بعد أن استطاع محمد بن زايد ومحمد بن سلمان تفكيك مجلس التعاون
الخليجي، وعزل المملكة السعودية عن شقيقاتها، وجعل المشهد الخليجي بين لونين لا
ثالث لهما، إما أبيض أو أسود، وبعد المحاولات المستمرة التي شهدت عليها صحف غربية
لجعل الأردن جزءا من هذه المفارقة "الغبية"، إن لم نعتبرها في قمة
"السذاجة" في ظل ظروف تحتاج بها "السعودية" قبل غيرها لتوحيد
الصفوف، إلا أن المملكة الأردنية كدولة مقوماتها متواضعة وتشهد حالة اقتصادية
منهكة، واحتجاجات شعبية حادة، هي بحاجة لأن تكون علاقتها مع جميع الدول مستقرة.
فالمتتبع
للمملكة الأردنية في سياستها الخارجية، يجد أنها لم تقف يوما موقفا عدائيا تجاه أي
دولة، فهي تُزج في الخصومات زجّا، إما لتلبية نداء المصالح الوطنية أو لرد اعتبار
سياسي، كما حدث في التحالف الدولي ضد الإرهاب. لذلك يبدو لقارئ التقارير الدولية
أن الأردن ينبذ الخلافات المفتعلة في الخليج من ولي العهد السعودي وولي عهد أبو
ظبي، حتى في الخلافات مع الحركة الإسلامية دائما ما يقف الأردن موقفا حياديا،
وتشهد الساحة السياسية الأردنية بذلك.
أما
دولة
قطر ، فهي أيضا من خلال تجربتها مع الحصار يبدو أنها بدأت تفكك خيوط اللعبة
السياسية، وتدرس إيجاد حلفاء جدد لدولتها التي تعانق نجوم السماء، في تطور سياسي
وحقوقي ودولي وإعلامي كبير.
وقد
زار الشيخ تميم جمهورية باكستان الإسلامية، وقد حظي بترحيب شعبي وحكومي كبير، وبحث
أشكال التعاون, وشاهدنا جميعا مدى قوة علاقة تميم بن حمد مع تركيا ورئيسها
أردوغان. ولم يُغفل الجانب الإيراني الذي يشكل اليوم قوة إقليمية كبيرة (عجز ترامب
عن ترويعه أو "تعاجز").
ونتابع
جميعا كيف وقفت قطر إلى جانب الأردن، فقد قدمت للأردن 10 آلاف فرصة عمل بعد أن
شهدت الساحة الأردنية أزمة اقتصادية خانقة واحتجاجات شعبية واسعة، وأتبعتها بـ500
مليون دولار دعما لمشاريع سياحية واقتصادية تشغيلية للبنية التحتية في الأردن،
فيكون الدعم على شكل مشاريع وليس نقديا، وهذا بحد ذاته يعكس الفكر القطري الرسمي
الإنتاجي والعملي، وأن أموال الشعب القطري ليست للتبذير والدعم العشوائي، كما تفعل
بعض الدول المجاورة لقطر.
الملك
عبد الله من جهته بدا سعيدا بهذه البوادر، ولسان حاله يرحب، وقد بعث برسالة محبة
لقطر وأميرها الشاب مع "عاطف الطراونة"، رئيس مجلس النواب الأردني، في
زيارته الشهر المنصرم مع وفد برلماني أردني رفيع، وتَبِعت ذلك زيارة "خالد
العطية"، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع القطري. وكانت اللقاءات تدور
حول التعاون والتشارك وتبادل الخبرات البرلمانية والعسكرية.
واليوم
نسمع ونتابع تقارير تُنشر هنا وهناك ومصادر رسمية لوكالات إخبارية أردنية عن معلومات
تُفيد بأن
العلاقات الأردنية القطرية ستلحظُ تطورا كبيرا وتعاونا مشتركا واسعا في
الفترة القريبة المقبلة، وهذا بحد ذاته إنجاز جديد للطرفين الأردني والقطري معا.
والملفت أن هذا التعاون من إيجابياته أنه يخفف من حدة الأزمة الاقتصادية الأردنية،
ويعزز الموقف القطري الدولي، ويضعف موقف دول الحصار أمام المجتمع الدولي، والذي
أصبح موقفا هشّا ضعيفا، في ظل ارتفاع ملحوظ للأصوات الأممية المطالبة بفرض عقوبات
على الحكومة السعودية على إثر حادثة خاشقجي التي بدا فيها ولي العهد السعودي
متورطا حتى الثمالة، حتى بلغ الأمر مبلغ الدعوة لحظر بيع السلاح للحكومة السعودية.
نعم
نحن اليوم أمام صفحة جديدة مشرقة من الإنجاز والقوة تضاف لكل من الطرفين الأردني
والقطري، وصفعة قاسية مريرة من الإخفاق والفشل لما يسمى بدول الحصار. ويخشى القارئ
والمتتبع للأحداث أن يكون الضمير الخليجي إن لم يتم تفعيله وخصوصا في هذه الأثناء،
وإيقاف هذا الحصار غير المدروسة عواقبه على الدول القائمة عليه، وإعادة خطوط الوصل
والود مع الجانب القطري، فإن دول الحصار ستخسر أكثر مما خسرت حتى الآن. فقد خسرت
قبل كل شيء محبة الشعوب العربية، ولم يبق إلا السيسي وسط سقوط اقتصادي مصري مريع، وإعلام
يُطبل ويُزمر ليل نهار، و60 ألف معتقل سياسي في سجونه يوشكون على الهلاك، ورئيس
شرعي منتخب يرقد في قبره بعد عملية إعدام ممنهجة ومُثبتة بصوته.
وتبدأ
عملية تفعيل الضمير في دول الحصار؛ من إطلاق سراح الدعاة المعتقلين إلى إعادة
تفعيل الدور الديني المعتاد للمملكة العربية السعودية، وصولا إلى وضع النقاط على
الحروف فيما يخص الحصار المزعوم والمشؤوم والتخبط السياسي الملحوظ، وتكميم الأفواه
المستمر.