نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لمراسليها نجمة بورزوغمهر وأندرو إنغلاند، يقولان فيه إن الإفراج عن ناقلة النفط الإيرانية "غريس 1" كان مجالا للحرس الثوري الإيراني ليتحدث عن انتصار استراتيجيته ضد أمريكا.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن مغادرة السفينة، التي سيطرت عليها وحدات كوماندو بريطانية وهي تعبر جبل طارق الشهر الماضي، فتحت مجالا لشعور الحرس الثوري بالنصر.
ويلفت الكاتبان إلى أن التلفاز الإيراني الرسمي أظهر صورة للسفينة التي غيرت اسمها وهي ترفع العلم الإيراني، بطريقة أظهرت أن خروجها إلى المياه الدولية مرة أخرى يعد انتصارا على كل من بريطانيا وأمريكا.
وتورد الصحيفة نقلا عن المؤسسة القضائية، قولها إنها ستطالب بالتعويضات عن الخسائر المترتبة على إعاقة مسار رحلة السفينة، و"تلقين درس" لمن تسول له نفسه وقف سفينة إيرانية أخرى، فيما حذرت وزارة الخارجية الإيرانية من تداعيات خطيرة لو حاولت الولايات المتحدة السيطرة على السفينة باسمها الجديد "أدريانا داريا 1"، التي شقت طريقها عبر البحر المتوسط باتجاه اليونان.
وينوه التقرير إلى أن السفينة كانت مركز مواجهة بين إيران وبريطانيا على مدى الأسابيع الستة الماضية، مشيرا إلى أنه الآن وبعد الإفراج عن هذه السفينة، بقرار من محكمة في جبل طارق، فإن النظام استخدمها دليلا على قدرته على مواجهة ضغوط إدارة دونالد ترامب.
ويفيد الكاتبان بأنه تم تقديم هذه الحادثة على أنها إثبات لنجاعة استراتيجية طهران الهادئة وقدرتها على "المقاومة"، وهي استراتيجية أرفقت القول بالتحذير والفعل، وبأنها قادرة على مواجهة الأفعال العدوانية، وهي الاستراتيجية ذاتها التي استخدمها الحرس الثوري الإيراني ولعقود طويلة، من أجل تبرير مواجهة التهديدات الأجنبية المزعومة، وتوسيع التأثير الإيراني في الخارج، من خلال تدريب جماعات وكيلة للجمهورية الإسلامية.
وتقول الصحيفة إن هذه القوة المكونة من 120 ألف عنصر، التي صنفتها الولايات المتحدة جماعة إرهابية، هي المستفيد الأول من حادثة "أدريانا داريا 1".
وينقل التقرير عن السياسي المقرب من المعسكر المتشدد حامد رضا تراقي، قوله: "أظهر النصر في جبل طارق حاجة إيران لسلطة الحرس العسكرية في الميدان الدولي أكثر من الحاجة إلى الدبلوماسية السلمية والمفاوضات العبثية"، وأضاف أن "الحرس الثوري أجبر القوى الكبرى على التراجع".
ويبين الكاتبان أنه في نظر السياسيين الإيرانيين، فإنه تم الإفراج عن السفينة "أدريانا" لأن الحرس الثوري سيطر على ناقلة النفط البريطانية "ستينا إمبيرو" وطاقمها المكون من 23 شخصا، في رد انتقامي على التصرف البريطاني، مشيرين إلى أن حكومة جبل طارق وبريطانيا تؤكدان أن توقيف السفينة جاء بسبب الشك في نقلها 2.1 مليون برميل من النفط الخام إلى سوريا، في خرق واضح للحظر الذي يمارسه الاتحاد الأوروبي على النظام السوري.
وتشير الصحيفة إلى أنه في المقابل فإن طهران تعاملت مع التحرك البريطاني على أنه مهمة تنفذها لندن بطلب من واشنطن، ودعما لاستراتيجية إدارة دونالد ترامب القائمة على ممارسة "أقصى ضغط" على الحكومة الإيرانية، لافتة إلى أنه منذ قرار ترامب الخروج من الاتفاقية النووية التي وقعها سلفه باراك أوباما عام 2015 والتوتر يتزايد.
ويستدرك التقرير بأنه رغم نقد بريطانيا لقرار ترامب الخروج العام الماضي، وبقائها في الاتفاقية، وعدم دعمها العقوبات، إلا أنها حصرت مصير الناقلة الإيرانية بقرار المحاكم في جبل طارق، ونفت أن تكون هناك عملية تبادل مع إيران، مشيرا إلى أن عملية الإفراج تعقدت عندما قررت واشنطن التقدم بطلب في اللحظة الأخيرة تدعو فيه جبل طارق للسيطرة عليها.
ويذكر الكاتبان أن حكومة جبل طارق رفضت الطلب الأمريكي، قائلة إنها تلقت تأكيدات بأن السفينة لن تذهب إلى سوريا، فيما لا تزال إيران تحتفظ بالسفينة البريطانية، مشيرين إلى أن وجهة سفينة "أدريانا داريا 1" النهائية عير معلومة، حيث قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن بلاده "لا يمكنها الحديث بشفافية" عن وجهة السفينة؛ بسبب العقوبات الأمريكية التي تريد منع إيران من تصدير نفطها.
وتلفت الصحيفة إلى أن طهران هددت وبشكل مستمر بأنها ستقوم بعرقلة تدفق النفط عبر مضيق هرمز لو أنها منعت من تصدير نفطها.
وينوه التقرير إلى أن المحاولة الأمريكية للسيطرة على السفينة كانت لأن ملكيتها تعود إلى الحرس الثوري، الذي تتهمه الحكومة الأمريكية بعمليات تخريب ناقلات النفط الست في الخليج هذا الصيف، مشيرا إلى أن الحرس الثوري هو من أسقط طائرة أمريكية مسيرة، التي دفعت واشنطن للتحرك للرد عليها، إلا أنه تم وقف الهجوم قبل دقائق من انطلاقه.
ويقول الكاتبان إن الحادث قاد إلى تحذير الدبلوماسيين من خطأ في التقدير قد يؤدي إلى حرب شاملة في المنطقة، مستدركين بأن الإيرانيين يتعاملون مع نجاح الحرس الثوري باعتباره دليلا على قدرته على توفير الأمن لهم.
وتورد الصحيفة نقلا عن ربة البيت رويا (32 عاما)، قولها: "الحرس هم أقوياء، ولا أحد يتجرأ على شن حرب ضد إيران.. ما فعلوه في السفينة كان مثيرا للإعجاب".
ويعلق الكاتبان قائلين إنها مثل الكثير من الإيرانيين، ليست من أتباع الحرس، بسبب سياساته القمعية، خاصة الثورة الخضراء في عام 2009، التي قتل فيها أكثر من مئة شخص، مشيرين إلى أن ما زاد من موقف الرأي العام من الحرس اتهامات الفساد، حيث استفاد أفراده من العقود التجارية وبنى إمبراطورية تجارية، بالإضافة إلى انتقاد الإيرانيين لعمليات الحرس في الخارج.
وبحسب التقرير، فإن المحللين في إيران تحدثوا عن أن منافع تطوير الحرس قدراته لخوض حرب غير منسقة، من خلال قواته والجماعات الوكيلة، باتت واضحة.
وتنقل الصحيفة عن المحلل المقرب من التيار الإصلاحي سعيد ليلاز، قوله: "هذه هي المرة الأولى التي تدخل فيها إيران في مواجهات مع الدول الغربية وتنتصر"، وأضاف أن صورة الحرس الثوري في إيران سيتم تعزيزها.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن حادثة "أدريانا داريا 1" تكشف عن الطريقة التي قوت فيها استراتيجية ترامب المتشددين، وأضعفت الرئيس حسن روحاني الذي حاول الحد من قوتهم.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
فورين بوليسي: هل باتت إيران تتحكم بمياه الخليج؟
واشنطن بوست: خيارات ترامب والنظام الإيراني باتت محدودة
FT: لماذا صمت رجال الدين السعوديون على عودة القوات الأمريكية؟