الحرية حق إنساني مقدس، تُمنع مصادرته أو الاستحواذ عليه أو منعه من أي جهة كانت. ولعل من أخطر الجرائم التي يحاسب عليها القانون في أي دولة كانت؛ هي عمليات الخطف، وهي تعبير عن مصادرة حرية شخص ما على وجه الأرض..
وهذا ما يدفع الأسرى عز الدين وأبو عكر والحسنات وحلبية ورفاقهم لهذه المعادلة القاسية التي تسمو بها المبادئ على المادة، وتعلو معها قيمة الإنسانية أمام حاجة الفطرة للطعام، وقلما عاد مقاتل من هذه المعركة دون غنيمة الحرية والظفر برفعة الذكر.
وفي زماننا هذا يقوم الاحتلال الصهيوني بشرعنة عمليات الخطف، وسرقة الأعمار، ومصادرة الحرية من أبناء الشعب
الفلسطيني؛ من خلال ما يسمى بالاعتقال الإداري، ويعطيه الصبغة القانونية عبر عقد جلسات محاكمة صورية للأسرى الفلسطينيين، علما أن المعتقل لا يمثل أمام القضاء إلا إذا كان اعتقاله لمدة تزيد عن ستة أشهر، أما أقل من ذلك فيتم بدون عرض المعتقل على أحد القضاة.
ويفرض الاعتقال الإداري من الحكام للمنطقة مباشرة، وهم حاليا الضباط الصهاينة في المناطق والمدن الفلسطينية، أو أي جهة أمنية عليا لدى الاحتلال.
إن القانون الدولي الإنساني أجاز اللجوء للاعتقال الإداري لأسباب أمنية قهرية، وبشكل استثنائي وفردي، محذرا من استخدامه سلبا وبشكل جماعي؛ لأن ذلك ربما يصل إلى مستوى "العقاب الجماعي".
ويرتكب الاحتلال الصهيوني مخالفات عديدة من خلال ممارسة هذا النوع من الاعتقال، فهو يستخدمه بصورة موسعة على الرجال والنساء والأطفال والقانون يحجمه، ويُفعّله لفترات طويلة تصل إلى 12 عاما بشكل متقطع ومتكرر، والقانون يحدده، ويكون في فترات الطوارئ.
لكن الاحتلال يستخده منذ عقود كأداة عقابية جماعية للشعب الفلسطيني، فيمنع المتهم أو محاميه من الاطلاع على ملف القضية، فيما القانون الدولي يُلزم الجهة الآسرة بإبلاغ المعتقل بالتهم الموجهة له مباشرة وباللغة التي يفهمها.. وغيرها من المخالفات والتناقضات مع القانون الدولي..
ونستطيع أن نقول إن دولة الاحتلال الصهيوني أكثر الدول في العالم استخداما لهذا الإجراء التعسفي، وقد نادت بعض الأصوات في دولة الكيان الصهيوني بإنهاء وصمة العار هذه من سجل دولتها لما فيه من مخالفات.
وقد أثبتت التجربة أن التحرر من قيود الاعتقال الإداري لا يُوهب ولا يُعطى دون ثمن، وأطول هذه الطرق وأكثرها ضررا هي الصبر والقبول بالأمر الواقع، تمديدا بعد تمديد، حتى يمل الاحتلال ويطلق سراح الأسير، وفي هذا استنزاف وصمت على الجريمة..
أما أقصرها فهو انتزاع الحرية انتزاعا، واستخلاصُ قرارٍ بالحرية من دولة الاحتلال من خلال
الإضراب عن الطعام.
وقد خاض الأسرى الإداريون الإضراب عن الطعام بشكل فردي وجماعي. وكان إضراب عام 2014 أكثر هذه الإضرابات تأثيرا وشهرة؛ لأنه شمل ما يزيد عن 450 أسيرا إداريا، واستمر لمدة 63 يوما، وأدى إلى تحريك كافة جغرافية الوطن وتسخين الشارع الفلسطيني. وكان أحد أشكاله أن قامت المقاومة الفلسطينية في الضفة المحتلة بأسر ثلاثة جنود من المستوطنين خلال أيام الإضراب.
وقد يوافقنا البعض إن قلنا إن العدوان الصهيوني على قطاع غزة عام 2014 كان أحد مسخناته ومهيئاته هو إضراب الأسرى الإداريين، ناهيك عن المسببات الرئيسية للعدوان. كما وقاطع المعتقلون الإداريون المحاكم الصهيونية لعدة شهور بداية عام 2018، تأكيدا على أنها صورية وليست محايدة وتخضع للقرار الأمني الصهيوني..
أما الإضرابات الفردية، فقد سجل بها أبناء الشعب الفلسطيني أرقاما خيالية لم يسبق لها أحد في تاريخ البشرية (أيمن الشراونة - 260 يوما، وسامر العيساوي- 227 يوما، والقيق 94 يوما). وكان أول من بدأ هذا النوع من الإضرابات هو خضر عدنان عام 2012. وجميع هؤلاء نالوا الحرية بعد الألم والمعاناة..
وهذا ما يدفع الأسير عز الدين وأبو عكر والحسنات وحلبية ورفاقهم؛ لهذه المعادلة القاسية التي تسمو بها المبادئ على المادة، وتعلو معها قيمة الإنسانية أمام حاجة الفطرة للطعام. وقلما عاد مقاتل من هذه المعركة دون غنيمة الحرية والظفر برفعة الذكر..
وأنا أدعو من له طاقة وقوة تحمل ويقين بموعود الله أن يحرق السفن ويجعل الحرية أمامه، متى هزم العدو بإضرابه عن الطعام نالها، وإلا فلتكن الشهادة حليفه..
ويكفيه شرفا حالة الإشغال التي يسببها لإدارة
السجون وللجهات الأمنية الصهيونية، وفضح لزيف محاكمهم، وكذلك حالة التحريك للإعلام الفلسطيني الذي يجعل قضية الأسرى حية وينعش ذاكرة عموم أبناء الشعب الفلسطيني تجاه إخوانهم الأسرى..