فتح تغير موقف الإمارات تجاه إيران والتقارب المتسارع بينهما، وسط حديث مسؤولين إيرانيين عن سياسات جديدة لأبوظبي في المنطقة، الباب واسعا أمام تكهنات وتساؤلات عدة حول انعكاسات تفاهماتها بين مع طهران على ملف الحرب في اليمن.
ويرى مراقبون أن الرغبة الإماراتية الجامحة للتقارب مع الإيرانيين، محكومة بتنازلات كثيرة، ستنعكس في اليمن، بدءا بانسحابها الأحادي من المعركة ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من طهران، وإبقاء سيطرتهم في محافظات شمال البلاد، والتركيز على دعم مليشيات تستهدف الحكومة المعترف بها، في المحافظات الجنوبية، حتى وإن اتسعت فجوة الخلافات الصامتة مع السعودية، وصولا إلى القطيعة مع أهدافها في تحالفها العسكري.
"قطعية مع أهداف التحالف"
وتعليقا على هذا الموضوع، أكد الكاتب والمحلل السياسي، ياسين التميمي، أنه تحت صخب التحالف العسكري السعودي الإماراتي، الذي نشأ على خلفية الحرب التي يخوضها البلدان في اليمن، لم يحدث أي تراجع في حجم المصالح القائمة منذ سنوات بين الإمارات وإيران، خصوصا أن دبي أصبحت نافذة إيران التجارية والمالية الوحيدة مع العالم.
وأضاف في حديث خاص لـ"عربي21" أن إمارة دبي لعبت لا شك دورا في إبقاء حجم المصالح على ما هو عليه إلى حد أن الإمارات ومدينة دبي تحديدا، كمنطقة حرة، بقيت "ساحة مهمة لإدارة التدخل الإيراني الخفي والمعلن في المعركة الدائرة في اليمن".
وطرح التميمي سيناريوهات للتقارب الإماراتي الإيراني فيما يخص ملف الحرب في اليمن، حيث قال إن السيناريو الأكثر توقعا، جراء هذا التطور الدراماتيكي في العلاقات الإماراتية الإيرانية، خصوصا على المستوى الأمني، هو "أن تمضي الأمور باتجاه القطيعة مع الأهداف المشتركة لتحالف الرياض أبوظبي، والتي كانت تقوم على المواجهة الشاملة مع إيران سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا في ساحات عديدة بينها اليمن "، بالإضافة إلى منطقة الخليج وسوريا.
وهذا يعني، بحسب التميمي، أن "الخط المناهض للحرب في القيادة الإماراتية انتصر على طموحات بن زايد، ولي عهد أبوظبي، الأسبرطية التوسعية".
وقال إنه بالنظر إلى "قرار الإمارات الانسحاب الأحادي من المعركة العسكرية مع الحوثيين، والتركيز على دعم قوات تستهدف الشرعية التي جاءت السعودية أصلا لدعمها، يعد تطورا في العلاقات مع إيران، فيما أصبحت الحكومة الإماراتية تتصرف بشكل منفصل بما يتفق مع مصالحها".
وأشار السياسي اليمني إلى أن الأخطر في هذا السيناريو أنه "يكشف النوايا التي حكمت سياسة التقارب التي انتهجها ولي عهد أبوظبي وحاكم الإمارات الفعلي محمد بن زايد".
وأردف أن تلك النوايا استهدفت في المقام الأول "تقويض البنى الأيديولوجية للدولة السعودية، ودفعها لتبني سياسات راديكالية مناقضة لعقود من السياسات المحافظة والمتشددة، فضلا عن إغراقها في حرب اليمن التي كان يفترض أن تحقق أهدافها في وقت أقصر أو ربما ما كانت السعودية لا تحتاج إلى هذه الحرب لو أبقت على دعمها الخالص والجاد لمسار التحول السياسي السلمي في اليمن الذي كان يجري برعاية خليجية ودولية".
وشدد الكاتب والمحلل السياسي اليمني على أن الإمارات قدمت تنازلات مهمة لإيران من خلال الساحة اليمنية، عبر تخليها عن مواجهة الحوثيين وتراجع نبرتها المتشددة تجاههم، كما كشف عن ذلك مدير مكتب رئيس الجمهورية الإيراني محمود رضائي.
وأوضح أن اليمن كانت ساحة تخادم مشترك بين الإمارات وإيران، خصوصا في بداية الحرب، حيث شهدت الساحة الجنوبية ما يشبه عملية التسليم والاستلام للأدوات الإيرانية، التي أصبحت أدوات إماراتية متشددة تجاه الدولة اليمنية وسلطتها الشرعية.
ولفت إلى أن هذا النوع من التقدم أبقى على الحد الأدنى من التفاهم الخفي بين أبوظبي وطهران، وشكل أحد العوامل الرئيسية فيما يبدو أن تطورا مفاجئا في العلاقات بين البلدين.
" إبقاء الحوثي وإضعاف الشرعية"
من جهته، رأى الباحث اليمني في الشؤون الخليجية والإيرانية، عدنان هاشم، أن التقارب الإماراتي-الإيراني هو تعاون تنسيقي بشأن مياه الخليج العربي، بعد أن تصاعدت الأمور على مضيق هرمز.
وقال في حديث خاص لـ"عربي21" إن مخاوف الإمارات من تحول أراضيها إلى منطقة حرب كبيرة قد تنهي وجودها وما بنته منذ التأسيس، دفعتها ربما لهذا التقارب بشكل متسارع.
ولم يستبعد هاشم انعكاسات التقارب بين أبوظبي وطهران على اليمن، رغم أنه من الصعب القول أن الإمارات ستعلن عن تحالف مع الحوثيين.
غير أنه استدرك بالقول: "إنها ستدعم وتزيد من دعمها للمصالح المشتركة مع إيران في اليمن من خلال دعم جهود الأمم المتحدة لاتفاق سلام يبقي الحوثيين كقوة مهيمنة شمالي البلاد، وإضعاف دور الحكومة اليمنية الشرعية مقابل مجال إماراتي أوسع وأكثر في جنوب البلاد".
ويشير التقارب، بحسب الباحث اليمني، إلى أن الإمارات مهتمة بمجالها الحيوي وأمنها القومي، وذلك لا يعني، اهتمامها بالأمن القومي الجماعي لشبه الجزيرة العربية؛ حتى لو أوصل الأمر إلى مشكلات وتعقيدات لعلاقتها مع السعودية على المدى الطويل. على حسب قوله.
"عبء على الرياض"
وفي السياق ذاته، قال الصحفي والباحث السياسي اليمن، كمال السلامي، إن الإمارات مثل غيرها من الدول، تخوض تحالفات وتبني علاقاتها وفق مصالحها الخاصة.
وأكد في حديث خاص لـ"عربي21" أن الزيارة الودية التي أجراها وفد من حرس الحدود مؤخرا إلى طهران، تأتي في سياق سعي أبو ظبي، لتحقيق نوع من التوازن في المنطقة، بما يخدم مصالحها، خصوصا بعد الأحداث الخطيرة التي شهدتها منطقة الخليج العربي، عقب استهداف ناقلات النفط، واحتجاز إيران لأخرى.
وأشار السلامي إلى أن الخطوات الأخيرة التي أقدمت عليها الإمارات، والتي كان أبرزها إعلان إعادة التموضع والانسحاب لقواتها المتواجدة في اليمن، يأتي في سياق سعيها لتجنيب نفسها وأمنها مخاطر الانزلاق في دوامة الفوضى الإقليمية، إذا ما تطورت الأمور إلى اندلاع حرب مع إيران. موضحا أن الإماراتيين يدركون أن طهران هي من تحارب في اليمن عبر وكلائها الحوثيين.
وذكر الصحفي اليمني أن تطور قدرات الحوثيين وامتلاكها أسلحة قادرة على استهداف منشئات حيوية داخل الأراضي السعودية، وتلويحهم بأنهم قد يستهدفون الإمارات أيضا، ربما جعلها تفكر مليا في أن الوقت قد حان لإحداث تغيير في دورها بالحرب في اليمن.
وأضاف أنه لوحظ خطوات إماراتية متسارعة تمثلت "في زيارة وفد عسكري إلى طهران، وحديث المسؤولين الإيرانيين عن رغبة إماراتية في إحداث اختراق سياسي لإنهاء الحرب في اليمن".
وبحسب الباحث السياسي "السلامي"، فإن الإمارات قررت الانحياز لأمنها على حساب القضايا العالقة، خصوصا الحرب في اليمن، والتي أصبحت أكثر تعقيدا، بعد 26 مارس 2015، أي بعد انطلاق عاصفة الحزم، وهذا بالتأكيد سيضاعف العبء على السعودية بخصوص حرب اليمن.
وتوقع تقاربا أكثر خلال الفترة القادمة، بل مزيدا من الخطوات الودية بين الإمارات وإيران، لإبعاد شبح التصعيد عن الأولى ونهضتها.
لكنه تساءل عن موقع وموقف الرياض من الخطوات الإماراتية مع الإيرانيين، وهل تمت بمنأى عنها، أم أن هناك تنسيقا بين البلدين الخليجيين؟
اتصالات بين الحوثي والإمارات.. هل تخلت الأخيرة عن السعودية؟
مسؤول يمني لـ"عربي21": أدلة نيابة عدن فضيحة لأبوظبي
مدينة المهرة اليمنية تدخل منعطفا جديدا بعد تصريح حكومي مثير