نشرت مجلة "ذا أتلانتك" مقالا للكاتب توم مكتاغو، يقول فيه إن سياسات الرئيس الأمريكي العدائية تجاه إيران قوبلت بوحدة معارضة غير عادية من أكبر ثلاث قوى أوروبية، وهي المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، وكذلك من الاتحاد الأوروبي ذاته.
ويجد مكتاغو في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أنه "مع ذلك، وبالرغم من وزنها الاقتصادي مجتمعة، وحضورها في العالم، إلا أن اللاعبين الأساسيين في أوروبا أثبتوا بشكل كبير أنهم عاجزون عن الوقوف في وجه الهيمنة الأمريكية".
ويؤكد الكاتب أن "الحقيقة المرة هي أن أوروبا ليست لديها حتى الآن الأدوات ولا الإرادة لتستعرض تلك القوة، فاليورو لا يمكن أن يكون بديلا موثوقا عن الدولار بصفته عملة للاحتياطي الأجنبي حتى تجرى إصلاحات جذرية له، ودون عملة احتياطي موثوق بها فلن تستطيع القوة المالية لأوروبا أن تتنافس مع القوة المالية لأمريكا، وهناك انقسامات عميقة في أوروبا حول ما إذا يتوجب عليها السعي لتكون قوة، بوجود بريطانيا أو بغيابها".
ويشير مكتاغو إلى أنه "على مدى 15 شهرا، بعد أن انسحب ترامب في أيار/ مايو 2018 من الاتفاقية النووية، وقراره الذي تبع ذلك بفرض عقوبات على طهران، تنامى التوتر بين أمريكا وإيران، وخلال هذا الوقت كله حثت أوروبا أمريكا للعودة إلى طاولة المفاوضات؛ في محاولة للحفاظ على اتفاقية 2015، التي قامت بالتفاوض عليها كل من أمريكا والمملكة المتحدة وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا، لكن تلك الجهود لم تكلل بالنجاح".
ويقول الكاتب: "سواء أحبوا ذلك أم لا، فإن على الأوروبيين الثلاثة الكبار (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) التجاوب مع العقوبات الجديدة التي فرضتها إدارة ترامب يوم الاثنين على الجمهورية الإسلامية، بما في ذلك الإعلان عن القيود الجديدة المفروضة على المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والأشخاص المقربين منه، وبعد هذا الإعلان، أعلن وزير الخزانة الأمريكية ستيفين مانتشين بأنه يخطط لإدراج اسم المحاور الرئيسي للغرب، وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، إلى القائمة في وقت لاحق من الأسبوع، وهذا لا يضمن فقط قطع أي طريق للتفاوض مع طهران لتخفيف التوتر، لكنه يضع الجهود الأوروبية للمحافظة على الاتفاقية النووية على قيد الحياة في وضع محفوف بالمخاطر".
ويلفت مكتاغو إلى أن "أمريكا تجاهلت تحذيرات أوروبا الخاصة والعلنية حول مخاطر التصعيد، وأثبت قرار أوروبا البقاء خارج نظام العقوبات الذي فرضه ترامب في تشرين الثاني/ نوفمبر عدم فعاليته، ففي وجه الهيمنة المستمرة للنظام المالي الأمريكي، التي تؤكدها عملة الاحتياطي المالي العالمي، تلاشت أي قوة أوروبية، ويبقى الدولار هو الملك، وتبقى أمريكا كذلك، بغض النظر عن المكانة الدولية المتضررة للرئيس الحالي لأمريكا".
ويقول الكاتب: "قال لي عضو البرلمان البريطاني ورئيس لجنة البرلمان للشؤون الخارجية توم توجيندهات: (موقف أمريكا تجاه إيران أظهر أن السياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي تتحكم فيها أهمية الدولار في التجارة العالمية.. وتحدد العقوبات الأمريكية سياساتنا، وما لم تكن هناك عملة ونظام بنكي عالميان سيبقى الأمر كذلك)".
ويعلق مكتاغو قائلا إن "هذه الحقيقة، التي يعترف بها الدبلوماسيون والمسؤولون ومستشارو السياسة الخارجية الأوروبيون سرا، ألغت تقريبا أي مقدرة للضغط الأوروبي في الأزمة لحد الآن، لكنها أيضا سلطت الضوء مجددا على الانقسامات الداخلية في الاتحاد الأوروبي بشأن السياسة الخارجية، وطموحاته المستقبلية بعد تصويت بريطانيا عام 2016 على مغادرة الاتحاد، وكشفت الأزمة المحتدمة بشأن إيران عن التوترات الأساسية في قلب الاتحاد الأوروبي، ونظرته لدوره المستقبلي في العالم: فهل يريد الاتحاد أن يكون قوة عالمية أم لا؟".
ويرى الكاتب أنه "لمنافسة القوة الاقتصادية الأمريكية فإن أوروبا تحتاج إلى عملة منافسة وسياسة مالية واحدة، لكن لتطوير مثل هذا البديل فإن اليورو يحتاج إلى إصلاح جذري تعارضه برلين بشدة، فألمانيا تخشى أن تتحمل مسؤولية ديون الاتحاد بسبب القوة الاقتصادية المختلفة للدول الأعضاء الـ19 التي تستخدم العملة، بالإضافة إلى أن برلين تخشى من أن تؤدي المنافسة الحقيقية للدولار إلى ارتفاع قيمة اليورو، وهو ما سيؤثر سلبا على نموذجها الاقتصادي القائم على التصدير الناجح للسلع، وحتى أن مجرد التفكير في منافسة القوة الأمريكية يحتاج من أوروبا لإصلاحات جذرية لبناها وطموحاتها، وهي خطوة مثيرة للجدل، خاصة في برلين".
وتنقل المجلة عن الخبير البارز حول أوروبا والعلاقات الفرنسية الألمانية تشارلز غرانت، قوله إن عجز أوروبا عن فرض نفسها في الأزمة الإيرانية يكمن في لب أزمة أوروبا في توجهها، ويضيف: "المشكلة أن فرنسا تريد أن تكون أوروبا قوة، وألمانيا لا تريد ذلك.. فإن كنت تريد أن تكون قوة جادة يجب أن تكون لديك عملة عالمية جادة، فرنسا تريد ذلك، لكن ألمانيا لا تريده".
ويعلق مكتاغو قائلا إن "التردد الألماني ليس وحده المسؤول عن ذلك، ففي عام 1997، أنفقت بريطانيا 2.7% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، واليوم لا يصل هذا إلا إلى 2%، وبريطانيا هي واحدة من القوتين العسكريتين الرئيسيتين في أوروبا والثانية هي فرنسا، وقال سفير دولة أوروبية كبيرة، بشرط عدم ذكر اسمه، بأنه في الواقع هناك (أربع أو خمس) دول من الاتحاد الأوروبي لها سياسات خارجية، أما الأخرى فلا تريد ذلك؛ لأنها مقتنعة بوجود مستويين من الحماية يتمثلان في الحماية الاقتصادية الأوروبية والحماية العسكرية الأمريكية، وقال السفير إن القارة ليست لديها عملة واحدة، بل عدة عملات تسمى اليورو، لكنها تعمل بشكل منفصل؛ وذلك لأن الاتحاد الأوروبي فشل في تطوير بنى على مستوى أوروبا في هذا المجال".
وتورد المجلة نقلا عن رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد "تشاتام هاوس" لينا خطيب، قولها إن الأزمة الإيرانية كشفت عن ضعف أوروبا وقوة أمريكا، وهذا هو سبب فشل القارة في فرض نفسها بصورة ذات معنى.
ويقول مكتاغو إن القوى الأوروبية ستقدم دائما علاقتها مع أمريكا على علاقتها مع إيران، إذا ما أخذنا في عين الاعتبار العلاقات الاقتصادية والأمنية مع أمريكا، مشيرا إلى قول خطيب: "أظهرت أمريكا أن لديها قوة ضغط على أوروبا وعلى إيران.. فأوروبا لا تستطيع الوقوف في وجه المصالح والرغبات الأمريكية من ناحية اقتصادية أو دبلوماسية".
وتنقل المجلة عن المستشارة الخاصة لمسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية فيدريكا موغريني، ناتلي توكي، قولها إن عجز الاتحاد الأوروبي الواضح خلال أزمة إيران يجب أن يكون حافزا للاتحاد على أن يصبح قوة أكثر تأثيرا على مستوى العالم، ويتحدى قيادة أمريكا للعالم، وأضافت توكي: "قصة إيران هذه أكبر بكثير من إيران.. إنها تختزل تحولا بنيويا في العلاقات عبر الأطلسي".
وتابعت توكي قائلة إن الاتفاقية التي بقيت منذ الحرب العالمية الثانية، بأن توفر أمريكا الأمن لأوروبا مقابل قبول قيادة أمريكا للتحالف، بدأت بالانهيار، "وما نراه من حراك باتجاه الاعتراف بأن على الأوروبيين أن يطوروا استقلالية أكبر عملية مؤلمة؛ لأنها تبدأ من الاعتراف بأن العقد الاجتماعي بين أوروبا وأمريكا لم يعد ساريا.. وهذا أمر يذهب إلى أبعد من ترامب، فلم نعد نستطيع أن نسلم بأن أمريكا ستوفر الأمن لنا، ومن الواضح أننا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد، فنحن في المراحل الأولى جدا من هذا الاعتراف".
ويورد الكاتب نقلا عن مسؤول بريطاني كبير، اشترط عدم ذكر اسمه، قوله إن استراتيجية أوروبا لم تكن دون فائدة تماما، وأصر على أنه لو قررت الدول الثلاث الكبار أن تتخلى عن الاتفاق النووي، وانضمت لأمريكا في الضغط على طهران، ربما كان حصل تصعيد أسرع للوضع، مشيرا إل ان القرار الأوروبي بالاستمرار في الدفاع عن الاتفاقية، بالرغم من قرار ترامب الانسحاب منها، ترك مجالا لإيران أن "تبقى داخل اللعبة"، بحسب المسؤول.
ويقول مكتاغو: "ربما يكون عجز أوروبا هو السبب في أن معارضتها للإدارة الأمريكية مرت دون عقوبة من ترامب".
وتنقل المجلة عن مسؤول بريطاني آخر، اشترط عدم ذكر اسمه أيضا، قوله إن المعارضة البريطانية لاستراتيجية ترامب لم تتسبب بدق إسفين بين أمريكا وبريطانيا، وأصر على أن الأمر "لم يكن محل توتر" خلال الزيارة الرسمية التي قام بها ترامب إلى لندن، فبريطانيا تتقبل أن الاتفاقية النووية "ليست مثالية"، بحسب ما قاله المسؤول الكبير، المطلع على طريقة تفكير رئيسة الوزراء تيريزا ماي، لكنه يصر على أنها وضعت قيودا على التطور النووي الإيراني، وقال المسؤول: "لا نعتقد أن المزيد من الضغط على إيران سيأتي بالنتيجة المرغوبة... وأعتقد أنهم يفهمون أننا بالتأكيد نشارك في تقدير التهديد، مع ذلك نستمر في تأييدنا للاتفاقية النووية".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "حتى يكون بإمكان أوروبا أن تتحدى أمريكا، وقد لا يهم كثيرا إن كانت واشنطن (تفهم) هذا الأمر أم لا، فإن أوروبا ستبقى عاجزة عن فعل أي شيء".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
NYT: هكذا رأى حلفاء ترامب وأعداؤه تراجعه عن ضرب إيران
صندي تايمز: ما سر تشدد بريطانيا الجديد تجاه إيران؟
واشنطن بوست: كيف يعمق رحيل شاناهان أزمة ترامب مع إيران؟