أطاح رئيس سلطة الانقلاب في
مصر، عبدالفتاح
السيسي، بصاحب فكرة حفر تفريعة
قناة السويس، الفريق مهاب مميش، من منصبه في ذكرى حفرها الرابعة، وبعد 7 سنوات من عمله
برئاسة هيئة قناة السويس نفذ فيها خطط ومشروعات السيسي، ونحو عامين ونصف من رئاسته
منطقتها الاقتصادية.
وقرر السيسي، السبت، تعيين الفريق أسامة ربيع، نائب مميش لمدة 3 سنوات، رئيسا لهيئة قناة السويس، خلفا لمميش الذي تم تعيينه مستشارا لرئيس الجمهورية لمشروعات
محور قناة السويس والموانئ البحرية.
ومن اللافت أن السيسي لم يوكل مهمة رئاسة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس،
التي أدارها مميش لمدة عامين، إلى رئيس القناة الجديد، حيث عين المهندس يحيى زكي عضو
مجلس إدارة "صندوق مصر السيادي"، رئيسا للمنطقة الاقتصادية.
ويأتي تعيين شخصية عسكرية جديدة لرئاسة هيئة قناة السويس وآخر مدني للهيئة
الاقتصادية للمنطقة، في الوقت الذي كان من المقرر أن يمد السيسي فيه عمل مميش لمدة عام آخر، كما دأب خلال السنوات الأخيرة، ما أثار
التساؤلات حول أسباب القرار.
رحلة الصعود
وتم تعيين مميش رئيسا للقناة بعهد الرئيس محمد مرسي في آب/ أغسطس
2012، لكنه أصبح الذراع اليمنى للسيسي بعملية حفر وتكريك تفريعة قناة السويس الجديدة،
حتى افتتاحها عام 2015.
وفي 21 كانون الأول/ ديسمبر 2016 نقل السيسي إليه تبعية الموانئ الستة
التابعة للمنطقة الاقتصادية، (شرق التفريعة، وغرب بورسعيد، والعين السخنة، والطور،
والأدبية، والعريش).
وزادت صلاحيات مميش برئاسته للمنطقة الاقتصادية للقناة في نيسان/ أبريل
2017، عندما أعلن السيسي، بقرار مفاجئ، إقالة الدكتور أحمد درويش من رئاستها، بعدما
أصدر الأخير تقريرا انتقد دور الدولة وأوضاع الموانئ.
ودأب مميش على تصريحاته الداعمة للسيسي، آخرها خلال الاحتفال بالذكرى
الرابعة لحفر تفريعة قناة السويس قبل أيام: "السيسي رجل حبانا الله به، وجاء بالوقت
المناسب".
وحسب الأرقام الرسمية، سجلت قناة السويس بالعام المالي 2018/ 2019 عائدات
بلغت 5.9 مليار دولار.
"لهذا
أُطيح بمميش"
وحول الأسباب الاقتصادية المحتملة لإقالة مميش، يعتقد الكاتب والمحلل
الاقتصادي مصطفى عبدالسلام أن "عدم التجديد لمميش مثل مفاجأة للكثيرين، إذ إنه
من المعروف أن من يتولون هذا المنصب يظلون بمواقعهم لسنوات طويلة، كما أنه صاحب فكرة
حفر تفريعة قناة السويس والمشروعات المحيطة بها، البالغة كلفتها 8 مليارات دولار، كما
أنه كان المشرف على مشروعات تنمية القناة".
عبدالسلام، قال لـ"
عربي21": "ربما هناك أسباب وراء عدم
التجديد له، أبرزها عدم زيادة إيرادات قناة السويس بالشكل الذي تم الإعلان عنه خلال
الترويج لما يسمى قناة السويس الجديدة، فقد تحدث مميش عن إيرادات تبلغ 13 مليار دولار
سنويا عقب تشغيل القناة الجديدة، بل ونقلت عنه وسائل إعلام توقعه بأن تصل الإيرادات
لمئة مليار دولار سنويا".
وأضاف أنه "ربما يسعى النظام الحاكم من خطوة تعيين رئيس جديد للقناة
إلى محاولة زيادة إيراداتها ومواجهة التحديات التي تواجهها، منها تراجع أسعار النفط
عالميا، وإطلاق مشروعات عالمية منافسة منها توسعة قناة بنما، وسكك الحديد التي ستنقل
جزءا من صادرات الصين لأوروبا عبر القطارات، وطريق الحرير الذي تتبناه الصين، وتفضيل
الشاحنات الكبرى لطريق رأس الرجاء الصالح؛ بسبب رخصة وتراجع مخاطر القرصنة البحرية، خاصة
بالقرن الأفريقي".
ويرى الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي أن "النظام الحاكم يريد
أيضا إنجازا سريعا لمشروعات تنمية القناة، ليبعث برسالة للرأي العام مفادها أن الـ64
مليار جنيه التي تم جمعها في العام 2015، آتت أكلها، وتم استثمارها بشكل كفء عاد بالنفع
على الاقتصاد المصري".
"هكذا تدور المنظومة"
وفي رؤيته، قال رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري الدكتور عمرو
عادل: "حتى نتعرف على أسباب كل التحركات والتغييرات بالجيش ينبغي أن ندرك أولا
طبيعة العلاقات بين القيادات، وكذلك القوانين المنظمة للتعامل بينهم، سواء القوانين
المكتوبة أو الأعراف السائدة بينهم طبقا لموازين القوى".
الضابط السابق بالجيش المصري، أوضح لـ"
عربي21" أن "هناك
عدة مفاصل داخل المؤسسة العسكرية، من يسيطر عليها يستطيع فعل ما يشاء حتى بأعلى القيادات، وأهم تلك المفاصل هي المخابرات العسكرية؛ لأنها الآن تمثل العنصر الأمني داخل المؤسسة
تماما كمؤسسة أمن الدولة بين الشعب".
وأشار إلى أن "المؤسسة الأخرى هي القضاء العسكري، التي تمتلك من
الصلاحيات طبقا للقانون بحبس أي عضو بالجيش مهما كانت رتبته"، مبينا أن
"المخابرات العسكرية تقوم بزراعة عملاء لها بكل الوحدات للتجسس على الجميع، وهؤلاء
العملاء من كل الرتب، ويمكن بلحظة أن يتحول أي ضابط مهما كانت رتبته لسجين بالسجن الحربي
عبر المحاكم العسكرية".
وأضاف السياسي المصري المعارض أن "أكثر من يضار من هذه المنظومة
هم من يمشون بركاب السلطة، حيث يكونون جزءا من عناصر القوة للسيسي، وبالتالي لا يصنعون
لأنفسهم دوائر قوة بعيدة عنه، وهم في أغلبهم مجموعة من المنتفعين الباحثين عن المال، ولا ينازعونه سلطته تماما كمهاب مميش".
وقال إن "الكثير من ضباط الجيش والقيادات يدركون سيطرة المخابرات
العسكرية، وإمكانية تحويلهم للقضاء العسكري بأي تهمه؛ لذلك هناك حرص شديد لمن لا ينتمي
بشكل فاضح لنظام السيسي، وأيضا من يحاول بناء شبكات للقوة داخل المؤسسة بعيدا عن النظام
الحالي، ويتعرض لضغوط أمنية شديدة تقلل من قدرته على بناء تلك الشبكات أو يتعرض للاختراق، خاصة أن المفاصل الرئيسية للجيش معروفة، وربما أغليها تحت السيطرة".
وأكد عادل أن "مهاب مميش أحد التابعين مهما كانت درجته الوظيفية، لذلك تغييره أو عزله لا يعني بالضرورة حدوث مشكلة، ومن القواعد الثابتة بالنظم الاستبدادية
التغيير المتتالي والدائم للقيادات".