دعا الباحث الليبي في شؤون الفكر الإسلامي عضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور علي الصلابي الرئيس اللبناني ميشال عون إلى عدم الاستعجال في الحكم على تراث الدولة العثمانية، وعدم الأخذ بكتابات مؤرخين منحازين وخصوم للدولة العثمانية وإرثها.
وبعث الصلابي اليوم الاثنين برسالة مفتوحة إلى الرئيس اللبناني ميشال عون، ردا على تغريدة هذا الأخير، التي اتهم فيها الدولة العثمانية بالمسؤولية عن مئات آلاف الضحايا ما بين "المجاعة، والتجنيد، والسخرة".
وأثار الرئيس اللبناني، ميشال عون، الجدل بتغريدة عن الاضطهاد العثماني للبنانيين، والتي اتهم فيها الدولة العثمانية بممارسة "إرهاب الدولة" بحق اللبنانيين في الحرب العالمية الأولى.
إقرأ أيضا: الرئيس اللبناني يهاجم "الدولة العثمانية".. ومعلقون يردون
وقال الصلابي: "إن الصورة القاتمة التي رسمها بعض المؤرخين للحقبة العثمانية خاطئة. وأن الدولة العثمانية تميزت بالتسامح الديني والثقافي، وكانت الملاذ الآمن والبلد الحضاري لكل الفارين من الاضطهاد الديني والقهر السياسي في أوروبا والممالك الأخرى في العالم آنذاك".
وأضاف: "إن علم التاريخ ليس مجرد تسجيل للوقائع والأحداث بصورة مجردة، إنما تتدخل به الانتماءات الأيديولوجية والفكرية والمنهجية لكل كاتب، ولعل أبرز مثال على هذه التدخلات من الناحية السلبية هو ما فعله المؤرخون بتاريخ الدولة العثمانية".
وأوضح الصلابي أن مؤرخي الدولة العثمانية انقسموا إلى فريقين: الأول وهو الأغلب لأنه يمثل المستشرقين الغربيين واليهود والقوميين والعلمانيين الحاقدين على الحكم العثماني، استخدم أساليب العداء والطعن والتشويه والتشكيك فيما قام به العثمانيون من خدمة لأمة الإسلام، أما الفريق الثاني عبَّرَ عن انتمائه للأمة والدولة العثمانية كجزء من الحكومات التي صانت بيضة الإسلام لعهود طويلة.
وأشار الصلابي إلى أن "هذه الروايات التاريخية ليست وليدة الصراع الغربي ـ الإسلامي في العصور الوسطى أو عصر نشوء القوميات في القرن التاسع عشر فقط، بل اتسعت في مرحلة الصراع المملوكي ـ العثماني ـ الصفوي ـ الصليبي، وقد حفلت تلك الروايات بالتوجس والعداء، وعلى هذا كان التصور الغربي والعربي سلبيا تجاه الحكم العثماني".
وأورد الصلابي تحذير شيخ المؤرخين العرب عبد الرحمن بن خلدون السلطان المملوكي برقوق من عواقب قبول التحالف مع العثمانيين، مرددًا قولته المشهورة: "لا تخشوا على ملك مصر إلا من أولاد عثمان". وكذلك مؤرخون عرب ومسلمون حملوا نفس التصور.
وقال: "وحده المؤرخ ابن تغري بردي المثقف بحسه العالي، الذي دعا إلى تحالف عثماني مملوكي ضد المغول بقيادة تيمورلنك، غير أنه في ظل حال الالتباس والتوجس، تم تجاهل رأيه، مما أدى في النهاية إلى تحقيق نبوءته، فاجتاح المغول أراضي المماليك والعثمانيين في الشام والأناضول كلها".
ورأى الصلابي أن "آراء الكتاب الأوروبيين من الحكم العثماني، كانت محكومة بمواقف بلادهم من التقدم العثماني في أوروبا، خصوصًا بعد أن سقطت عاصمة الدولة البيزنطية (القسطنطينية) بيدهم، وحولها العثمانيون إلى عاصمة للإسلام (إسلام بول)".
وأعرب الصلابي عن أسفه لأن كثيرا من المؤرخين العرب تأثروا بالاتجاهات الأوروبية المادية، فـ "أسندوا كل ما هو مضيء في تاريخ بلادهم إلى بداية الاحتكاك بهذه الحضارة البعيدة كل البعد عن المنهج الرباني، واعتبروا بداية تاريخهم الحديث من وصول الحملة الفرنسية على مصر والشام وما أنجزته من تحطيم جدار العزلة بين الشرق والغرب".
وأضاف: "احتضنت القوى الأوروبية الاتجاه المناهض للخلافة الإسلامية، وقامت بدعم المفكرين في مصر والشام إلى تأصيل الإطار القومي وتعميقه من أمثال البستاني واليازجي وجورج زيدان وأديب إسحاق وسليم نقاش وفرح انطوان وشبلي شميل وسلامة موسى وهنري كورييل وهليل شفارتز وغيرهم، وكان أغلب هؤلاء من حملة التيار التغريبي المسيء لتاريخ الأمة الإسلامية وحضارتها".
وتابع: "شارك بعض المؤرخين السلفيين في المشرق العربي في الهجوم على الدولة العثمانية مدفوعين إلى ذلك بالرصيد العدائي الذي خلّفه دور الخلافة العثمانية ضد الدعوة السلفية في العديد من مراحلها بسبب مؤامرات الدول الغربية الاستعمارية التي دفعت السلاطين العثمانيين للصدام بالقوة الإسلامية في نجد قلب الدعوة السلفية، وكذلك لمساندة الخلافة للاتجاه الصوفي، فضلًا عن أن دولة الخلافة في سنواتها الأخيرة سيطر عليها دعاة الطورانية التركية الذين ابتعدوا بها عن الالتزام بالمنهج الإسلامي الذي تميزت به الدولة العثمانية لفترات طويلة، وشجع كافة المسلمين للارتباط بها وتأييدها والوقوف معها".
كما نبّه الصلابي، أن المؤرخين الماركسيين قد شنوا حربًا لا هوادة فيها على الدولة العثمانية، واعتبروا فترة حكمها تكريسًا لسيادة النظام الإقطاعي الذي هيمن على تاريخ العصور الوسطى السابقة، وأن العثمانيين لم يُحدثوا أي تطور في وسائل أو قوى الإنتاج، وأن التاريخ الحديث يبدأ بظهور الطبقة البورجوازية ثم الرأسمالية التي أسهمت في إحداث تغيير في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في بداية القرن التاسع عشر.
ورأى الصلابي أن "هذه الدراسات غلب عليها طابع الحقد الأعمى، وابتعدت كل البعد عن الموضوعية، مما أدى إلى ظهور رد فعل إسلامي للرد على الاتهامات والشبهات التي وجهت للدولة العثمانية، من أهمها ما قام به الدكتور عبد العزيز الشناوي في ثلاث مجلدات ضخمة تحت عنوان "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها".
وأكد الصلابي أن "الدراسات التاريخية الحديثة نجحت في إزالة الغبار عـن حقيقة الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للدولة العثمانية، مما ساهم في إعادة النظر، بل ودحض فكرة تخلف الشعوب والأمم الخاضعة للحكم العثماني".
وقال الصلابي: "غالبية الكتاب ترى أن العثمانيين حكموا المنطقة العربية أربعة قرون، فيها سنوات نهضة وسنوات انتكاسة. وشارك في الدولة العثمانية أجناس متعددة ولغات مختلفة بما فيها العرب الذين شاركوا في الحضارة والسياسة في تلك الفترة"، على حد تعبيره.
وأرفق الصلابي رسالته للرئيس اللبناني ميشال عون بنسخة من كتابه عن الدولة العثمانية، التي قال بأنه كتبه بعلمٍ وإطلاع واعتمد فيه على مصادر متنوعة عربية وتركية وعالمية، محاولاً تحري المصداقية والانصاف.
الضربة الأمريكية على إدلب.. خلط لأوراق تركيا وإنذار لروسيا
نشطاء يشيدون برد حزب الله وآخرون يصفونه "باهتا" (شاهد)
هل يمنع الجيش اللبناني رد حزب الله على هجوم إسرائيل؟