصيات السياسية توحي بالرغبة في تحقيق العدالة، لكن الرغبة في القمع لا تبدو غائبة وتجعل الشكوك تحوم حول الشرعية الديمقراطية للنظام الانتقالي.
وأضاف الموقع أن العديد من المعلقين على الوضع يُفسرون الهدوء الذي أظهره السكان بما عرفته البلاد خلال "العشرية السوداء" الحاضرة في ذاكرتهم، وهو تفسير غير كاف ذلك أن أكثر من ثلث السكان لا تتجاوز أعمارهم 20 سنة.
وفي الواقع، لم يعش الشباب، الذي يقف على خط المواجهة في المظاهرات، الخوف الذي سيطر على سنوات الرصاص.
وأفاد الموقع بأن مفارقة الجزائر تتمثل في أنها واحدة من أكثر الدول الفتية في العالم التي لطالما حكمتها نخبة طريحة الفراش.
ويفسر الربيع العربي، والانطباع المرير الذي خلفه، الغضب المدني الذي يشعر به الشعب الجزائري.
وأورد الموقع أن الجزائر تصدرت قائمة الدول العربية بعد التحرر السياسي الذي شهدته البلاد سنة 1988 فضلا عن ربيع منطقة القبائل الذي اندلعت شرارته سنة 2001.
وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الفلاسفة على غرار كارل ماركس وألبير كامو تغنوا بهذه المنطقة واعتبروها من أبرز الديمقراطيات في المنطقة.
اقرا أيضا : هذه أضرار ومنافع حبس أكبر رجال الأعمال بالجزائر
بالإضافة إلى ذلك، لا تُبنى الديمقراطية من العدم، وإنما تنمو في صلب بنية اجتماعية قادرة على التأقلم مع هذه العملية، وهو ما يميّز الشعب الجزائري ويشير إلى مدى نضجه.
وأضاف الموقع أن الجيش يُحكم قبضته على البلاد، كما أن العديد من الأشخاص لا يتمتعون بأيديولوجيا ثورية مناهضة لفرنسا.
ويكفي الإشارة إلى عدد المرشحين للحصول على تأشيرات فرنسية، إذ تم إصدار 410 آلاف تأشيرة فرنسية للجزائر خلال سنة 2017.
ولا يوجد إلى الآن مرشح موثوق يمكن للشعب الوثوق به. أما الاقتصاد الجزائري، فيعاني من بطء لا سيما مع تفشي البطالة والتضخم الذين يجعلان الشعب يفقد أمله في المستقبل. وعموما، لا يطالب الجزائريون سوى بإصلاح جوهر النظام.
وأشار الموقع إلى أن الاقتصاد الجزائري يعد ضحية الذهب الأسود الذي يمثل نسبة 95 بالمئة من الصادرات. والجدير بالذكر أن الجهات التي تضخ مليارات الدولارات سنويا هي التي تتحكم في شركة سوناطراك، التي تعدّ أول شركة أفريقية في هذا المجال.
في المقابل، غطى قطاع النفط على باقي القطاعات الاقتصادية، حتى أنه لا يمكن لأي جزائري متحصل على شهادة عليا الظفر بوظيفة خارج قطاع البتروكيماويات، الأمر الذي يدفع بالشباب الجزائري إلى الفرار من بلاده مهما كلفه ذلك.
وبيّن الموقع أن الفرضية التي تفيد بأن الانخفاض الحاد في أسعار النفط منذ سنة 2008، ومؤخرا منذ سنة 2014، من شأنه أن يشجع الحكومة على أن توخي المزيد من الحذر، لا أساس لها من الصحة.
اقرأ أيضا : الفريق صالح: سنكون صارمين مع محاولات اختراق المسيرات
وفي الواقع، لم تعد الحكومة الجزائرية تملك الوسائل، كما حدث بشكل خاص في سنة 2012، لإعادة توزيع الثروة النفطية الهائلة.
فضلا عن ذلك، تراجعت احتياطيات النقد الأجنبي، التي بلغت 200 مليار دولار قبل خمس سنوات، إلى النصف.
لذلك، ظل الذهب الأسود الثروة الوحيدة في الجزائر التي باتت عاجزة عن تنويع اقتصادها في ظل غياب احتياطيات العملة، التي أهدرها النظام الفاسد.
وأورد الموقع أن هناك عدة عوامل تهدد النتائج التي وصلت إليها هذه الثورة المخملية الجزائرية، من بينها الثقة اللامتناهية التي منحتها الدولة للإسلاميين منذ الحرب الأهلية في التسعينيات، وسياسة السلام التي تبناها نظام بوتفليقة، ناهيك عن بناء السلطات للمساجد وتقديم المزيد من الضمانات الثقافية لهذه الفئة.
وأفاد الموقع بأن الإسلاميين الجزائريين يبيعون السلام الاجتماعي مقابل قيام السلطات ببناء المساجد. وخير دليل على ذلك بناء المسجد الكبير في الجزائر.
ولكن لم تعد هذه القوة الإسلامية قادرة على إثارة سلوكيات معينة، مثل التحريض على الاحتجاجات، لأنها لم تعد تحظى بقوة سياسية منظمة.
ونوه الموقع بأن المجتمع المدني هو الوحيد القادر على إنجاح هذا الانتقال الديمقراطي على الرغم من المعادلة الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الجزائر التي تجعل من الصعب تحقيق توازن على جميع الأصعدة.
وتجدر الإشارة إلى أن الجهود التي يبذلها رئيس نقابة المحامين الجزائريين، ورئيس نقابة الأطباء، ورئيس رابطة حقوق الإنسان، أو بعض القضاة الملتزمين بشكل خاص بالكفاح من أجل الحقوق المدنية تبدو غير مرئية بالنسبة للسلطة.
موقع فرنسي: لا يزال الطلبة الجزائريون يهزون شوارع البلاد
فورين أفيرز: هذه دروس الثورة المصرية للجزائر والسودان
مجلة فرنسية: هذا ما يعنيه استمرار الأزمة السياسية بالجزائر