بعد أشهر على حراك الجزائر.. هل أصبحت المواقف أكثر تطرفا؟

صار لافتا في الأسابيع الأخيرة، جنوح الأطراف الرئيسية في المشهد الجزائري، إلى التصعيد في التعامل مع الأزمة المستمرة منذ 6 أشهر، وهو ما يُخشى أن يؤدي إلى مزيد من التباعد بين وجهات النظر بدل تقريبها للوصول إلى حلّ.

وفي خطابه الأخير، استعمل الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش، عبارات صدمت الكثير من المتابعين، في توصيف الرافضين لخريطة الطريق التي يريدها الجيش في التعامل مع الأزمة.

ورغم أن قايد صالح تعوّد على استعمال عبارات حادّة، إلا أن قوله إن "الجزائر ليست بحاجة لهؤلاء البشر" في معرض ردّه على من يصفهم بالمتآمرين، اعتبره البعض تصعيدا خطيرا في النظر إلى معارضي سياسة قيادة الجيش.

وقال قايد صالح في المقطع الذي تضمن هذه العبارة المثيرة للجدل: "سنعمل دون هوادة على إفشال المخططات الخبيثة  لهذه الجهات وهؤلاء الأشخاص المأجورين الذين أصبحت مواقفهم متغيرة ومتناقضة (..) الجزائر ليست في حاجة لمثل هؤلاء البشر بل هي بحاجة إلى الوطنيين المخلصين الذين يعملون وفق خطط مدروسة متحلين في ذلك  بروح المسؤولية والتحفظ ويتفادون تقديم تصريحات طائشة غير محسوبة العواقب  ويسعون إلى طرح مبادرات تخدم البلاد وتساهم في خروجها من الأزمة".

وصار مألوفا في خطابات قايد صالح، مصطلحات "العصابة، الشرذمة، المأجورون، أصحاب المخططات الخبيثة، المغرضون، الأصوات الناعقة.."، وذلك في معرض رده على الرافضين للذهاب للانتخابات الرئاسية بالمسار الحالي والمنادين بمرحلة انتقالية أو بمجلس تأسيسي، رغم أنها أفكار سياسية في النهاية يمكنها أن تكون مادة للنقاش وليس الاتهام، وفق منتقدي خطابه.

ثقافة سياسية عسكرية

وفي تحليله لخطاب قايد صالح، أوضح نوري دريس، الباحث في علم الاجتماع السياسي، أن القيادة العسكرية سجينة ثقافة سياسية لم تعد تتوافق مع التطور الحاصل في المجتمع.

وأبرز دريس في حديثه مع "عربي21"، أن المؤسسة العسكرية في تفكيرها، تعتقد أنها رافقت الحراك في الإطاحة بنظام الفساد، وساهمت في عدم حصول بوتفليقة على عهدة خامسة، وهذا في نظرها أقصى ما يمكن أن يطالب به الجزائريين، بل هو عين ما يطالب به  معظم الجزائريين، وقد تمت الاستجابة له وحان الوقت لانتخاب رئيس جديد للبلاد.

لذلك، يشير دريس إلى أن الرافضين للحوار حسب القيادة العسكرية، هي أحزاب وجمعيات كانت تتحكم فيها المخابرات، ورفضها للحوار غير معقول في نظرها وتفسره دائما بخضوع هذه الكيانات لمدير المخابرات السابق الفريق محمد مدين المدعو توفيق (مسجون حاليا) و شبكاته النائمة.

اقرأ أيضا: قايد صالح يدعو لانتخابات مبكرة ويهدد مروجي المرحلة الانتقالية

وتابع دريس في تحليله: "هنالك حالة من الشك وغياب الثقة في الحقل السياسي، سببها التسيير المخابراتي الذي هيمن على الدولة منذ الاستقلال، حيث الجميع يشك في الجميع، و هذا تحد يصعب تجاوزه".

وعن سبب غضب قائد الجيش من الدعوة لمرحلة انتقالية تحديدا ، أرجع دريس ذلك إلى تجربة التسعينات السيئة مع هذا الطرح، ناهيك عن المرحلة الانتقالية ليست بالضرورة ضمانا لانتقال ديمقراطي". واستطرد المتحدث: صحيح أن الظروف مختلفة اليوم، لكن العسكر لا يتصور حلا خارج الإطار الذي يرسمه هو و بالأشخاص الذين يثق فيهم".

تكرار الماضي

من جهته، يرى الباحث في الشؤون العسكرية، هواري عدي، بأن خطاب التنديد بالـ"عصابة" إضافة إلى كونه مثيرا للسخرية، فهو يهدف إلى تبرئة كل النظام الموروث عن الاستقلال، بمكاسبه الإيجابية وبخيباته.

ويعود عدي في مساهمة مكتوبة له، إلى  تجربة انتفاضة الجزائريين في تشرين الأول/ أكتوبر 1988، التي بلغ فيها، حسبه، النظام حدوده السياسية ، لكن عِوض أن تنخرط القيادة العسكرية بصدق، في الانتقال الديمقراطي الذي دشنه الإصلاح الدستوري في شباط/ فبراير 1989 لأجل مرحلة تاريخية جديدة في بناء الدولة، نجدها فضلت إجهاض التعددية، مستعينة بالتزوير المنهجي للانتخابات وبالتعيين شبه الإداري لممثلي الشعب في المجالس المنتخبة، من البلدية إلى المجلس الوطني الشعبي.

لذلك، فإن الاحتجاج الشعبي الذي انطلق في شباط/ فبراير 2019، بحسب الباحث، هو تعبير عن سخط واستياء كبيرين نابعين من أعماق المجتمع، ويسعيان لإرساء الدولة بوصفها مجموعة من المؤسسات الموجودة لخدمة البلد، وهو حامل لطلب اجتماعي لتغيير نظام الحكم قصد إنقاذ الدولة.

طول الانتظار

غير أن طول مدة الانتظار من جانب الحراك الشعبي لتحقيق المطالب، صار يدفع للتصعيد وأحيانا الراديكالية في المواقف التي صارت تتركز أكثر حول قايد صالح وتدعو حتى لرحيله، على الرغم من أن هذا المطلب ليس معقولا في الظروف الحالية، وفق العديد من السياسيين.

ورصدت "عربي21"، في مظاهرات الحراك الشعبي ومسيرات الطلبة على مدار الأسبوع الأخير، شعارات تدعو للعصيان المدني وأخرى تتهم قايد صالح بالسعي لإقامة دولة عسكرية والبعض منها يدعو لتفاوض مباشر مع المؤسسة العسكرية على الطريقة السودانية.

اقرأ أيضا: "إخوان الجزائر" يعلنون رفضهم لقاء لجنة الحوار

ولاحظت لويزة آيت حمداوش أستاذة العلوم السياسية في جامعة الجزائر، أن التصعيد في المواقف واضح من جانب المتظاهرين، لكنه يبقى فقط على مستوى الشعارات ولم يتعدّ ذلك إلى الفعل، لأن الجزائريين في رأيها واعون بأن الحراك يجب أن يبقى سلميا وطنيا شعبيا سياسيا ويبتعد عن كل أشكال العنف.

وأشارت آيت حمدوش في حديثها مع "عربي21"، إلى أن هذا التصعيد طبيعي بالنظر إلى وصولنا إلى الشهر السابع من الحراك دون أن تُنفذ المطالب أو تظهر على الأقل مؤشرات على تحقيقها.

إنذار للسلطة والمعارضة

واعتبرت المتحدثة، أن التصعيد في الشعارات هو بمثابة إنذار للفواعل السياسية حتى تُدرك بأن الظروف السياسية تتطور بسرعة اكبر من مبادراتها وقراءتها للوضع.

وحذرت أستاذة العلوم السياسية، من أن التصعيد كلما ازداد كلما قابله صعوبة في الوصول إلى حلول عقلانية، وهذا ما يجعل حسبها من الضروري، على السلطة أولا باعتبارها صاحبة القرار وعلى المعارضة ثانيا الوعي بأن المستعجل ليس في الذهاب لانتخابات في أقرب وقت ولكن في الدخول سريعا في مسار يؤدي إلى حلّ الأزمة.