نشر موقع مجلة "فورين بوليسي" مقالا للباحث في معهد الأبحاث الاستراتيجي التابع لكلية الحرب في الجيش الأمريكي عظيم إبراهيم، يتهم فيه قادة المسلمين بخيانة مسلمي الإيغور في الصين.
ويبدأ إبراهيم مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بالقول: "شوارع فارغة ومعسكرات مترامية الأطراف في الصحراء، يتم الحديث فيها همسا، تقدم صورة عن نظام الإرهاب، وهناك حوالي مليون مسلم إيغوري فيما أطلق عليها مراكز إعادة التعليم".
ويقول الكاتب إن "العدد قد يكون أكثر من ذلك، ويتراوح بما بين 2-3 ملايين من بين 11 مليون مسلم، وبينهم أقليات مسلمة من الكازاخستانيين والقرغيز والأوزبك، وغيرها من الأقليات المسلمة الأخرى ذات العدد الأقل، ولا يزال الإيغور مهمشين، ويعيشون في ظل أكثر الانظمة رقابة وقمعا في العالم، وتعد معسكرات الاعتقال أحد أساليب الاحتواء والعقوبات الممارسة عليهم، ويعيش الإيغور وسط رعب دائم من الاعتقال التعسفي والانتقام السريع ضد أي نوع من أنواع التعبير عن هويتهم التركية والإسلامية، بشكل أصبحت فيه تسمية المولود الجديد باسم مسلم جريمة".
ويشير إبراهيم إلى أنه "عندما زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بكين الأسبوع الماضي، فإن الإعلام الرسمي قال إن سكان تشنجيانغ يعيشون (بسعادة)، وهذا كله بفضل جهود الصين في الإقليم، ومشاريع التنمية الاقتصادية. إن موقف أردوغان هو الموقف ذاته الذي عبر عنه بقية قادة المسلمين تجاه مأساة الإيغور".
ويلفت الباحث إلى أن "اللقاء الحميم بين أردوغان والرئيس تشي جينبينغ جاء رغم الإعلان الصادر عن وزارة الخارجية التركية في شباط/ فبراير، الذي قالت فيه: (ليس سرا اعتقال مليون مسلم من الإيغور الأتراك بطريقة تعسفية، الذين يتعرضون للتعذيب وعملية غسيل دماغ سياسي في معسكرات الاعتقال والسجون، ومن لم يعتقل من الإيغور فإنه يتعرض لضغوط شديدة)، وأكدت الوزارة أنها فتحت الموضوع مع السلطات الصينية، وردت الصين بشدة على البيان التركي، وكان موقف الحكومة التركية التراجع دون تردد".
ويفيد إبراهيم بأن "أولوية أنقرة هي إحياء العلاقات التاريخية و(تقوية التعاون) بين تركيا والصين، في وقت تحاول فيه أنقرة الحصول على دور في مبادرة الحزام والطريق الصينية".
ويقول الكاتب إن "أي طريق، سكة حديد أو نفق بين البلدين، يجب أن يمر من منطقة تشيجيانغ الواقعة في الغرب الصيني، ولهذا ترى أنقرة أن التشارك في الدين والتاريخ مع الإيغور يجب ألا يحول بينها وبين التعاون مع الصين وطريقة معاملتها للسكان المحليين المسلمين، ورغم دعم المسلمين الأتراك الكبير للمسلمين الإيغور، إلا أن أردوغان لديه بلد عليه إدارته، ويجب ألا تقف هذه المشاعر بينه وبين التعاون مع الصين، فالتضامن الإسلامي هو شعار جيد وحملة علاقات دولية مهمة، لكن هذا ما يمكن لقادة العالم الإسلامي تقديمه".
وينوه إبراهيم إلى أن "باكستان مثلا لا يفصلها عن إقليم تشنجيانغ سوى الحدود، وظهرت عام 1947 لتكون موطنا للمسلمين وملجأ لهم، ومنذ ذلك الوقت أخذ القادة السياسيون والعسكريون على عاتقهم الدفاع عن القضايا المسلمة وحماية الإسلام في أي مكان، فباكستان في النهاية هي البلد المسلم الوحيد الذي يملك القنبلة النووية، ولهذا فهي لديها أقوى جيش، وتملك قدرة على التدخل العسكري نيابة عن المستضعفين المسلمين في أي مكان، إلا إذا كان هؤلاء المسلمون يعيشون في الصين. فهناك من يصف باكستان بأنها دولة تابعة للصين".
ويعلق الباحث قائلا: "مهما كان الوصف فإن هناك أمرا واحدا يتفق عليه القادة السياسيون والعسكريون والدعاة المتشددون، وهو أن الاستثمارات الصينية تعد حيوية لحياة الاقتصاد الباكستاني، وهي ضرورية لديمومة الدولة والإنفاق على الجيش، ولهذا السبب كان هناك صمت من إسلام أباد، وتظاهر رئيس الوزراء عمران خان أنه لا يعرف عن الموضوع عندما سئل عنه، وشاهد الرجال الباكستانيون المتزوجون من نساء إيغوريات زوجاتهم يختفين في معسكرات الاعتقال دون أي مساعدة من الحكومة، وتقوم الصين بحملة دعائية قوية من سفارتها في باكستان والتجسس على المسلمين الإيغور فيها".
وينوه إبراهيم إلى أن "المسلمين الإيغور لن يتوقعوا أي مساعدة من الدول التركية المسلمة، التي لا تبعد عنهم في قيرغيستان وكازاخستان أو أي دولة مسلمة في وسط آسيا، فربما تشاركوا في الدين الإسلامي والأصول الإثنية والثقافية، إلا أن كل ما تتطلع إليه دول المنطقة هو الحصول على رضا بكين، والمشاركة في مبادرتها الحزام والطريق".
ويقول الكاتب إنه "من جهة فإن هناك وقائع جيوسياسية للعيش في بلدان محاطة بالجبال والاعتماد على الجيران الأقوياء للحصول على الفرص التجارية، ومن جهة أخرى هناك ميل للحكومات المحلية لسجن مواطنيها، وليس لدى هذه الدول أي موقف أخلاقي للوقوف أمام الصين حتى لو كانت لديها القوة، فالضغوط الدبلوماسية التي ترافقت مع الشجب المحلي أدت إلى الإفراج عن الأوزبك والكازاخستانيين المعتقلين في معسكرات الاعتقال، لكن التعاطف لم يشمل المسلمين الإيغور".
ويتساءل إبراهيم قائلا: "ماذا عن الدول التي نصبت نفسها متحدثة باسم مسلمي العالم؟ إيران والسعودية ومصر، فهي بعيدة عن الصين، ولا تعتمد مثل دول الجوار على حسن نيتها، وهي تقدم نفسها بصفتها قائدة للعالم الإسلامي وحامية للأمة الإسلامية العالمية، ويتوقع منها الدفاع عن المستضعفين المسلمين، فهي تسارع بإصدار الفتاوى ورفع السيوف عندما يتعلق الأمر بقضايا فلسطين وكشمير وميانمار".
ويستدرك الباحث بأن "الأمر مختلف مع الإيغور، ورغم ضمان تجارتها مع أمريكا وكونها حارسة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، إلا أن السعودية لم تقل شيئا عن الإيغور، وإيران، التي تقدم نفسها على أنها دولة راشدية جديدة، وتحاول رسم دور مهيمن لها في الشرق الأوسط لكنها لم تجادل عندما اعتقلت الصين أكثر من مليون مسلم تأثروا بالثقافة الفارسية، بل إن مصر المركز الثقافي للعربية والإسلام، ذهبت أبعد من مجرد الصمت، حيث قامت باحتجاز الطلاب الإيغور ورحلتهم نيابة عن بكين".
ويفيد إبراهيم بأن "كل واحدة من هذه الدول تزعم الدفاع عن الإسلام والوحدة الإسلامية، وكلها تلمح للوقت الذي كانت فيه مركز الإسلام، لكنها اليوم أصبحت خاضعة للصين حتى لو لم يطلب منها ذلك".
ويشير الكاتب إلى أنه "علاوة على هذا فإن منظمة التعاون الإسلامي التزمت الصمت بشأن الإيغور، فالتعاون مهم وجميل لكن هذه الدول تعد التعاون مع الصين أثمن من التعاون بناء على الأسس الدينية".
ويذكر إبراهيم أن "دول الشرق الأوسط، التي تعتمد على الولايات المتحدة للحماية والتجارة، باتت تتطلع للحصول على فرصة لتكون ضمن مبادرة الحزام والطريق، والحقيقة هي أن المشاريع كلها تمر عبر تشنجيانغ، ولا تريد هذه الدول أي حالة اضطراب تعرقل المشاريع أو إغضاب الصين".
ويبين الباحث أنه "في الدول ذات الغالبية المسلمة خارج الشرق الأوسط، مثل ماليزيا وإندونيسيا، وهي أكبر دولة مسلمة تعدادا للسكان، وكلاهما صاعدتان اقتصاديا، وحليفتان طبيعيتان للولايات المتحدة لمواجهة التأثير الصيني، ولديهما الحافز للحديث نيابة عن المسلمين الإيغور، وبعد هذا كله فإن التجارة التي تمر عبر تشنجيانغ قليلة، لكن التجارة تمر عبر المياه التي تسيطر عليها الصين، ومع ذلك فإنهما خضعتا للصين ودفتر شيكاتها، وأحيانا تعبر المعارضة في البلدين عن تعاطف مع الإيغور، لكن هذا التعاطف يختفي عندما يصل إلى الحكومة".
ويقول إبراهيم: "قد يكون الموقف براغماتيا، لكن رد العالم الإسلامي على مأساة الإيغور يختلف عن طريقة الرد على انتهاكات الدول الغربية وإسرائيل للمسلمين، فمعاملة إسرائيل للفلسطينيين معروفة، وهي تصل إلى حد التطهير العرقي، لكنها لا تحتجز الفلسطينيين في معسكرات اعتقال، ولا تراقبهم على مدار الساعة مثلما تفعل الصين مع الإيغور، ولم يصدر مع ذلك صوت من آية الله أو إمام يدعو لمسح الصين عن وجه الأرض".
ويلفت الكاتب إلى أن "الدول الغربية تشن حروبا ثقافية غبية بشأن الحجاب والنقاب، التي تعد قلقا حادا عندما يتعلق الأمر بالكيفية التي يشعر فيها المسلمون بالحرية والأمان لممارسة دينهم، لكن هناك زيادة في الإسلاموفوبيا وتوترا بين المسلمين وغيرهم من المجتمعات في الولايات المتحدة وبقية أوروبا".
ويستدرك إبراهيم بأن "هذه الدول (الكافرة) و(الصليبية) كانت أكثر وضوحا في دفاعها عن المسلمين الإيغور، رغم ما يمكن أن تستفيده من الفرص التجارية وممن (يدعون حماية الدين)، وعندما تعتقد هذه الدول أنها لا تستطيع التأثير على السياسة الصينية فإنها تقوم بالتعبير عن مواقف مبدئية بناء على المشاركة الإنسانية لا الدين".
ويؤكد الباحث أنه "لو لم يكن لمصر والسعودية وإيران وتركيا استفادة من الصين لشاهدنا اليوم دعوات متعددة للجهاد ضدها، فالدعوة للجهاد ضد أي دولة تضطهد المسلمين هي الطريق الأسلم للشعبية التي يبحث عنها أي قائد مسلم".
ويستدرك إبراهيم بأنه "عندما تريد بكين أن تكون صديقتك فلا معنى عندها للتضامن الإسلامي الذي يصبح مهملا، ورغم ما يقال عن الدول الغربية في العالم الإسلامي من الفساد والنفاق بشأن حقوق الإنسان، والغرب بلا شك لديه سجله المعيب في الدفاع عن القيم الإنسانية، إلا أن الدول الإسلامية لم تتظاهر حتى بالتعاطف مع المسلمين الإيغور، عدا عن أنها لا توفر لهم الملجأ الآمن".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "المفارقة هي أن إدارة الرئيس دونالد ترامب هي على خط المواجهة في شجب معاملة الصين للمسلمين الإيغور، فإدارة الرئيس الذي دعا لمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة أظهرت تعاطفا وتماسكا في شجبها لمعاملة المسلمين الإيغور أكثر من أي دولة ذات غالبية مسلمة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
WP: متى تعاقب أمريكا العقل المدبر لقمع مسلمي الإيغور؟
كاتبان أمريكيان: علاقة "تآلف طبقي" بين كوشنر وابن سلمان
ولايات أمريكية تشحن أسلحة للسعودية والإمارات بالمليارات